ستانو لـ"العربي الجديد": لا تغير "حتى الآن" بموقف الاتحاد الأوروبي حول سورية

30 يوليو 2024
بيتر ستانو في بروكسل، 5 مارس 2020 (دورسون أيديمير/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن مشكلة تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء نحو الجزر الإيطالية بشكل كبير خلال العامين الماضيين، باتت تدفع روما للتحرك في الهامش المسموح به من السياسة الأوروبية حيال أنظمة دول الأزمات، وتوضح ذلك بين إيطاليا والنظام السوري بإعلان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأسبوع الماضي تعيين مبعوث خاص لبلاده في دمشق، ليكون بمثابة سفير روما لدى النظام، الذي تعرض للمقاطعة الدولية ولا سيما الأوروبية على خلفية التصدي العنيف للحراك ضده مطلع عام 2011، في وقت أكد متحدث أوروبي لـ"العربي الجديد"، أن لا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية في الوقت الحاضر.

إيطاليا والنظام السوري يتخطيان حواجز الاتحاد

وقال تاياني، يوم الجمعة الماضي، إن بلاده قرّرت تعيين ستيفانو رافانيان سفيراً لها في سورية "لتسليط الضوء" عليها، ما يجعل إيطاليا الأولى من بين قائمة كبار الدول الأوروبية التي تعيد العلاقات الدبلوماسية مع النظام. وأشار تاياني إلى أنه من المقرر أن يتولى رافانيان، وهو المبعوث الإيطالي الخاص للأزمة السورية منذ عام 2021، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، منصبه قريباً، وذلك بعد قطيعة دبلوماسية بين إيطاليا والنظام السوري دامت نحو 12 عاماً.

لوبي قوي من مقربين للنظام، نشط في روما لإبقاء تواصل أمني بين إيطاليا والنظام السوري

ويبدو أنّ دولاً أخرى غير إيطاليا تخطو في ذات الاتجاه، إذ يأتي قرار روما بعد أيام قليلة من مطالبة ثماني دول من الاتحاد الأوروبي، رئاسة الاتحاد، بسلوك طرق جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، مع اقتراح تعيين مبعوث خاص لكلّ دولة "لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية".

وحيال تلك الرسالة، قال تاياني إن مفوض السياسية الخارجية والأمنية في الاتحاد، جوزيب بوريل، "كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به"، مضيفاً أنّ تعيين سفير جديد (لإيطاليا في دمشق) "يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل، لتسليط الضوء على سورية".

وورد في تلك الرسالة، التي أرسلتها كل من إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا: "يواصل السوريون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الدول المجاورة، في فترة تزداد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين". كما تضمنت الرسالة عشرة مقترحات، من بينها تعيين مبعوث خاص إلى سورية بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية".  

ولفتت الرسالة إلى أنّ "الأزمة الإنسانية المستمرة في سورية تؤدي إلى تفاقم تدفقات الهجرة إلى أوروبا، ويجب على الاتحاد الأوروبي المساعدة في خلق ظروف معيشية إنسانية هناك لضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين". كما تهدف النقاط العشر التي تضمنتها الرسالة إلى أن تكون مقترحاً لـ"سياسة أوروبية واقعية واستباقية وفعّالة تجاه سورية".

وقالت الدول الثماني في رسالتها، إنّ العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في الماضي (على سورية)، "لم يكن لها التأثير المطلوب وكان لها تأثير سلبي على عامة السكان أكثر من تأثيرها على صناع القرار" كما أشارت الدول الثماني إلى أنّ "جميع المناطق ليست مناطق حرب، بل هناك أيضاً مناطق آمنة يمكن للاجئين العودة إليها".

بوريل أبدى تحفظاته بعد تقديم الورقة، ولم يستبعد اتخاذ إجراء عملي نيابة عن الشعب السوري، لكنه ذكّر بأنّ النظام السوري يحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وإيران، وهذا ما يجعل العوائق قائمة في تطبيع العلاقات بين النظام والكتلة الأوروبية وإحداث تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى ثبات موقف بروكسل، على الأقل حتى الآن، بأن النظام السوري ارتكب جرائم حرب يجب أن يعاقب عليها.

