عرسال: دور قتالي ثانوي للجيش اللبناني والسماح بوجود الجمعيات الإغاثية

23 يوليو 2017
يتولى الجيش تنسيق الإسعافات عند مدخل عرسال الوحيد (الأناضول)
+ الخط -



لم يُقدم التكليف الذي أعلنه رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، للجيش صورة حقيقية عن مهام القوات العسكرية الرسمية اللبنانية في بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية، وفي جرود البلدة المتداخلة مع جرود البلدات السورية في منطقة القلمون.

ومطلع الأسبوع الماضي، قال الحريري إن الحكومة "كلفت الجيش القيام بعملية عسكرية نظيفة في جرود البلدة" لطرد مسلحي تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) منها بعد حوالى عامين على استقرارهم فيها، بعد انسحابهم من مناطق واسعة في سورية خلال معارك استعادة النظام السوري السيطرة على منطقة القلمون وريف حمص الجنوبي، التي خاضها مقاتلو "حزب الله" تحت عنوان "حماية الحدود اللبنانية" و"مواجهة التكفيريين".


وبعد يومين من انطلاقة المعركة، التي أعلن عن ساعة الصفر فيها "جهاز الإعلام الحربي" التابع لـ"حزب الله"، اقتصر دور الجيش المتمركز على أطراف بلدة عرسال على ما كان يقوم به قبل المعركة؛ وهو قصف أي تحرك مكشوف لمسلحي "فتح الشام" في الأراضي اللبنانية الجردية. وقد حاول مراسلو عدد من وسائل الإعلام المحلية، الذين نقلوا رسائل مباشرة من بلدة اللبوة القريبة من عرسال وقالوا إنهم "قرب جرود عرسال"، تضخيم دور الجيش من خلال وصف تنقلات عناصر "فتح بالشام" بأنها محاولات تسلل إلى داخل البلدة.

وبعكس إعلان سابق وجهه الجيش اللبناني لجميع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بضرورة سحب جميع فرقها العاملة في عرسال لأسباب أمنية ​(فبراير/شباط 2014)، حرص الجيش على السماح لمسعفي الصليب الأحمر اللبناني، والجمعية الطبية الإسلامية، وطاقم من وزارة الصحة، بالتواجد في منطقة وادي حميد، على أطراف بلدة عرسال، لاستقبال المدنيين الهاربين من الجرود.

وتقوم الجمعيات الإغاثية الموجودة في وادي حميد باستقبال المدنيين الهاربين من الجرود، وتقديم المساعدة الطبية العاجلة للحالات الطارئة في خيمة طبية أقيمت في المكان، إلى جانب العيادة النقالة الخاصة بالجمعية الطبية الإسلامية. وتم نقل عدد من المرضى الكبار بالسن بسيارات الإسعاف إلى المستشفيات الموجودة في عرسال. كما تولى مسعفو الجمعية الطبية الاسلامية نقل نائب رئيس بلدية عرسال السابق، أحمد الفليطي، إلى البلدة، بعد إصابته بصاروخ موجه في وادي حميد، ثم تولوا بعد الإعلان عن مقتله نقل جثمانه من أحد مستشفيات مدينة بعلبك المجاورة، التي نقل إليها، إلى عرسال.

ويتولى عناصر الجيش تنسيق حركة الإسعافات عند المدخل الوحيد لعرسال، وفي منطقة وادي حميد التي اعتمدها الجيش لإدخال المدنيين منها إلى داخل البلدة. ​

ويأتي طلب الجيش من المنظمات الدولية والمحلية بمساعدة المدنيين في جرود عرسال بعد أسابيع قليلة من موجة المطالبات المحلية والأممية للجيش بالتحقيق، وبصورة شفافة، في مقتل لاجئين سوريين في مراكزه، بعد توقيفهم إثر عملية أمنية في بلدة عرسال، أسفرت عن مقتل طفلة لاجئة قال الجيش إن "أحد الانتحاريين فجر نفسه قرب عائلتها فماتت"، بينما تدوال أهالي عرسال رواية أخرى نقلًا عن سكان مخيم اللاجئين.


كما تم توقيف 400 لاجئ بعد العملية، قُتل منهم 10، على الأقل، أثناء توقيفهم في مراكز الجيش التي نقلوا إليها في محافظة البقاع، ولم يعترف الجيش سوى بموت 4 منهم، عازيًا مقتلهم إلى "تفاعل وضعهم الصحي المتدهور مع الطقس الحار". كسرت هذه العملية سجلًا نظيفًا للجيش اللبناني، الذي نفذت وحداته عمليات أمنية عديدة في بلدة عرسال، امتدت لعامين، وأسفرت عن توقيف مطلوبين من "فتح الشام" ومن "داعش"، وأعادت التذكير بصور التوقيف الجماعي للاجئين إثر اجتياح التنظيمين للبلدة عام 2014. انتشرت يومها تسجيلات لتعذيب ذوي احتياجات خاصة بعد توقيفهم، وأخرى لإتلاف ممتلكات اللاجئين بعد مداهمة خيمهم وإجبارهم على الجلوس تحت الشمس لساعات.

كما تطرح المعركة الأخيرة تساؤلات جدية عن مصير 9 عسكريين مجهولي المصير، لا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بهم، أو بسر مصيرهم على الأقل، بعد أن خطفهم عام 2014. تلك المعركة تطرح أيضًا تساؤلات أخرى لم ترق إلى البحث الجدي من قبل المسؤولين الرسميين عن أسباب سقوط مراكز الجيش بشكل سريع بين عناصر التنظيمات المسلحة، الذين تمكنوا خلال ساعة، على الأكثر، من اختراق كافة مواقع الجيش عند أطراف البلدة ووصلوا إلى داخلها.

كما تبقى مشاركة "حزب الله" الجيش في المعركة، إسنادًا وقتالًا، أمرًا يتداوله الجميع في البقاع الشمالي، وإن لم يتم تأكيده رسميًّا.

وسبق للجيش اللبناني أن تحمل تبعات غياب الإرادة السياسية اللبنانية عن إحكام السيطرة على المعابر غير الشرعية، التي تربط لبنان بسورية، قبل معركة عام 2014، وعن وجود إشراف رسمي ومباشر على مخيمات اللجوء، التي توسعت في مُختلف مناطق محافظة البقاع اللبناني، ومنها عرسال، التي حازت أهمية استثنائية نتيجة موقعها الطائفي والديموغرافي في منطقة البقاع الشمالي ذات الأغلبية المؤيدة لـ"حزب الله".