الخرطوم ومليشيات دارفور: هل ينتهي زمن التحالف؟

31 اغسطس 2017
موسى هلال في لقاءٍ مع أنصاره (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت نذر مواجهة عسكرية تلوح في الأفق بين الحكومة السودانية وزعيم قبيلة المحاميد في إقليم دارفور موسى هلال، عقب البدء في تنفيذ خطة حكومية بنزع السلاح من الإقليم، وإعلان هلال مقاومتها واستعداد قواته لمواجهتها داخل الخرطوم، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه إلى دارفور في ظلّ المخاوف من اندلاع حرب، قد تكون أسوأ من حدة حرب دارفور الأولى عام 2003.


ملاسنات وشتائم تبادلها هلال مع مؤسسة الرئاسة السودانية أخيراً، مهاجماً نائب الرئيس السوداني حسبو عبدالرحمن، على خلفية اتهام الأخير له بـ"الاستعداد للقتال إلى جانب قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر"، وتأكيده على "إصرار الحكومة بالمضي قدماً في عملية نزع السلاح، وإن استدعى ذلك استخدام القوة العسكرية معه".

وهلال هو أحد أهم أذرع الحكومة السودانية أيام حربها على التمرّد في دارفور التي اندلعت عام 2003، إذ استقطبته الحكومة في حينه لتكوين مليشيات من القبائل العربية في دارفور عُرفت بـ"الجنجويد"، واجهت بها التمرّد. كما أنشأت مهبطاً للطائرات في منطقته، لتزويده بالسلاح. ومليشيات هلال متهمة بـ"اعتماد سياسة الأرض المحروقة" في دارفور، والتسبب في مقتل نحو 300 ألف من أبناء الإقليم وتشريد ما يزيد عن المليونين ونصف المليون، فضلاً عن تشريد القبائل الإفريقية من دارفور وتوطين القبائل العربية بدلاً منها".

بداية الصراع مع هلال كانت بقرار رئاسي قضى بدمج قوات حرس الحدود (الاسم الجديد للجنجويد والمليشيات القبلية التي أسسها هلال)، في "قوات الدعم السريع" تحت قيادة ابن عمه محمد حمدان حميدتي. كما طلب القرار نزع سلاح قوات هلال بشكل كامل. وهو ما اعتبره هلال مستفزّاً له، باعتباره "شيخ قبيلة وأعلى من أن يُدمج تحت قيادة حميدتي"، الذي كان أحد تلاميذه، وتحت إمرته، قبل دعمه من الحكومة بعد تمرّد هلال عليها.

في هذا السياق، عقد هلال مؤتمراً صحافياً، منتصف شهر أغسطس/آب الحالي، في منطقة سيطرته في مستريحة، بولاية شمال دارفور، معلناً المواجهة، ورافضاً قرار دمج "حرس الحدود" في "قوات الدعم السريع"، فضلاً عن رفض عملية نزع السلاح إلا بشروط تتضمن دراسة الموضوع بشكل أكبر وتحديد لجنة محايدة للقيام بالمهمة في دارفور. وفي تسجيل صوتي منفصل اتهم هلال نائب الرئيس السوداني حسبو عبدالرحمن ومجموعة لم يسمّها، بـ"محاولة خلق فتن داخل بطون الرزيقات في دارفور"، معتبراً أن "الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى فتنة في عموم دارفور، وستطاول الخرطوم نفسها".

ونفى هلال ما أُثير حول نيّته القتال إلى جانب حفتر، مؤكداً أن "الاتهام مجرد فبركة من جانب نائب الرئيس ومحاولة لخدعة النظام في الخرطوم وجرّه للمواجهة معه". وقال متحدياً إن "كان هناك نية لدى من هم في مراكز القرار في خلق الفتن والمشاكل فمرحبا، وأنا موجود وسط أهلي في دارفور ولن أخرج منها". واتهم حميدتي بـ"الاستيلاء على الأموال التي تحولها السعودية لقوات الدعم السريع المشاركة في حرب اليمن"، كما اتهم حسبو بـ"الفساد".



ومع احتقان الوضع بين الحكومة وهلال، بدأت جهات عدة عمليات وساطة لنزع فتيل الأزمة، لا سيما بعد عمليات الاستعراض العسكري التي قام بها الطرفان في مدينة كبكابية ومنطقة مستريحة، إذ عمد هلال لاستعراض قواته، بينما عمدت الحكومة لتنفيذ نحو خمس طلعات جوية فوق كيكابية.

وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "الوساطة نصحت الحكومة بعدم فتح باب للمواجهة العسكرية مع هلال، للحدّ من خلق صراع جديد في دارفور، يعمل على تعقيد الوضع، ويصبح منفذاً للتدخلات الإقليمية، وهي في غنى عنها. وعرضت عقد لقاء مباشر بين الحكومة وهلال، والحكومة وافقت". من جهته، استبعد ناظر الرزيقات محمود مادبو في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تتطور الأزمة أبعد من الحدّ الحالي".

ورأى مراقبون أن "لا مصلحة للخرطوم في الوقت الحالي في حصول صراع في دارفور، باعتبار أن أي حرب جديدة من شأنها أن تربك حسابات الحكومة الإقليمية والدولية وتعقّد الوضع في دارفور وتعجل بسقوط النظام، فضلاً عن كونها ستغذي المجموعات المعارضة وتقود لتحالفات إقليمية، تعمل على تصفية حساباتها عبر دارفور، من بينها مصر. يضاف إلى ذلك وعي الخرطوم تماماً لما قاده إليه إصرارها على نزع سلاح قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال عقب انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة عام 2011، وما أسفر عنه هذا التوجه من تجدّد الحروب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، تكتوي من نارهما حتى الآن".