أحمد قربي: التطبيع أو التقارب الإقليمي مع النظام شجّع دولاً أوروبية لفتح قنوات تواصل مع دمشق

ورفضت ألمانيا، التي تمثل القائد الأبرز للسياسة الأوروبية، التوقيع على الورقة، ما يعني أنّ برلين لا تزال متمسكة بموقفها المتطابق مع موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية. لكنّ هناك 6 سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر.

لا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية

من جهته، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والعلاقات الخارجية، بيتر ستانو، لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية كما هو متوافق حوله من قبل كل الدول الأعضاء في الاتحاد، لم يتغير حتى الآن: لا تطبيع مع نظام الأسد، لا رفع للعقوبات، ولا مساعدات لإعادة الإعمار، حتى ينخرط نظام الأسد بشكل بناء في عملية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وأضاف ستانو أن الدول الأعضاء لها الحق الكامل في اتخاذ قرار بفتح سفارة في دولة ثالثة. وفي حالة سورية، بعض الدول الأعضاء لم تغلق يوماً سفاراتها في دمشق، وبضعها أبقى على علاقات بالحدّ الأدنى. بعثة الاتحاد الأوروبي تبقى في بيروت اليوم، مع قائم بالأعمال مؤقت يسافر إلى سورية بانتظام.
ولفت إلى أنّ دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) دعت الدول الأعضاء إلى عقد اجتماع في بروكسل في سبتمبر/أيلول المقبل، للتباحث أكثر حول موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية. وأضاف: "كما قال مفوض السياسة الخارجية بوريل، علينا أن نكون براغماتيين من دون أن نكون ساذجين، كيف كان النظام يتصرف لعقود، أمر معروف جيداً وموثق جيداً، وأيضاً بدعم مباشر من روسيا وإيران. إنّ الاتحاد الأوروبي يقف دائماً مستعداً لبحث كلّ السبل لدعم الشعب السوري وتطلعاته المشروعة بشكل أفضل".

ويبدو أنّ الدول الموقعة على الرسالة تريد أن تسير في ذات الاتجاه للدول العربية التي أعادت تفعيل علاقاتها مع النظام، مع إنشاء لجنة اتصال وزارية عربية للتواصل مع دمشق، بغية إيجاد حلول للأزمة وتطبيق الحل السياسي بما يتماشى مع القرار 2254، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الاتجاه محطة "للتواصل عن قرب" والبقاء على اطلاع، أكثر من كونها تفعيلاً للعلاقات الدبلوماسية لأجل التطبيع.

وتنبع مخاوف تلك الدول وغيرها في الاتحاد من مسألة تدفق اللاجئين، إذ برزت أخيراً مبادرة تشيكية للإعداد لمهمة تقصي حقائق بقيادتها لإنشاء مناطق آمنة في سورية مع تزايد الضغوط على اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط، وذلك بهدف إعادتهم إلى بلادهم. إذ تخطط براغ لتشكيل بعثة لإرسالها إلى دمشق لهذا الشأن، لكن ذلك قد يكون صعباً لجهة تحقيق توافق أوروبي حوله.

طه عودة أوغلو: نتائج التقارب ستتوقف على التطمينات التي سيقدمها النظام حيال العودة الآمنة للاجئين

وتقول التشيك إن البعثة مهمة للمساهمة في الجهود الشاملة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لدعم اللاجئين السوريين، حيث أشارت وزارة الداخلية التشيكية إلى أنّ براغ "تشارك بنشاط" في تنفيذ استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي، والتي دعت إلى "عودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين، على النحو الذي حدّدته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

وفي مايو/ أيار الماضي، دعت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم الأوضاع في سورية، ما يسمح بإعادة اللاجئين إلى هذا البلد، على أساس أن الوضع في سورية شهد تطورات نحو الأفضل أخيراً. وفي اجتماع استضافته قبرص، قال وزراء خارجية النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا إنهم اتفقوا على عملية إعادة تقييم تفضي إلى "طرق أكثر فعالية للتعامل" مع اللاجئين السوريين، سواء بالنسبة إلى دولهم أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

