السودان ساحة معركة خلفية في الحرب الروسية الأوكرانية

03 اغسطس 2024
البرهان مع جنوده في بورتسودان، أغسطس 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على السودان**: استعان الجيش السوداني بقوات خاصة أوكرانية لفك حصار قوات الدعم السريع المدعومة من مجموعة فاغنر الروسية، واسترداد مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.

- **الدور الروسي في السودان وأفريقيا**: تدعم روسيا قوات الدعم السريع عبر مجموعة فاغنر، وتستفيد من موقع السودان الجيوسياسي وثرواته، خاصة الذهب، الذي يتم تهريبه بطرق غير مشروعة إلى الشركات الروسية.

- **التحركات الدبلوماسية والعسكرية**: يسعى البرهان لفك الارتباط بين موسكو وحميدتي، بينما تواصل أوكرانيا دعمها للجيش السوداني لمنع فاغنر من استثمار الذهب السوداني.

تمتد تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية خارج البلدين، إذ تردد منذ أشهر في بعض وسائل الإعلام أن النزاع خرج عن نطاقه الجغرافي في شرق أوروبا، متجهاً نحو السودان، الغارق في حرب طاحنة منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بزعامة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي". وحسب المعلومات المتداولة في أوساط غربية، فإن الجيش السوداني باشر الاستعانة منذ أشهر بقوات خاصة أوكرانية، رغم ضراوة الحرب الروسية الأوكرانية من أجل القيام بعمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع المتمتعة بإسناد روسي نوعي من طرف مجموعة فاغنر.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في مارس/ آذار الماضي أن قوات كوماندوس أوكرانية ساعدت على إخراج البرهان من حصار فرضته "الدعم السريع" على القيادة العامة في الخرطوم في إبريل/نيسان 2023، كما ساهمت لاحقاً في استرداد مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان. الجديد في الأمر هو دخول أوكرانيا على الخط، أما دور "فاغنر" فمعروف منذ بداية انفجار النزاع في السودان، ونُسب إلى المجموعة تسليح "الدعم السريع" بأسلحة نوعية، ومساندتها بخبراء ومقاتلين روس وأجانب ذا خبرة في قتال المدن وحرب العصابات. وقد بات من شبه المؤكد أن هذا الدور ساهم بصورة أساسية في تغيير مجرى الحرب، التي راهن الجيش السوداني على حسمها بسرعة.

السودان في صلب الحرب الروسية الأوكرانية

في شهر فبراير/شباط الماضي، تم تداول مقاطع فيديو لضربات انتحارية بطائرات من دون طيار على الطراز الأوكراني ضد قوات الدعم السريع، وخلصت تقارير إلى أن العمليات نفذتها قوات خاصة من كييف، وظهر قناص وُصف بـ"الشاحب البشرة في السودان"، وعُدّ أوكرانياً على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد أشهر من التكهنات ظهر أن القوات الأوكرانية انخرطت في العمل في السودان كجزء من حملة ناشئة لكييف لضرب المصالح الروسية خارج الخطوط الأمامية للحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا. وسرعان ما بات الأمر علنياً، عندما أكدت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مشاركة أوكرانيا في حرب السودان، وكشفت عن تقارير تطرقت إلى دور للقوات الأوكرانية الخاصة في السودان لدعم الجيش ضد "فاغنر" المتحالفين مع قوات الدعم السريع. وعززت الصحيفة ذلك بمقطع فيديو نُشر في صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية، التي قالت إن مصدرها من داخل المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية، وظهر فيه أسير روسي تم استجوابه إلى جانب رجلين أفريقيين.


