مجمع تشخيص مصلحة النظام بلا رئيس: تساؤلات إيرانية حول أسباب الشغور

16 يوليو 2017
طرح اسم إبراهيم رئيسي لرئاسة المجمع (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

مرت أشهر على وفاة الرئيس السابق لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي وافته المنية إثر سكتة قلبية مفاجئة، في يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن المقعد الرئاسي لهذه المؤسسة ما زال شاغراً. وتعيين رئيس هذا المجمع، الذي يتولى مهمة الفصل والحل بين مجلس الشورى الإسلامي ولجنة صيانة الدستور ويقدم المشورة إلى مؤسسة المرشد ويساعد في حل خلافات السلطات الثلاث، يقع على المرشد الإيراني، علي خامنئي، نفسه، والذي كان من المفترض أن يسمي كافة أعضاء المجمع بدورته الجديدة، في فبراير/شباط الماضي، وهي المهمة التي يكررها مرة كل خمسة أعوام، وهي مدة الدورة الواحدة لمجمع التشخيص.

وترأس هاشمي رفسنجاني المجمع منذ تأسيسه في العام 1989، وهو المنصب الذي أحيل بشكل مؤقت منذ فبراير إلى إمام صلاة الجمعة في طهران وأمين جمعية رجال الدين المناضلين، محمد علي موحدي كرماني. وقد نقلت المواقع الإيرانية حينها أن كرماني سيترأس جلسات واجتماعات الأعضاء إلى حين تعيين أعضاء الدورة الجديدة. ويضم هذا المجمع 44 عضواً ثابتاً لكل دورة، بالإضافة إلى عضو يستضيفه هؤلاء بحسب الموضوع الذي يتم بحثه في الجلسة. وتتغير مناصب هؤلاء الأعضاء بحسب عمليات الاقتراع التي تخص كل جهة، فمثلاً من يحتل مقاعد رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس البرلمان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، فضلاً عن فقهاء أو رجال الدين الستة الأعضاء في لجنة صيانة الدستور، هم الشخصيات التي تدخل تلقائياً في مجمع التشخيص، لكن ما يتبقى من مقاعد تعطى بالاسم إلى أشخاص يختارهم المرشد نفسه، ومنها مقعد رئيس المجمع. وخلال الدورة الأخيرة، احتفظ رفسنجاني بمنصبه كرئيس، بينما يتولى قائد الحرس السابق، محسن رضائي، منصب أمين المجمع، وتحتل شخصيات هامة، عينّها خامنئي، مقاعد فيه، كمستشاره للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، وهو رئيس مركز الدراسات التابع للمجمع، ورئيس مجلس الشورى السابق، المحافظ غلام علي حداد عادل، والرئيس السابق لهيئة أركان القوات المسلحة المشتركة، حسن فيروز أبادي، وغيرهم.

وبوجود حالة من التكتم حول الأمر، ازدادت التوقعات والتكهنات حول الشخصية التي ستشغل مكان رفسنجاني، وستترأس واحدة من أبرز مؤسسات صنع القرار في نظام الحكم الإيراني، وهي المهمة التي لن تكون سهلة على الإطلاق، فتعددت الأسماء بالتزامن مع استمرار حالة الشغور. وهذا المنصب الحساس غير محكوم دستورياً بعدد دورات أو سنوات محددة. وبحسب مصادر، فإن المشاورات ما زالت مستمرة لاختيار الرئيس الجديد، وكثر في مؤسسات صنع القرار يفضلون أن يكون معتدلاً، على أن يكون أصولياً متشدداً أو إصلاحياً لديه خلافات مع مسؤولين آخرين، فمنصب من هذا النوع يجب أن يحال إلى شخصية قادرة على الإمساك بالعصا من الوسط، بحسب محللين، لكن هذا لا يمنع أن يعطى المنصب لصاحب توجهات محافظة.

