التحريض داخل "الحراك الجنوبي" اليمني في أوجه... ونصائح بالتهدئة

13 اغسطس 2017
مؤيدون لانفصال جنوب اليمن بتظاهرة عام 2015(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن مطالبة محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، في كلمته أمام عدد من المسؤولين بالمحافظة الأسبوع الماضي، بتحسين الخطاب السياسي وتعزيز الوحدة الداخلية، والتحذير من الاحتراب، دعوة جديدة، بل كانت حلقة ضمن سلسلة تحذيرات كثيرة أطلقها قياديون في "الحراك الجنوبي" اليمني وإعلاميون جراء تصاعد خطاب التحريض والتخوين في أوساط فصائل "الحراك". المفلحي قال في كلمته "استطعنا في المرحلة السابقة وأد الكثير من الفتن، ولن نستجيب على الإطلاق لتلك النزعات الإعلامية المريضة أياً كان قائدها". وأضاف "أرجو أن نحسن خطابنا السياسي وأن نحسن خطابنا مع بعضنا البعض ونعزز وحدتنا الداخلية، لأنه إذا ما احتربنا قسماً لن يكون المنتصر إلّا العدو"، وفق تعبيره.

وكانت قد ارتفعت خلال الأسابيع الماضية شكوى قيادات في "الحراك الجنوبي" من تصاعد حملات التخوين والتحريض وإلقاء تهم العمالة التي تتبادلها شخصيات وقيادات "الحراك"، علاوة على تراجع ثقافة القبول بالآخر، وسط مخاوف على مستقبل الحريات في الدولة التي ينشدها "الحراك الجنوبي". ومنذ بدء الحرب التي تدور رحاها منذ عامين في اليمن، ومرور المحافظات الجنوبية بمنعطفات مصيرية تتعلق بالجانب السياسي والأمني، تباينت رؤى وتصورات القوى الجنوبية تجاه المخرج المناسب للقضية الجنوبية، وبرزت أصوات وآراء تعبّر عن خطاب بعيد عن مزاج الشارع المشحون بالتحريض والكراهية تجاه مكونات وشخصيات سياسية. لكن هذه الآراء قوبلت بالرفض وتخوين أصحابها من قبل كثير من ناشطين وسياسيين، ليدخل الجنوب في دوامة تحريض جديدة هدفها هذه المرة مكونات وقيادات جنوبية، بعيداً عن المواطنين الشماليين وأحزاب سياسية كان قد طاولها التحريض خلال السنوات الأخيرة.

في هذا الإطار، قال القيادي في "الحراك الجنوبي"، أحمد عمر بن فريد، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، إن أكبر خطر يتهدد المشروع الجنوبي المتمثل في تحقيق الاستقلال وبناء دولة المواطنة الجنوبية هو "العقل الجنوبي" الذي لا يقبل إلا رأيه. ومن جهته، كتب الإعلامي الجنوبي، عادل اليافعي، على "تويتر" أنه "في بلادي متطرفو الفكر والرأي الواحد باتوا رعباً مخيفاً على النخبة، يقودون المزاج العام إلى المجهول، معتقدين بذلك أنهم على طريق استعادة الدولة"، وفق تعبيره. وأضاف "في بلادي مجرد أن تناصر المظلوم في الشمال وتدافع عن المقهور وتعطي المحتاج أصبحت بنظرهم عميلاً تخليت عن ثوابتك الوطنية وخنت دماء الشهداء". وتابع أن "الكلمة الصادقة والنصيحة في بلادي مكلفة وصعبة وتدخلك في متاهات وتجعلك في نظرهم خائناً عميلاً بائع شرفك ووطنك وأهلك"، على حد وصفه.


بدوره، حذر رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد"، فتحي بلزرق، من الخطاب التحريضي والإقصائي في الجنوب، مطالباً قيادات الحراك بمراجعة سريعة للأداء السياسي. وقال بلزرق في تعليق نشره على "فيسبوك"، إن "الناظر إلى حال الوضع في الجنوب سيجد أن القطار الذي حمل الشعب كله عام 2007 وبسبب سيطرة البعض على دفة القيادة وبروز خطاب متطرف وتخويني وإقصائي وانبطاحي، بات يدفع الكثير من الناس للنزول من هذا القطار". وأضاف "مع كل محطة يمر بها هذا القطار ينزل المئات من المتعلمين والسياسيين والمثقفين ومعهم يترجل الآلاف من الناس ويغيرون قناعاتهم بسبب حدة الخطاب، وهذا العدد من الناس يكبر ويتكاثر كل يوم"، وفق قوله. وأوضح أنه "قبل سنوات كان المطالبون بنظام الأقاليم والدولة الفيدرالية لا يُذْكرون بل لا وجود لهم، واليوم بات لهم صوت قوي ومسموع وكبير، بسبب أن المواطنين باتوا يتخوفون من الصوت الإقصائي الذي يمكن له أن يتسبب بعودتهم مجدداً إلى حقبة الصراعات"، وفق تعليقه.