أنقذت أوكرانيا البرهان من حصار في الخرطوم وفق وول ستريت جورنال

وقال الجندي الروسي إنه من جماعة "بي إم سي فاغنر" وجاء إلى السودان قادماً من جمهورية أفريقيا الوسطى، مقرّاً لمقاتلين من الجماعة، وذلك "من أجل إسقاط الحكومة المحلية" بقوة قوامها نحو مائة فرد. وبعد فترة قصيرة تم نشر فيديو آخر، ظهر فيه أفراد من القوات الخاصة الأوكرانية أثناء تفتيشهم مركبة عسكرية ليلاً، مع إزالة بطاقة "فاغنر" من جندي بدا أنه ميت في مقعده. لكن الصور معتمة للغاية وغير واضحة. ولم ينكر المسؤول في المخابرات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف، دور أوكرانيا في حرب السودان، وقال لصحيفة بوليتيكو الأميركية في 26 فبراير الماضي: "يجب أن تكون المخابرات الأوكرانية حاضرة حيثما تكون هناك حاجة، لتدمير العدو الذي يشن حرباً واسعة النطاق ضد أوكرانيا". وأضاف: "نحن موجودون حيثما كان ذلك ممكناً لإضعاف مصالح روسيا". وحول وجود الأوكرانيين في السودان قال: "لا أؤكد ولا أنفي".

وتحدثت وسائل إعلام غربية بأن كييف نقلت للجيش السوداني استراتيجيتها المتبعة في الحرب الروسية الأوكرانية والمتمثلة في إجراء عمليات للقوات الخاصة داخل روسيا، في محاولة لتسجيل انتصارات دعائية ضد عدوها، وإظهار أن لا مكان آمناً بالضرورة من قواتها، على الرغم من أنها نادراً ما تكون ذات أهمية عسكرية. وكان لافتاً لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مطار شانون بأيرلندا في سبتمبر/أيلول 2023، حينها قال زيلينسكي في ذلك الوقت: "لقد ناقشنا التحديات الأمنية المشتركة بيننا، وتحديداً أنشطة الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تمولها روسيا".

ولم يشكل التدخل الروسي في السودان عبئاً على موسكو، لتمتعها ببصمة كبيرة في أفريقيا، قادها في البداية مرتزقة من "فاغنر"، بات اسمهم حالياً "الفيلق الأفريقي"، وشكلتها وزارة الدفاع الروسية. ولـ"فاغنر" وجود في جميع أنحاء منطقة الساحل الأفريقي وفي بوركينا فاسو ومالي وأفريقيا الوسطى وكذلك في ليبيا. وتم نشر "فاغنر" في السودان في نهاية عام 2017، بقرار من الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، ضمن عدة صفقات أمنية وعسكرية واقتصادية بين الخرطوم وموسكو، ومنها بناء شراكة لتعدين الذهب مع شركة M-Invest، التابعة لـ"فاغنر"، وتولت المهمة شركة Meroe Gold، والتي بنت شبكة للتنقيب عن الذهب وتهريبه. وهو الأمر الذي لفت انتباه وزارة الخزانة الأميركية، التي فرضت عقوبات على Meroe Gold في عام 2020، وذلك بسبب ارتباطها بـ"فاغنر"، وكذلك فعل الأوروبيون.

أدوار روسية في أفريقيا

وبات الحضور الروسي في أفريقيا متعدد الاهتمامات، عبر استخدام موسكو الطرق الالتفافية لعجزها عن منافسة بكين وواشنطن وباريس بالطرق المشروعة. وهدف روسيا هو الاستفادة من موقع السودان الجيوسياسي في العالم العربي وأفريقيا وثرواته، وعلى رأسها الذهب، الذي باشر حميدتي استخراجه منذ سنوات. وبلغ الإنتاج السوداني من الذهب في عام 2022 نحو مائة طن، بقيمة خمسة مليارات دولار، لكن الخرطوم أعلنت عن إنتاجية بلغت 18 طناً و637 كيلوغراماً، وفق إعلان الشركة السودانية للموارد المعدنية، التي وصفت ذلك بأنه "أعلى إنتاجية في تاريخ المعادن في السودان".