وفي ساحة التوقعات والتحليل، دار الحديث عن أسماء عديدة، على رأسها نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، محمود هاشمي شاهرودي، الملقب بالشيخ الهجين، كونه ولد وعاش في العراق، إلا أنه من أصول إيرانية، ويتحدر من عائلة يعود نسلها إلى آل البيت وهو ما يجعل عمامته سوداء. وهذا المعارض العراقي لحزب "البعث" كان بمثابة رسول بين مراجع النجف الدينية والخميني، وكان رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وبعد تفرغه للعلوم الدينية حصل على مرتبة "آية الله العظمى"، وهو ما يجعله مرجع تقليد. ويعد شاهرودي مقرباً من خامنئي، وأصبح رئيساً للسلطة القضائية في إيران لعشر سنوات حتى 2009، ومن بعدها بات من رجال الدين الأعضاء في لجنة صيانة الدستور. وهو عضو منذ سنوات في مجمع التشخيص ذاته وفي مجلس الخبراء الذي يحق له تعيين خلف للمرشد. ومع أنه محسوب على زعامات الصف الثاني في إيران، لكنه محافظ ومتواجد في غالبية مراكز صنع القرار.

ويتحدث البعض الآخر عن احتمال اختيار الرئيس الأسبق لدائرة التفتيش في مكتب المرشد، ناطق نوري، الذي استقال من منصبه قبل فترة وجيزة، وهو ما زاد من توقعات البعض بتعيينه رئيساً لمجمع التشخيص. ونوري محافظ ترأس البرلمان الإيراني لدورتين، وكان نائباً فيه لثلاث دورات، وخاض الانتخابات الرئاسية في العام 1997، ونافس الإصلاحي محمد خاتمي، وهو من وضع الرئيس المحافظ أحمدي نجاد على سكة العمل السياسي، فكان هذا الأخير واحداً من أفراد حملة نوري الدعائية خلال الاستحقاق الرئاسي. والجدير بالذكر أن نجاد هو واحد من أعضاء هذا المجمع حتى اليوم. ورغم كل الانتقادات اللاذعة التي طاولته عقب أن نصحه المرشد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، إلا أنه أصر على تقديم ترشحه.


وطرح آخرون اسم المرشح الرئاسي المحافظ إبراهيم رئيسي، راعي العتبة الرضوية في مشهد، الذي يعد منصبه من أهم وأبرز المناصب الدينية في البلاد. فرغم خسارته أمام حسن روحاني، فقد بات لدى رئيسي شعبية بين الأطياف المحافظة، أو المقربة منها، كما أنه رجل دين معروف وقضائي تولى العديد من المناصب الحقوقية البارزة، وعلى رأسها منصب المدعي العام في إيران. ويردد كثيرون اسم كرماني أيضاً، فهو من تم تعيينه ليكون إماماً لصلاة الجمعة في طهران، بعد رفسنجاني نفسه، عقب أن تخلى هذا الأخير عن منبره التاريخي، احتجاجاً على ما حدث في العام 2009، عقب الانتخابات الرئاسية والاحتجاجات على نتائجها. كما حصل موحدي كرماني على مقعده في دائرة العاصمة طهران خلال انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة، ليكون واحداً من رجال الدين المحافظين القلائل ممن استطاعوا الفوز بصعوبة بمقعد في هذه المدينة، والتي اكتسحها أعضاء لائحة الاعتدال، وحل رفسنجاني أول في حينه.

وبوجود كل الخيارات التي ترجح بمعظمها اختيار رجل دين لشغل منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، تتحدث بعض المواقع عن احتمال تعيين سياسي، لا يكون من رجال الدين أو الحوزة، كالرئيس السابق للبرلمان، غلام علي حداد عادل، أو أمين المجمع وقائد الحرس الثوري السابق، محسن رضائي، وحتى مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، أو نائب رئيس مجلس الشورى الأسبق، المحافظ محمد رضا باهنر. كل هذه الأسماء المطروحة لا تستبعد عنصر المفاجأة الذي قد يختاره المرشد، والذي يبدو أنه يفكر ملياً في خياره لشغل مقعد غابت عنه شخصية ثقيلة، ليس من السهل إيجاد وريث لها. وبات الكل ينتظرون الرئيس المقبل ليتزامن هذا وتعيين أعضاء الدورة الجديدة للمجمع.

المساهمون