مصر وروسيا: عقود مفاعل الضبعة النووي مقابل عودة السياحة

05 اغسطس 2017
بوتين تعهد مراراً للسيسي بقرب عودة السياحة الروسية(سيفا كاراكان/الأناضول)
+ الخط -
لا تبدو عودة التعاون المصري - الروسي في بعض المجالات الاقتصادية والسياحية، قريبة. ولا تزال قضية سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، تلقي بثقلها على العلاقات بين البلدين، وتؤخر استئناف تنفيذ اتفاقات تعاون، وعودة السياحة الروسية إلى مصر. وأبرز ملف متعثر في هذا الصدد، يتعلق بعقود المفاعل النووي المزمع إنشاؤه في منطقة الضبعة بمحافظة مطروح، شمال شرقي مصر.

سبق للطرفين المصري والروسي أن حددا مواعيد عدة لتوقيع العقود ذات الصلة. مرةً في سبتمبر/ أيلول 2016، ثم في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ثم تأجل الموعد إلى ديسمبر/ كانون الأول 2016، وبعده إلى إبريل/ نيسان 2017، وآخر موعد حدد من دون الالتزام به كان في مايو/ أيار 2017.

تُحَدّد المواعيد ثم تتأجل، ويبقى بت الإجراءات الخاصة بهذه العقود معلقاً، على الرغم من إعلان شركة "روس آتوم" الروسية المعنية بتنفيذ المشروع، عن استعدادها الكامل لتوقيع الصفقة وإنهاء جميع البنود التمهيدية المطلوبة منها وفق العقد المبدئي.

ويقول مصدر في مجلس الوزراء المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن العلاقة حالياً بين القاهرة وموسكو في أضعف حالاتها منذ تولي عبدالفتاح السيسي الرئاسة. ويضيف أن جميع الملفات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها معلقة على مسألة واحدة فقط، هي إنجاز تقدم ملموس في التحقيقات القضائية المشتركة في قضية سقوط الطائرة الروسية. ويوضح أن "التقدم الملموس" من وجهة النظر الروسية هو "فقط اعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير للمحاكمة". لكن المصدر يؤكد أن "روسيا لا تزال لديها شكوك في تورط مسؤول مصري على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية". ويشير إلى أنه في كلتا الحالتين، سواء كان الأمر يتعلق بتقصير أو بعمل جنائي، فإن "تأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس، ولا تبدو موسكو متسامحة في هذه المسألة، حتى مع تلبية جميع شروطها التقنية لعودة السياحة إلى مصر"، بحسب المصدر.


ويكشف المصدر المصري أن التأخير في توقيع عقود المفاعل النووي ناتج عن تباطؤ مصري متعمد في الاستجابة للمطالب الروسية الرسمية الصادرة من الحكومة وغير الرسمية الصادرة من الشركة المنفذة. وهذا التصرف المصري يأتي، وفق قول المصدر، كرد واحتجاج على تجاهل روسيا للتطوير الملحوظ في الإجراءات الأمنية بالمطارات الرئيسية في مصر واتباع طرق جديدة لم تكن متاحة من قبل، لتأمين الرحلات، استجابةً للشروط الروسية والبريطانية والأوروبية في هذا المجال.

ويلفت المصدر إلى أن نجاح مصر في إعادة تنشيط السياحة الألمانية والبولندية تحديداً، والتي تختلف وجهاتها عن الوجهات المفضلة للسياح الروس، تحقَّق بسبب تطوير الأداء الأمني في المطارات واعتراف سلطات الطيران المدني بالدول الأوروبية بذلك. وفي المقابل، فإن روسيا لا تزال تتمسك بشروط تعجيزية أمنياً لإعادة الرحلات الجوية والسماح لمواطنيها بالسفر لمصر، وفق تعبير المصدر. ويؤكد أن مصر لن تمتنع عن استقبال وفود التفتيش الروسية للمطارات، والتي حضر آخرها نهاية يوليو/ تموز الماضي، لكن الحكومة "ليست مستعدة لدفع المزيد من المال استجابةً لشروط تراها تعجيزية، خاصةً في ما يتعلق برفع الكفاءة الأمنية لبعض المطارات محدودة الاستخدام إلى مستوى الكفاءة المطبقة في مطارات القاهرة وشرم الشيخ والغردقة".

