استمع إلى الملخص
- **مبادرات أوروبية جديدة تجاه الأزمة السورية**: طالبت ثماني دول أوروبية، منها إيطاليا، بتعيين مبعوثين خاصين لتعزيز العلاقات مع الأطراف السورية، رغم تحفظات الاتحاد الأوروبي بسبب علاقات النظام السوري مع روسيا وإيران.
- **مخاوف من تدفق اللاجئين وتأثيرها على السياسات الأوروبية**: تتزايد المخاوف من موجات جديدة من اللاجئين، مما دفع بعض الدول للتفكير في إنشاء مناطق آمنة في سورية، وسط تحديات في تحقيق توافق أوروبي.
يبدو أن مشكلة تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء نحو الجزر الإيطالية بشكل كبير خلال العامين الماضيين، باتت تدفع روما للتحرك في الهامش المسموح به من السياسة الأوروبية حيال أنظمة دول الأزمات، وتوضح ذلك بين إيطاليا والنظام السوري بإعلان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأسبوع الماضي تعيين مبعوث خاص لبلاده في دمشق، ليكون بمثابة سفير روما لدى النظام، الذي تعرض للمقاطعة الدولية ولا سيما الأوروبية على خلفية التصدي العنيف للحراك ضده مطلع عام 2011، في وقت أكد متحدث أوروبي لـ"العربي الجديد"، أن لا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية في الوقت الحاضر.
إيطاليا والنظام السوري يتخطيان حواجز الاتحاد
وقال تاياني، يوم الجمعة الماضي، إن بلاده قرّرت تعيين ستيفانو رافانيان سفيراً لها في سورية "لتسليط الضوء" عليها، ما يجعل إيطاليا الأولى من بين قائمة كبار الدول الأوروبية التي تعيد العلاقات الدبلوماسية مع النظام. وأشار تاياني إلى أنه من المقرر أن يتولى رافانيان، وهو المبعوث الإيطالي الخاص للأزمة السورية منذ عام 2021، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، منصبه قريباً، وذلك بعد قطيعة دبلوماسية بين إيطاليا والنظام السوري دامت نحو 12 عاماً.
لوبي قوي من مقربين للنظام، نشط في روما لإبقاء تواصل أمني بين إيطاليا والنظام السوري
ويبدو أنّ دولاً أخرى غير إيطاليا تخطو في ذات الاتجاه، إذ يأتي قرار روما بعد أيام قليلة من مطالبة ثماني دول من الاتحاد الأوروبي، رئاسة الاتحاد، بسلوك طرق جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، مع اقتراح تعيين مبعوث خاص لكلّ دولة "لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية".
وحيال تلك الرسالة، قال تاياني إن مفوض السياسية الخارجية والأمنية في الاتحاد، جوزيب بوريل، "كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به"، مضيفاً أنّ تعيين سفير جديد (لإيطاليا في دمشق) "يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل، لتسليط الضوء على سورية".
وورد في تلك الرسالة، التي أرسلتها كل من إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا: "يواصل السوريون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الدول المجاورة، في فترة تزداد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين". كما تضمنت الرسالة عشرة مقترحات، من بينها تعيين مبعوث خاص إلى سورية بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع كافة الأطراف السورية".
ولفتت الرسالة إلى أنّ "الأزمة الإنسانية المستمرة في سورية تؤدي إلى تفاقم تدفقات الهجرة إلى أوروبا، ويجب على الاتحاد الأوروبي المساعدة في خلق ظروف معيشية إنسانية هناك لضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين". كما تهدف النقاط العشر التي تضمنتها الرسالة إلى أن تكون مقترحاً لـ"سياسة أوروبية واقعية واستباقية وفعّالة تجاه سورية".
وقالت الدول الثماني في رسالتها، إنّ العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في الماضي (على سورية)، "لم يكن لها التأثير المطلوب وكان لها تأثير سلبي على عامة السكان أكثر من تأثيرها على صناع القرار" كما أشارت الدول الثماني إلى أنّ "جميع المناطق ليست مناطق حرب، بل هناك أيضاً مناطق آمنة يمكن للاجئين العودة إليها".
