التناقضات الطائفية الإيرلندية في ميزان الموقف من القضية الفلسطينية

02 سبتمبر 2017
لوحة جدارية في بلفاست تعبر عن معاناة المدنيين بغزة(Getty)
+ الخط -
يمتلك سكان إيرلندا الشمالية وجهات نظر حاسمة ومتباينة حدّ التناقض حول الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. يمكن لزوار الشطر الكاثوليكي من مدينة بلفاست، الذي يهيمن عليه القوميون الإيرلنديون، مشاهدة لوحات جدارية (غرافيتي) تعبر عن معاناة المدنيين في غزة وتدعم إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن الطعام، والذي دام قرابة 42 يوماً. في المقابل، يمكن رؤية العلم الإسرائيلي بكثرة في الشطر البروتستانتي من عاصمة إيرلندا الشمالية.

تحتفي إحدى اللوحات الجدارية بالكولونيل جون باترسون، الذي كان ضابطاً بروتستانتياً في الجيش البريطاني ومن المدافعين عن الصهيونية وقائداً للفيلق اليهودي خلال الحرب العالمية الأولى. كما توجد لوحة معدنية في الشطر الشمالي من بلفاست لتخليد مكان ولادة الرئيس الإسرائيلي الأسبق بين عامي 1983 و1993، حاييم هرتزوغ، الذي كانت لهجته تعكس دائماً مكان ولادته.

على الرغم من اختلاف طبيعة النزاعين في الشرق الأوسط وفي المملكة المتحدة، إلا أن كلاً من طرفي النزاع في إيرلندا الشمالية يصطف مع أحد أطراف النزاع في فلسطين المحتلة بضراوة تفاقم أحياناً الخلافات المحلية بينهما. يتخذ الحزب "الاتحادي الديمقراطي"، الذي يدعم حكومة الأقلية التي شكلها حزب "المحافظين" البريطاني، موقفاً متصلباً مؤيداً لإسرائيل، مقترباً جداً من موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف. ويعكس موقف الحزب هذا مشاعر المصوتين البروتستانتيين ذوي التفكير المتأثر جداً بالعقيدة المسيحية الصهيونية. في إحدى جلسات النقاش في البرلمان البريطاني في بداية هذا العام، جادل السياسي إيان بيسلي، وهو ابن مؤسس الحزب "الاتحادي الديمقراطي"، بأنه لا يجب الطلب من إسرائيل تفكيك مستوطناتها بشكل أحادي الجانب. وأصر على موقفه بقوله إن "المستوطنات هي أعراض للصراع في إسرائيل وليست السبب".



وفي السياق، اعتبر رئيس مجموعة ضغط تدعى "أصدقاء إسرائيل في إيرلندا الشمالية"، ستيفن جاف، أن "اتحاديي أولستر" معجبون بالقوة العسكرية الإسرائيلية وما يعتبرونه صمودها في وجه "الإرهاب". وعندما صوت مجلس العموم البريطاني في عام 2014، على مبدأ الاعتراف بدولة فلسطينية، كان من بين الاثني عشر نائباً الذين صوتوا بـ"لا"، خمسة ممثلين عن الحزب "الاتحادي الديمقراطي". أما حزب "الشين فين"، الأكثر شعبية بين كاثوليكيي إيرلندا الشمالية، فيمتلك موقفاً مؤيداً للفلسطينيين يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما قدّمت المقاومة الفلسطينية يد المساعدة لـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي". وقد وجّه قائد "الشين فين"، جيري أدامز، انتقادات شديدة أخيراً، لحكومة دبلن لفشلها في الاعتراف بدولة فلسطينية أو دعم الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.

إلا أن العلاقات بين منطقتي النزاع تتجاوز هذا الاصطفاف حول المسألة الفلسطينية، والذي يتجلى في تصريحات السياسيين ولوحات الفنانين. فمنذ تم توقيع اتفاقيات السلام في كلا المنطقتين في تسعينيات القرن الماضي، والتي وفّرت نوعاً من الاستقرار، تتبادل هذه الأطراف زيارات تشمل أكاديميين وباحثين ومنظمات غير حكومية وناشطي سلام، بحثاً عن دروس يمكن الاستفادة منها ونقلها من إحدى هاتين المنطقتين إلى الأخرى. وفي يونيو/ حزيران الماضي، زار وفد من مركز "إسرائيل - فلسطين للبحوث والمعلومات"، وهو مركز بحثي متخصص بالسلام في المنطقة ومقرّه القدس، مدينة بلفاست. وأكد الوفد على الانطباع الحسن الذي خلفته الزيارة. وعلى الرغم من طبيعة إدارة السلطة القائمة على التشارُك في إيرلندا الشمالية، فإن وفد المركز عبّر عن اندهاشه حيال تمكّن حزبي "الشين فين" و"الاتحادي الديمقراطي" من العمل سوية في الانتخابات البلدية وتجاوز خلافاتهما. وصدر عن متحدث باسم الوفد تصريح جاء فيه: "تعلمنا في بلفاست أن عملية التسوية ممكنة، على الرغم من كونها طويلة ومرهقة"، وفق تعبيره.

إلا أنه وحينما يتأزم الوضع في القدس والأراضي المحتلة، تحتدّ المواقف وتبرز التباينات في بلفاست، على خلفية التطورات على الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية. هذا ما تعكسه أحداث الصيف الحالي. فقد تمكنت منظمة غير حكومية مقرها لندن وتدعى "Forward Thinking"، العام الماضي، من ترتيب لقاء في بلفاست بين أعضاء من حزب "الليكود" الحاكم في إسرائيل وحزب "الشين فين"، بعكس كل التوقعات التي عارضت حصول هذا اللقاء. وواجه هذا اللقاء جدلاً واسعاً، إذ تلقى انتقادات شديدة من الفلسطينيين، خاصةً مناصري ومنظمي حملة المقاطعة العالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي (BDS)، متهمين أصدقاءهم الإيرلنديين بـ"الخيانة". لكن حزب "الشين فين" عاد ورفض عرضاً آخر الشهر الماضي، من منظمة غير حكومية أخرى لعقد لقاء مماثل مع "الليكود". وبرر رفضه بإعلانه أنه يؤمن "بضرورة الانخراط الجدي مع كل الأطراف" إلا أنه يرفض مثل هذه الدعوة كدليل على التضامن مع الفلسطينيين والاعتراض على السياسات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى في القدس المحتلة.

المساهمون