"المؤتمر" اليمني ينقسم رسمياً: رئيس جديد بإشراف الحوثيين

08 يناير 2018
أسقط الاجتماع دعوة صالح للانتفاضة ضد الحوثيين(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
بعد ما يزيد عن شهر على مقتل علي عبدالله صالح، بات حزب "المؤتمر الشعبي العام" في اليمن، لأول مرة على أبواب التقسيم الرسمي، بعد أن قطعت القيادات المتواجدة في العاصمة صنعاء، الخطوة الأولى، وكلفت صادق أمين أبوراس، برئاسة الحزب خلفاً لصالح، في خطوة حسمت أسابيع من الجدل حول مصير الحزب وقياداته في صنعاء بإعلان موقف أقرب لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في مقابل فشل القيادات الموالية لصالح وللشرعية، المتواجدة خارج البلاد، في إخراج إطار قيادي متوافق عليه حتى اليوم.

وأكدت مصادر سياسية في صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن قياديين في حزب المؤتمر وأعضاء في "اللجنة العامة" (المكتب السياسي للحزب)، توافقوا خلال أول اجتماع يعقده قادة في الحزب، بأحد فنادق صنعاء، على تكليف أبوراس، رئيساً، بعد أسابيع من التواصل والتحضير بين القيادات المتواجدة في العاصمة، والتي جمعت تكاليف الاجتماع من تبرعات للقيادات نفسها. ورُفعت في الصالة التي انعقد فيها الاجتماع، صورتا صالح والأمين العام السابق للحزب عازف الزوكا، وكلاهما قُتلا بنيران الحوثيين مطلع الشهر الماضي.

ووصفت المصادر، الحضور في الاجتماع بأنه كان أقل وزناً لجهة عدد الشخصيات الحاضرة، والتي كان أبرزها رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، بصفته أحد الأمناء العامين المساعدين في الحزب. ومن القيادات الأخرى، حسين حازب وهو وزير التعليم العالي في الحكومة التي شكّلها الحوثيون و"المؤتمر"، وهشام شرف الذي يشغل منصب وزير الخارجية في الحكومة نفسها، وكذلك القيادي علي عبدالله أبوحليقة (برلماني)، والقيادي عبده الجندي (محافظ تعز بتعيين من الحوثيين)، فيما غابت أغلب القيادات البارزة، ومنها الأمين العام المساعد ياسر العواضي والأمين العام المساعد فائقة السيد، وقيادات أخرى. وخرج الاجتماع، بتكليف أبوراس (الذي كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الحزب)، بموجب المادة 29 من النظام الداخلي لحزب "المؤتمر"، والتي تنص على أن النائب الأول لرئيس لحزب ينوبه عند غيابه وذلك إلى حين انعقاد مؤتمر عام للحزب، بالإضافة إلى تكليف الأمناء العامين المساعدين، وهم يحيى الراعي، وياسر العواضي، وفائقة السيد، بالقيام بأعمال الأمين العام، في ظل الفراغ الذي خلّفه رحيل عارف الزوكا.

وغير بعيد عما كان متوقعاً، خرج الاجتماع ببيان مطول، نعى فيه زعيمه وأمينه العام، لكنه لم يدن الحوثيين، وعوضاً عن ذلك أعادت قيادات الحزب المتواجدة في صنعاء التحالف مع الحوثيين، وأعلنت أن المؤتمر على "موقفه المبدئي والثابت" برفض "العدوان" الذي استهدف البلاد منذ 26 مارس/آذار 2015، في إشارة لهجوم التحالف بقيادة السعودية والإمارات. وأعلنت قيادته أنها "تقف بكل قوة خلف الجيش واللجان الشعبية"، في إشارة لقوات الحوثيين التي تواجه الشرعية والتحالف، وهو الموقف الذي يقسم الحزب إلى حد كبير، بعد أن باتت أغلب قياداته المتواجدة خارج البلاد وفي مناطق سيطرة الشرعية، أقرب للتحالف منها إلى الحوثيين، كما أن الموقف يمثل تراجعاً عن الانتفاضة التي دعا إليها صالح ضد الحوثيين، قبل يومين من مقتله.

وفي ما يخص الأحداث في صنعاء، دعا الاجتماع إلى "ضرورة الإسراع بتطبيع الحياة العامة واستكمال عملية الإفراج عن الموقوفين والمحتجزين من قيادات وكوادر وأعضاء وأنصار وحلفاء المؤتمر، وتسليم ممتلكات ومقرات ومؤسسات المؤتمر وفي مقدمتها المؤسسات الإعلامية، ورفع الحظر المفروض عليها والإفراج عن الأموال التابعة للمؤتمر المحتجزة". كما دعا إلى الإفراج عن أبناء وأقارب صالح وإطلاق جميع الموقوفين والمدنيين، فيما لم يتضمن البيان أي إدانة للحوثيين، أو إشارة إلى الجهة التي قامت بالاعتقالات.

