خطة لإبعاد أصحاب حكمي بطلان التنازل عن تيران وصنافير

07 سبتمبر 2017
ستتصدى المحكمة الدستورية لقضيتين بشأن الجزيرتين (فايد الجزائري/Getty)
+ الخط -
تتحرك الإدارة الجديدة لمجلس الدولة المصري، ثاني أكبر هيئة قضائية في البلاد، بتعليمات من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتخلص من الإرث القانوني للحكمين التاريخيين اللذين صدرا في يونيو/ حزيران 2016 ويناير/ كانون الثاني 2017، ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وبطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، منعاً لاستخدام الحكمين كشاهدين، أو دليلين، في أي قضية مستقبلية من ناحية، ومن ناحية أخرى لتخويف القضاة من إصدار أحكام بهذه القوة ضد السلطة التنفيذية في قادم الأيام.

وحاولت الإدارة الجديدة للمجلس، برئاسة رئيسه المعين المستشار أحمد أبو العزم (الذي اختاره السيسي بدلاً من المستشار يحيى دكروري صاحب أول حكم ببطلان التنازل عن الجزيرتين)، قبل أيام، أن تلغي إعلامياً الآثار القانونية للحكمين، فأصدرت بياناً كاذباً مفاده أن محكمة القضاء الإداري تراجعت عن المبادئ التي تضمنها الحكمان، في قضية جديدة رفعها السفير إبراهيم يسري لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وأنها اعتبرت جميع الاتفاقيات المماثلة نوعاً من أعمال السيادة التي يحظر على القضاء الرقابة عليها، وفق المادتين 11 و17 من قانوني السلطة القضائية ومجلس الدولة. إلّا أنه ظهر لمطالع الحيثيات، كما نشرتها "العربي الجديد" قبل أسبوع، أنها تتحدث عن مسألة قانونية مختلفة تماماً، هي عدم قدرة المحكمة على مراقبة الاتفاقيات التي يتم إبرامها ثم التصديق عليها، وإصدارها بقرار جمهوري، فتصبح من القوانين التي لا يجوز الطعن فيها، إلا أمام المحكمة الدستورية وفقاً للنظام القضائي المصري، وهي حالة مختلفة عن حالة اتفاقية الحدود البحرية مع السعودية وجزيرتي تيران وصنافير، لأن الحكمين، اللذين أصدرهما مجلس الدولة ضد السلطة التنفيذية، كانا في المرحلة الفاصلة بين التوقيع وموافقة البرلمان، وبالطبع قبل تصديق رئيس الجمهورية على الاتفاقية، فهذا لم يتم إلا في يونيو/ حزيران الماضي، أي بعد عام كامل من صدور حكم دكروري.

واضطرت إدارة مجلس الدولة، بعد وصول الحيثيات إلى أيدي القضاة والمحامين، إلى إصدار بيان آخر كذبت فيه البيان الأول ضمنياً، وتراجعت عن الرسالة التي أرادت إيصالها للرأي العام، بناء على تعليمات الدائرة الخاصة بالسيسي، لدرجة أن تلقفتها وسائل الإعلام الموالية للنظام، وبدأت تنسج على منوالها موضوعات مطولة للقدح من جديد في حكمي بطلان التنازل عن الجزيرتين. وتوقعت مصادر قضائية رفيعة المستوى في مجلس الدولة أن يشهد العام القضائي الجديد - الذي يبدأ في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل - إصدار حكم أو أكثر يعيد الأوضاع القانونية لنظرية أعمال السيادة إلى ما كانت عليه قبل أن يهزها حكما تيران وصنافير، فعودة هذه النظرية للسيطرة على أفكار القضاء المصري تضمن حصانة قانونية لمختلف تصرفات السلطة التنفيذية، لا سيما التي ترتبط بعلاقات خارجية مع الدول الأجنبية، كترسيم الحدود البرية والبحرية وقطع العلاقات الدبلوماسية وإرسال المبعوثين أو طرد السفراء، ولا سيما أن النظام يسعى لغلق ملف ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وهو ملف من المتوقع أن يثير لغطاً واسعاً بين المتخصصين، الذين يرون أن قبرص وإسرائيل واليونان استغلوا لسنوات غفلة مصر عن الثروات الطبيعية المواجهة لسواحلها، خصوصاً حقول الهيدروكربون الخصبة في أعالي البحر المتوسط، وقاموا بتقسيم بعض تلك الحقول بينهم من دون مراعاة لقربها الطبيعي من السواحل المصرية، وبمخالفة لقانون البحار.