وعنى هذا أن القسم المتبقي، وهو الجزء الأكبر تم التصرف به بطرق غير مشروعة، وذهب إلى الشركات الأجنبية، وهي في أغلبها روسية، التي نجحت في تهريبه لا سيما في أعقاب بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022. لذلك تضاعف اهتمام روسيا الأساسي بالسودان من أجل الحفاظ على هذه العمليات والشبكات. وسبق أن أكدت أوساط سودانية أن إنتاج الذهب هو تحت إشراف حميدتي منذ فترة طويلة، الذي امتلكت عائلته شركة تهريب خاصة نحو دبي. وذكرت "وول ستريت جورنال" في أغسطس/ آب 2023، أن مروحية تابعة لـ"فاغنر" هبطت في أفريقيا الوسطى وعليها مجموعة من قادة "الدعم السريع" في السودان، سافروا من إقليم دارفور المضطرب إلى بانغي، وحملوا معهم هدية لرئيس المجموعة في حينه يفغيني بريغوجين، الذي قدم لهم صواريخ أرض جو. والهدية هي عبارة عن سبائك ذهب من منجم عملت "فاغنر" على تأمينه في غرب السودان.


باتت روسيا تصدّر الأسلحة إلى قوات الدعم السريع في السودان

وأصبح التعاون العسكري بين موسكو والخرطوم مهماً بالنسبة للسودان، ووفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن روسيا هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى السودان. وتم توقيع اتفاقية في عام 2014 في الخرطوم بين روسيا والسودان، مدتها 25 عاماً من التعاون العسكري مع خيار تمديدها تلقائياً لمدة عشر سنوات. لكن هذا التوجه اختلف بعد الحرب السودانية، وصار توريد الأسلحة الروسية مقتصراً على قوات الدعم السريع، عبر طريقين، من أفريقيا الوسطى، ومن قاعدة الكفرة الليبية، الخاضعة لـ"فاغنر".

تحرك البرهان نحو موسكو

سعى البرهان لفك الارتباط بين موسكو وحميدتي، وأوفد في يونيو/حزيران الماضي مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني إلى العاصمة الروسية، لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد أن "روسيا تتابع الوضع في السودان بقلق ومستعدة للمساعدة في وقف الاعتداءات، وتسوية النزاع وتهيئة الظروف لتطبيع الأوضاع". كما استقبل البرهان في 28 إبريل/نيسان الماضي في بورتسودان، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في زيارة استمرت يومين، بعد زيارة قام بها حميدتي إلى موسكو، بين 23 فبراير و2 مارس الماضيين. وقد بدت زيارة المسؤول الروسي للبرهان ذات أهمية خاصة، لعدة أسباب. الأول هو استمرار الدعم الروسي لحميدتي عن طريق فاغنر. والثاني هو أن موسكو رفضت تزويد الجيش السوداني بالسلاح وتذرعت بحاجتها له في ظل الحرب الروسية الأوكرانية ووجّهته لشراء الأسلحة من إيران. والثالث هو تصريحات بوغدانوف بعد الزيارة، التي قال فيها إن بلاده "تعترف" بشرعية مجلس السيادة وتدعم الحكومة.

السؤال هو ماذا تستطيع أوكرانيا أن تفعل في السودان؟ حتى الآن يبدو أنها تحتفظ بعد قليل من وحدات النخبة المؤهلة للقيام بعمليات نوعية، مثل فك الحصار عن البرهان. وما تخطط له هو منع "فاغنر" من الاستمرار في استثمار الذهب السوداني، الذي يشكّل مصدراً أساسياً لتمويل الحرب السودانية. وفي حال حسم البرهان حرب السودان لصالحه فإن كييف تعول على إرسال مقاتلين سودانيين للقتال في الحرب الروسية الأوكرانية إلى جانبها ضد القوات الروسية. غير أن الحسابات النظرية مختلفة كلياً عن تطورات الميدان، التي تميل إلى ترجيح كفة روسيا، وتنامي نفوذها في أفريقيا، تحديداً البلدان التي فكت ارتباطها بفرنسا وآخرها النيجر.