دارفور/سياسة/27/82017 يخشى البعض من انفجار الوضع بدارفور (أشرف الشاذلي/فرانس برس)



كذلك رأى محللون أن "أي صدام بين هلال والحكومة، سيؤدي لاستقطاب حادّ في دارفور لا تُحمَد عقباه، فضلاً عن كونه سيقود إلى انحياز قوات الدعم السريع لهلال، نظراً لتلاقي المصالح، لا سيما أن الطرفين يسيطران على جبل عامر الغني بالذهب، ولا يثقان بالحكومة". وأبدى البعض اعتقاده بأن "خطوة الحكومة في جمع السلاح، كان القصد منها تحجيم المليشيات، التي أنشأتها في وقت سابق لقتال التمرّد باعتبار أنها أصبحت تمثل للنظام قلقاً وتهديداً حقيقياً، خصوصاً وأنها حالت بينها وبين بسط سيطرتها في دارفور، ووضع يدها على الموارد هناك باعتبار أنها في أشدّ الحاجة إليها لتوفير العملات الصعبة، ولا سيما هلال الذي يصعب على الحكومة دخول مناطق سيطرته في دارفور أو الاقتراب من مناجم الذهب التي يسيطر عليها".



وفي تقرير أممي صدر العام الماضي، ونشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تم الكشف أن "هلال يجني من تجارة الذهب من خلال سيطرته على منجم جبل عامر نحو 54 مليون دولار سنوياً". وذكر التقرير أن "تجارة الذهب حققت خلال السنوات الماضية أرباحا تقدّر بأكثر من 123 مليون دولار لصالح مجموعات عدة تقاتل بجانب الحكومة السودانية في دارفور، بخلاف أرباح هلال". وأشار التقرير إلى صفقات تمّت بين هلال ومصرف السودان مرتبطة بالذهب، فتراجع المصرف عن تجميد أصول هلال".

وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي ماهر الأمين أن "الصراع الحالي بين الحكومة وهلال مجرّد استعراض عضلات، في ظلّ غياب الرغبة لدى الطرفين في المواجهة، فلا مصلحة للحكومة في مواجهة هلال حالياً، وللأخير امتيازات ومكاسب حققها بتمركزه في جبل عامر بعلم الحكومة ورضاها، كجزء من التسوية معه، ما يجعله حريصا على الإبقاء على شعرة معاوية مع السلطة". وأوضح الأمين أن "هلال يعيش حالة خصام مع الحكومة منذ أكثر من 4 سنوات، وظلّ موجوداً في منطقته من دون أن يصادم الحكومة"، مشيراً إلى أن "هلال اختزل القضية بصراعٍ شخصي مع عبدالرحمن، مهدراً الأساس في مسألة نزع السلاح ودمج قوات حرس الحدود".

ورجّح الأمين أن "ينتهي النزاع بإقالة نائب الرئيس من منصبه إرضاء لهلال باعتبار أن الرجل استفزه، مثلما عمدت الحكومة في وقت سابق إلى إقالة حاكم ولاية شمال دارفور، عندما احتدم الخلاف بينه وبين هلال وكاد يقود للمواجهة. كما استقال وزير الداخلية السابق عصمت عبدالرحمن من منصبه بعد إعلانه عن سيطرة نحو ثلاثة آلاف أجنبي على مناجم الذهب بجبل عامر، يفوق عتادهم عتاد الشرطة السودانية التي لا تقوى على مواجهتهم وهو ما استفز هلال وحميدتي معاً، ونفوا ذلك تماماً".

ورأى الأمين أن "أي حرب بين هلال والحكومة من شأنها أن تعيد خارطة التحالفات في دارفور، وتتحول القبائل العربية الحليفة للحكومة إلى عدو، فضلاً عن إعادة إنتاج الحركات المسلّحة، وحدوث انقسام في قوات الدعم السريع وإعادة الصراع في دارفور بأدوات جديدة وأطراف جديدة فضلاً عن دخول دول إقليمية في الصراع.

كما اعتبر الخبير السياسي الطيب زين العابدين أن "أي محاولة حكومية لفرض عملية جمع السلاح بالقوة من شأنها أن تؤدي إلى احتكاك بين القبائل الدارفورية والحكومة"، متوقعاً أن "تسهم أي مواجهة بين هلال والحكومة في انحياز قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي لهلال". وأضاف زين العابدين بأن "الحكومة حالياً لا تستطيع الدخول في مواجهة وقواتها خارج البلاد ووضعها عموماً معقّد. كما أنها تعي تماماً أن حركات التمرّد حالياً هادئة والمواجهة مع هلال ستنعشها ويمكن أن تدخل في تحالفات معه".

من جانبه، سارع زعيم "حركة تحرير السودان" المسلحة، عبدالواحد محمد نور، إلى الترحيب بخطوة هلال في مواجهة الحكومة ووصفها بـ"الشجاعة". ورأى أن "خطوته تلك بمثابة صحوة ضمير، باعتبار أن نظام الخرطوم استخدم الرجل في قتل المدنيين في دارفور". ودعا قوات الدعم السريع لـ"اتخاذ ذات نهج هلال والتمرد على الحكومة والعمل على إسقاط النظام لتحقيق مصالح أهالي دارفور"، مشدّداً على أنه "نحن كحركة دارفورية ندعم كل من خرج من خندق النظام ووقف مع الشعب لتغيير النظام".