في المقابل، وبالتزامن مع هذا الاجتماع، أعلنت قيادة الحزب في شقها الموالي للشرعية، أن قادة الحزب في صنعاء بحكم "الأسرى"، ووصفت الاجتماع بأنه محاولة لإجبار "بعض قياداته على الخضوع والرضوخ وقبول الاستسلام لسياساتهم (الحوثيين) بالقهر والقوة والتهديد بالتصفية والمعتقلات في حالة رفضت بعض القيادات الأسيرة في صنعاء قبول الاستتباع والإخضاع والإذلال، وإجبارهم على تمرير سياسات الاستهداف والقتل وجرائم السطو والهدم الحوثية، وتحويلهم إلى غطاء سياسي يهدف إلى شرعنة مشروعهم الإيراني الذي يهدد عروبة اليمن واستقلاله وإبعاده عن محيطه العربي وأشقائه في دول الخليج".


وقالت قيادة الحزب بشقها الموالي للشرعية والموالين لصالح، ممن غادروا صنعاء، في بيان نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية بنسختها التابعة للشرعية، إن أغلب أعضاء اللجنتين العامة والدائمة للمؤتمر، باتوا خارج صنعاء، وإن الاجتماع "لا علاقة له بالمؤتمر"، وإنه "محاولة لاختطاف الحزب والسيطرة عليه"، وأكدت رفضها لأي ترتيبات تقوم بها ما وصفتها بـ"مليشيات الحوثي الانقلابية أو المجبرين بالإكراه في ما يخص المؤتمر".

ويمثّل اجتماع صنعاء، أمس الأحد، تحوّلاً بارزاً، هو الأول من نوعه، منذ مقتل صالح في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ تمكّن الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية، من دعم تنصيب قيادة جديدة (مؤقتة) للحزب في صنعاء، وانتزعوا منها موقفاً مناوئاً للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، ومخالفاً للموقف الذي أعلنه صالح، قبل يومين من مقتله، بالدعوة إلى "الانتفاض" ضد الحوثيين. كما يمثل الاجتماع استمراراً للشراكة مع الجماعة بطريقة أو بأخرى، ولكنها شراكة تحت القوة، كما يقول عنها معارضو الحوثيين، والذين يصرون على أن القيادات في صنعاء، تعيش في وضع أقرب إلى الإقامة الجبرية، الأمر الذي تعزز ضمنياً بعدم احتواء البيان الصادر عن الاجتماع، أي إدانة صريحة للحوثيين، وعلى العكس من ذلك، تماهت مضامينه مع الرسائل التي يريد الحوثيون إيصالها داخلياً وخارجياً، وعلى صعيد المواجهة العسكرية مع الشرعية والتحالف.

ومنذ مقتل صالح، توزع حزبه بين ثلاثة تيارات، الأول هو القيادات المتواجدة في صنعاء، وبعضها تتصرف تحت ضغوط الحوثيين، وأخرى لا تمانع في التطبيع معهم، وجزء منها شاركت في اجتماع صنعاء، في حين أن الجناح الثاني يمثل قيادات الحزب المتواجدة خارج البلاد أو ممن نجحوا بالإفلات من قبضة الحوثيين، من الموالين لصالح، وهم الأقرب لنجله الأكبر أحمد علي عبدالله صالح، الذي يتواجد في الإمارات. في حين يأتي التيار الثالث، ممثلاً بجناح الشرعية الذي يؤيد الرئيس عبدربه منصور هادي، ويشمل أغلب القيادات التي انحازت لهادي منذ تصاعد الأزمة في البلاد. ومن المتوقع أن يسعى جناحا الشرعية - صالح، من المتواجدين خارج البلاد أو في مناطق سيطرة الشرعية، إلى تنصيب قيادة جديدة للحزب، رداً على التطور الذي شهدته صنعاء.

أما صادق أمين أبوراس، الذي تم تكليفه خلفاً لصالح، فهو من مواليد العام 1952 وكان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الحزب، وهو من قيادته التنظيمية الفاعلة طوال مسيرته، وشغل العديد من المناصب الوزارية والحكومية والتنظيمية في الحزب خلال العقود الماضية. إلا أنه على الرغم من ذلك، ليس من القيادات التي تتمتع بسلطة ونفوذ كافيين لجعل قراره قوياً داخل الحزب وفي ظل سلطة الحوثيين. وهناك انقسام داخل الحزب بتقييم الخطوة الخاصة بالاجتماع، وما إذا كان تعامله مع سلطة الأمر الواقع للحوثيين، سينقذ ما تبقى من الحزب داخل صنعاء، أم أنه سيزيد من تشرذمه، بين الأحزاب والقوى الأخرى، بعد رحيل زعيمه، وبعد فقدان السلطة التي كان "المؤتمر" حزبها، وانضم الكثيرون إليه لأجل المصلحة المرتبطة بها.

وفي السياق، قال القيادي في حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، علي الجرادي، في أول تعليق من قيادي في الحزب على تطورات صنعاء، إن "المؤتمر" ارتكز على "شخصية صالح، ارتباطه بالسلطة، مرونة الأيديولوجيا"، وأضاف في تغريدة على صفحته الشخصية بموقع "تويتر" أنه "بمقتل صالح وفقدان جزء من السلطة، لن يكون هناك مؤتمر شعبي بنسخته الأولى تتنوع داخلها التوجهات والمصالح والارتباطات، وقد نشهد ولادة كيانات سياسية جديدة"، مؤكداً في الوقت ذاته، أن استمرار العمل السياسي والأحزاب لصالح القضية اليمنية، في إشارة إلى ما يمر به حزب صالح، قد يؤثر على العمل السياسي عموماً.