وتوقعت المصادر أن تكون قضية الحدود البحرية مع قبرص أول القضايا التي سيصدر فيها حكم من المحكمة الإدارية العليا، يعيد هذا النوع من القضايا إلى "حظيرة أعمال السيادة"، فالمتوقع حالياً أن يطعن السفير إبراهيم يسري على حكم القضاء الإداري الصادر قبل نحو أسبوع. وستنظر في الطعن الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا، التي يرأسها المستشار أحمد أبو العزم، رئيس مجلس الدولة المعين والمختار شخصياً من قبل السيسي. ولن يقتصر الأمر على مجلس الدولة، فالمحكمة الدستورية ستتصدى أيضاً خلال العام القضائي الجديد إلى قضيتين على الأقل بشأن تيران وصنافير، والمؤشرات الواردة من تقارير هيئة مفوضي المحكمة تظهر اتجاهاً لإلغاء الحكمين التاريخيين أيضاً، باعتبارهما تدخلاً في أعمال السيادة وصادرا الدور المنوط بالبرلمان، بأن تصديا للاتفاقية قبل أن يحدد هو ما إذا كان سيترتب عليهما تخلياً عن جزء من أراضي الدولة من عدمه، وقبل أن يحدد البرلمان الموقف القانوني للجزيرتين. ولا تتوقف خطة التخلص من آثار الحكمين عند الجانب القانوني، بل تتعدى ذلك لتتضمن إبعاد القضاة الذين شاركوا في إصدار الحكمين عن الدوائر المهمة في القضاء الإداري والإدارية العليا، وكذلك في إدارة مجلس الدولة، لصالح آخرين مهادنين للنظام، إذ بدأت هذه الإجراءات بإبعاد دكروري عن رئاسة مجلس الدولة رغم استحقاقه إياها بالأقدمية المطلقة وباختيار الجمعية العمومية لمجلس الدولة، واختيار أبو العزم بدلاً منه، رغم أن أقدميته لم تكن تؤهله لهذا المنصب إلّا في صيف 2018. واستمر دكروري بطبيعة الحال بعيداً عن المنصة، رئيساً للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، علماً أن رئيس مجلس الدولة هو الذي يترأس أهم دائرة بالمحكمة الإدارية العليا التي تراقب منازعات الانتخابات والحقوق والحريات والاستثمار والأحزاب.

كما تم إبعاد المستشار أحمد الشاذلي، رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم البات ببطلان التنازل عن الجزيرتين، من المحاكم نهائياً، وأسندت إليه إدارة فتوى وزارة النقل. ومن المتوقع إبعاد من شاركه بإصدار الحكم من الدائرة الأولى التي سيرأسها أبو العزم إلى دوائر أقل أهمية. كما تم إبعاد المستشار محمد الدمرداش من رئاسة هيئة المفوضين للدائرة الأولى بالقضاء الإداري، وهي الدائرة التي أصدرت تقريراً يوصي بإحالة القضية إلى الخبراء، وهو المعروف بمعارضته المعلنة لاستبعاد دكروري من رئاسة المجلس. وتم إبعاد المستشار محمد رسلان من رئاسة هيئة المفوضين للدائرة الأولى بالإدارية العليا، وهي التي أصدرت تقريراً ضخماً يوصي ببطلان التنازل عن الجزيرتين، وأرفقه ببحث علمي كبير حول تاريخهما. يذكر أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية نوقشت وأُقرت في يونيو الماضي بالمخالفة لحكمي مجلس الدولة المذكورين، ثم صدق السيسي عليها، ونشرت في الجريدة الرسمية الشهر الماضي، وأرفقت بها مكاتبات جرت بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول عدم ممانعة حكومة الأخير في توقيع الاتفاقية، واستلام السعودية المهام الأمنية التي كانت تقوم بها مصر في الجزيرتين وفقاً لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.