ولا يستطيع المصدر الحكومي المصري تحديد موعد، ولو مبدئي، لتوقيع عقود المفاعل النووي، موضحاً أن وزارة الكهرباء أبلغت شركة "روس آتوم" منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي بأن العقود (وعددها أربعة) انتقلت لحوزة مجلس الدولة المختص دستورياً بمراجعتها لاستكشاف ما إذا كانت تتضمن أي نصوص غير دستورية أو مخالفة للقوانين المصرية، وهو ما يصفه المصدر بـ"حجة ذات شكل قانوني ومضمون سياسي لتجميد العقود لحين حل مشكلة عودة السياحة"، وفق قوله.

ويعكس حديث المصدر اتجاهاً مصرياً جديداً في التصعيد (الصامت والمتحفظ) إزاء الضغوط الروسية التي يعاني منها الاقتصاد المصري في فترة حرجة، خاصةً أن المسؤولين المصريين يؤمنون بأن تعطيل عودة السياحة الروسية يؤثر بصورة مباشرة على انتعاش السوق السياحية، ويؤثر بصورة غير مباشرة على التفضيلات السياحية للشعوب القريبة من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وهي فئات كانت قد بدأت في التدفق على مصر بين عامي 2009 و2013 نتيجة انخفاض أسعار المنتجعات المصرية والانتعاش الاقتصادي لبعض تلك الدول.

وفي سياق ارتباط مسألة عقود الضبعة بملف عودة السياحة أيضاً، يقول المصدر نفسه إن بعض الجهات السيادية أوصت باتباع طرق أخرى للتصعيد ضد روسيا، كتهديدها بإلغاء العقود والانسحاب من اتفاقية تمويل المشروع المعروفة بـ"القرض الروسي"، والتي تم التصديق عليها رسمياً وتفعيلها ابتداءً من 19 مايو/ أيار 2016. إلّا أن الوزارات المنخرطة في هذا الملف أثارت عدة مخاوف من خطوات كتلك، أبرزها أن التراجع عن الشراكة مع روسيا سيكلف مصر مزيداً من الوقت للبحث عن شراكة أخرى مناسبة وبشروط مالية لن تكون أفضل مما تضمنها القرض الروسي الذي تبلغ قيمته 25 مليار دولار. كما أثارت الوزارات احتمال لجوء شركة "روس آتوم" للتحكيم نتيجة إنفاقها مبالغ مالية غير معروفة، وسيتم تضخيمها إعلامياً وفي المسار القانوني، في سبيل إعداد خطة المشروع ومعاييره الفنية، بالإضافة إلى الانعكاس الأكيد لهذا الخلاف على العلاقات السياسية مع روسيا. وبالتالي فليس أمام الحكومة المصرية في الوقت الحالي إلا تسويف توقيع العقود لحين حلحلة ملف عودة السياحة، إذ يشدد المصدر المصري على أن الجانب الروسي الرسمي يدرك هذه المعادلة جيداً، لكن تبقى مسألة التعويضات ونتائج التحقيق ذات أولوية خاصة بالنسبة لموسكو، وفق تأكيده.

يشار إلى أن الرئاسة المصرية نقلت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 3 مرات تعهده للسيسي بقرب عودة السياحة الروسية، لكن تصريحات الوزراء ومسؤولي الطيران المدني الروس كانت تحمل دائماً إشارات مناقضة لما نقل عن بوتين، ومطالبات بمزيد من الشروط الأمنية في المطارات المصرية.

المساهمون