وتستند مجمل الصراعات الحالية في أغلب الأحيان، إلى صراع حقبة الثمانينيات التي شهدت حروباً دموية أثناء حكم دولة اليمن الديمقراطية الشعبية بقيادة الحزب الاشتراكي، والتي اتخذت طابعاً مناطقياً وسقط خلالها آلاف القتلى والجرحى كان آخرها صراع عام 1986 الدموي، والذي بموجبه هاجرت قيادات في الحزب الاشتراكي الحاكم آنذاك إلى شمال اليمن، من بينها الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، والرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد. وكنتيجة للظاهرة، توارت قيادات في "الحراك الجنوبي" عن الأنظار ملتزمة الصمت لصالح الخطاب المشحون بالتحريض.

في السياق، اعتبر المحلل السياسي فؤاد مسعد، أن "القوى السياسية التي تنتهج خطاباً مناطقياً أو عنصرياً لا تلبث أن تكون هي من ضحاياه، ذلك أن الابتعاد عن الخطاب الوطني الذي يؤسس للتعايش والتداول السلمي للسلطة يؤسس في المقابل لمكونات صغيرة تظل تضيق بأصحابها وتصبح أداة بيد من يملكها ليوجهها في محاربة خصومه". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك الجنوبي استخدم في البداية لغة الاستعلاء على خصومه السياسيين ووسع دائرة الخصوم منطلقاً من فكرة الاصطفاء التي تستخدم للقول، في الحالة اليمنية، إن الشر المطلق يكمن في شمال اليمن بينما الأخيار والأبرار هم الجنوبيون". وأضاف أن "هذا التمييز ظل يحكم مسيره ومسيرته منذ نشأته، واليوم بدأت قواعد في الحراك الجنوبي نفسه تستخدم تلك الأدوات في تصفية حسابات داخلية، وصار كل فريق يقدم نفسه على أنه الفريق الوطني وغيره مجموعة من الخونة والعملاء"، وفق تعبير مسعد. وأوضح أن الاتهامات تداخلت في ما بين أطراف "الحراك الجنوبي" بين اتهامات على أسس مناطقية أو بسبب مواقف سياسية، وفي المحصلة تجد الجميع متهماً من الجميع باستثناء أوساط قليلة تقف عاجزة عن تصويب الخطاب مهما كان دور هذه الأوساط وتأثيرها.

وعن تأثير هذه الظاهرة على مستقبل الجنوب، رأى المحلل السياسي نفسه أن موجة التحريض وتبادل الاتهامات أثّرا بشكل سلبي على "الحراك الجنوبي" وعلى القضية الجنوبية بشكل عام، إذ ظهرت المكونات متباعدة متنافرة تبعاً لاختلاف القيادات السياسية التي تحرص على أن يظل لها دور وحضور، ولو كان على حساب وحدة الصف وتوحيد الجهود لخدمة القضية الجنوبية، وفق رأي مسعد.

في هذا الإطار، أكد رئيس "مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام"، باسم الشعبي، أنه يتوجب على الجنوبيين عدم استهلاك أنفسهم في التخوين والتشكيك ببعضهم البعض، لا سيما من يزعمون أنهم ينتمون لـ"الحراك الجنوبي". وقال إن "عليهم التخلص من خطاب الكراهية وعدم تفويت الفرصة التي أتاحتها انتصارات المقاومة والحرب التي جعلت من عدن عاصمة لليمن الاتحادي، فهذه أكبر فرصة عليهم استغلالها لإعادة الاعتبار لعدن وبنائها وبناء الجنوب في إطار مشروع الأقاليم، وهو مشروع عادل لا يعالج القضية الجنوبية فحسب وإنما أزمة الدولة في اليمن التي أنتجت كل هذه الحروب والمآسي والمظالم"، بحسب رأيه. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك فرصة أمام "الحراك الجنوبي" ليكون "شريكاً حقيقياً في حكم وإدارة اليمن بأكملها"، يجب عدم تفويتها، وفق قوله، لأن "الجنوب عبر اتفاقية الوحدة قدم تنازلات كبيرة بما فيها الرئيس والعاصمة، لكن اليوم الرئيس جنوبي والعاصمة اليمنية عدن جنوبية، فلماذا تهدر الفرص بهذه الطريقة التي تنم عن سطحية سياسية؟"، يتساءل الشعبي.

وطالب الشعبي "الحراك الجنوبي" بدعم جهود الحكومة في عدن. وأضاف أنه "يجب عليه أن ينظر للتحالفات الجديدة بين الحكومة وقوات التحالف العربي في عدن والنجاحات التي تتحقق على صعيد التنمية والخدمات في المدن المحررة". وتابع أن "الحراك" مطالب بأن "يحرص على المشاركة في (تلك النجاحات) وإلا سيجد نفسه معزولاً يغرد خارج السرب تتناهشه تهم التخوين والتشكيك وثقافة الكراهية التي تجري هندستها بعناية لتحويل الحراك إلى حالة من الفوضى والغوغائية وتحويلة إلى معيق للتنمية ولبناء الدولة الاتحادية بدلاً من أن يكون مشاركاً فيها ومؤثراً في مسار التحول الذي تشهده اليمن والذي كان للحراك دور كبير فيه من خلال الثورة السلمية والمقاومة". وخلص إلى أن "مشروع التغيير في اليمن هو ملك كل اليمنيين جنوباً وشمالاً وليس ملك حزب أو فئة معينة، وعلى اليمنيين العمل جميعاً من أجل هذا المشروع"، وفق قوله.
المساهمون