جسّ نبض أميركي

على ذلك، سيكون أمام بروكسل إيجاد حلول وسط، بين موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية المتبع اليوم، وسياسة الاتحاد "الصارمة" حيال النظام، وبين مخاوف تلك الدول من مسألة تدفق اللاجئين، وقد خطى الاتحاد الأوروبي خطوات هامة في هذا الشأن، لكن الدبلوماسية قد تتحرك في اتجاه آخر بعد هذه التطورات.
وأشارت معلومات "العربي الجديد" إلى أنّ "لوبياً" قوياً من مقربين للنظام، نشط في روما لإبقاء تواصل أمني بين إيطاليا والنظام السوري مع الحفاظ على بعض العلاقات من خلف الكواليس، وذلك ما جعل روما في موقف باهت حيال الأزمة السورية، ليس كحال الشركاء في الاتحاد.
وأكد الباحث أحمد قربي أنّ "العلاقات بين إيطاليا والنظام السوري لم تقطع" لافتاً كذلك إلى أنّ دول الاتحاد الأوروبي "ليست جميعها على قلب رجل واحد، فكل دولة لديها هوامش يمكن التحرك بها". وأشار قربي، إلى أنّ "إيطاليا كانت خط التواصل بين بعض الدول الأوروبية والنظام، لاسيما في الملفات الأمنية، وهذا من أحد العوامل التي دفعتها إلى اتخاذ خطوتها الأخيرة بإعادة تفعيل سفارتها".
وأضاف قربي لـ"العربي الجديد" أن من بين العوامل "فعلاً مشكلة تدفق اللاجئين، لا سيما أن الصيف سيحمل معه القوارب المحملة باللاجئين نحو الجزر الإيطالية وغيرها من الشواطئ الأوروبية"، فيما العامل الأهم بحسب رأيه هو "تراخي الموقف الأميركي، مع عدم وجود سياسية أميركية واضحة حيال سورية في الوقت الحالي، والموقف الأميركي حاليا يشير إلى التالي: (لسنا مع التطبيع، ولسنا ضده) بمعنى أن الإدارة الأميركية تترك هوامش للدول لإمكانية تحصيل مكاسب من النظام"، كما لفت إلى أن "التطبيع أو التقارب الإقليمي مع النظام، شجّع هذه الدول لفتح قنوات تواصل مع دمشق".
وتوقع قربي أنّ "هناك دولاً ستتبع إيطاليا في خطوتها، لا سيما من بين الدول الثماني التي وجهت الرسالة إلى بوريل، لكن مستقبل استمرار رفع مستوى العلاقات سيكون رهن ما ستفرزه الانتخابات الأميركية (المقرّرة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل) من إدارة جديدة، وأيضاً مدى استجابة النظام مع مطالب هذه الدول بعد التطبيع أو التواصل معه، لا سيما في ملفات هامة، كإعادة اللاجئين وتهريب المخدرات ومكافحة الإرهاب". وأشار إلى أن موقف دول تشكل "بيضة القبان" في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، فضلاً عن العقوبات الأوروبية والمحاكم المفتوحة ضد النظام في أوروبا، ستؤثر على مسار هذا التطبيع لجهة عدم إتمامه بالشكل الأمثل.
من جهته، اتفق الباحث في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو، مع قربي، بكون "المناخ السياسي الإقليمي العام، شجع باتجاه هذه الخطوة الأوروبية، لاسيما التطبيع العربي مع النظام، وبروز وساطة روسية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة بعد القطيعة الحادة".
ورفض عودة أوغلو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، اعتبار خطوة روما انعطافة في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية أو الموقف الإيطالي، بقدر ما هي مخاوف مع طول أمد الحرب وتفاقم مشكلة اللاجئين، لافتاً إلى أنّ مسار التطبيع يسير وإن كان ببطء لكنه متوقف على النتائج لا سيما التطمينات التي سيقدمها النظام حيال العودة الآمنة للاجئين، بالإضافة إلى الملفات الأمنية الأخرى. ولفت طه أوغلو إلى أن إيطاليا تبدو كأنها "تجس النبض" الأميركي حيال إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، بانتظار ما سيخرج من واشنطن خلال الأيام القليلة المقبلة تعليقاً على تطور العلاقات بين إيطاليا والنظام السوري.
وكانت إيطاليا استدعت جميع الموظفين من سفارتها بدمشق في عام 2012 وعلّقت النشاط الدبلوماسي في سورية احتجاجاً على "العنف غير المقبول" من قبل نظام بشار الأسد ضد المحتجين، شأنها شأن الكثير من الدول الأوروبية والعربية والإقليمية، لكن طول أمد الحرب وتشعبها بدأ يغير تفكير الكثير من الدول لجهة إنهاء الحرب السورية بأي طريقة مع خفض السقف حيال الموقف من النظام.
المساهمون