بوريل أبدى تحفظاته بعد تقديم الورقة، ولم يستبعد اتخاذ إجراء عملي نيابة عن الشعب السوري، لكنه ذكّر بأنّ النظام السوري يحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وإيران، وهذا ما يجعل العوائق قائمة في تطبيع العلاقات بين النظام والكتلة الأوروبية وإحداث تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى ثبات موقف بروكسل، على الأقل حتى الآن، بأن النظام السوري ارتكب جرائم حرب يجب أن يعاقب عليها.
أحمد قربي: التطبيع أو التقارب الإقليمي مع النظام شجّع دولاً أوروبية لفتح قنوات تواصل مع دمشق
ورفضت ألمانيا، التي تمثل القائد الأبرز للسياسة الأوروبية، التوقيع على الورقة، ما يعني أنّ برلين لا تزال متمسكة بموقفها المتطابق مع موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية. لكنّ هناك 6 سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر.
لا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية
من جهته، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والعلاقات الخارجية، بيتر ستانو، لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية كما هو متوافق حوله من قبل كل الدول الأعضاء في الاتحاد، لم يتغير حتى الآن: لا تطبيع مع نظام الأسد، لا رفع للعقوبات، ولا مساعدات لإعادة الإعمار، حتى ينخرط نظام الأسد بشكل بناء في عملية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وأضاف ستانو أن الدول الأعضاء لها الحق الكامل في اتخاذ قرار بفتح سفارة في دولة ثالثة. وفي حالة سورية، بعض الدول الأعضاء لم تغلق يوماً سفاراتها في دمشق، وبضعها أبقى على علاقات بالحدّ الأدنى. بعثة الاتحاد الأوروبي تبقى في بيروت اليوم، مع قائم بالأعمال مؤقت يسافر إلى سورية بانتظام.
ولفت إلى أنّ دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) دعت الدول الأعضاء إلى عقد اجتماع في بروكسل في سبتمبر/أيلول المقبل، للتباحث أكثر حول موقف الاتحاد الأوروبي حول سورية. وأضاف: "كما قال مفوض السياسة الخارجية بوريل، علينا أن نكون براغماتيين من دون أن نكون ساذجين، كيف كان النظام يتصرف لعقود، أمر معروف جيداً وموثق جيداً، وأيضاً بدعم مباشر من روسيا وإيران. إنّ الاتحاد الأوروبي يقف دائماً مستعداً لبحث كلّ السبل لدعم الشعب السوري وتطلعاته المشروعة بشكل أفضل".
ويبدو أنّ الدول الموقعة على الرسالة تريد أن تسير في ذات الاتجاه للدول العربية التي أعادت تفعيل علاقاتها مع النظام، مع إنشاء لجنة اتصال وزارية عربية للتواصل مع دمشق، بغية إيجاد حلول للأزمة وتطبيق الحل السياسي بما يتماشى مع القرار 2254، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الاتجاه محطة "للتواصل عن قرب" والبقاء على اطلاع، أكثر من كونها تفعيلاً للعلاقات الدبلوماسية لأجل التطبيع.
وتنبع مخاوف تلك الدول وغيرها في الاتحاد من مسألة تدفق اللاجئين، إذ برزت أخيراً مبادرة تشيكية للإعداد لمهمة تقصي حقائق بقيادتها لإنشاء مناطق آمنة في سورية مع تزايد الضغوط على اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط، وذلك بهدف إعادتهم إلى بلادهم. إذ تخطط براغ لتشكيل بعثة لإرسالها إلى دمشق لهذا الشأن، لكن ذلك قد يكون صعباً لجهة تحقيق توافق أوروبي حوله.
طه عودة أوغلو: نتائج التقارب ستتوقف على التطمينات التي سيقدمها النظام حيال العودة الآمنة للاجئين
وتقول التشيك إن البعثة مهمة للمساهمة في الجهود الشاملة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لدعم اللاجئين السوريين، حيث أشارت وزارة الداخلية التشيكية إلى أنّ براغ "تشارك بنشاط" في تنفيذ استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي، والتي دعت إلى "عودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين، على النحو الذي حدّدته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وفي مايو/ أيار الماضي، دعت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم الأوضاع في سورية، ما يسمح بإعادة اللاجئين إلى هذا البلد، على أساس أن الوضع في سورية شهد تطورات نحو الأفضل أخيراً. وفي اجتماع استضافته قبرص، قال وزراء خارجية النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا إنهم اتفقوا على عملية إعادة تقييم تفضي إلى "طرق أكثر فعالية للتعامل" مع اللاجئين السوريين، سواء بالنسبة إلى دولهم أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.