مفاجآت إقصاءات رئاسيات إيران: أبرز التحالفات المتوقعة

22 ابريل 2017
ملصق انتخابي لروحاني في فبراير 2016 (سكوت بيترسون/Getty)
+ الخط -
فاجأت لجنة صيانة الدستور في إيران الجميع بالإعلان مُبكراً عن أسماء من وافقت على ترشحهم إلى الانتخابات الرئاسية في 19 مايو/أيار المقبل. فبعد أن سجّل 1636 شخصاً ترشيحاتهم في وزارة الداخلية، وصلت طلبات المرشحين إلى هذه اللجنة، المكونة من 12 عضواً، ستة من رجال الدين وستة حقوقيين، فتمت دراستها خلال خمسة أيام، وكان من المفترض أن يعاد النظر فيها لخمسة أيام أخرى، لكنها أعطت الضوء الأخضر لبدء الدعاية الانتخابية لستة مرشحين فقط، اعتباراً من أمس الجمعة، ثلاثة منهم من المحسوبين على المعتدلين، وثلاثة من المحافظين.

في المقابل لم يتفاجأ كثر في إيران من قرارات الإقصاء والاستبعاد التي اتخذتها اللجنة. فقد توقع كثر ألا تمنح أهلية الترشح للرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، ومساعده حميد بقائي. فهما وإن كانا من التيار المحافظ، إلا أن دائرة نجاد استطاعت شق صفوفه بسياساتها ومواقفها خلال الولاية الثانية من حكم الرئيس السابق، وأسست ما بات يُعرف بتيار المحافظين الجدد، وهو ما يصفه البعض صراحة بتيار الانحراف. وأثار نجاد عاصفة في كل وسائل الإعلام الإيرانية حين دخل إلى وزارة الداخلية، برفقة بقائي. وتوقع كثر حينها أنه سيكون داعماً لا مرشحاً، لا سيما أنه استشار المرشد الأعلى، علي خامنئي، فنصحه هذا الأخير بعدم الترشح، كون الخلافات بين التيارات في ازدياد، فلم يستمع نجاد للنصيحة وهو ما تسبب بحرق أوراقه من قبل بقية المحافظين المسيطرين على معظم المنابر الإعلامية. وبعد أن أثار زوبعة لم تستمر لأكثر من يوم واحد، أصبح جلياً أن قراراً بالتعتيم على كل تصريحات نجاد وخطواته قد اتخذ من قبل سلطات عليا. وكان المتحدث باسم السلطة القضائية، محسن أجئي، قد هيّأ الأجواء، قبيل الإعلان عن إقصاء نجاد. وقال إن الملفات القضائية المتعلقة به وبمساعده ما زالت مفتوحة، إذ ترتبط دائرة الرئيس السابق بملفات فساد وقضايا أخرى. وهذا مبرر مقنع تستطيع لجنة صيانة الدستور أن تقدمه، إذ لا يمكن أن تعلن رسمياً رفض الترشح لعدم امتثاله لنصيحة المرشد. لكن مواقع ثانية نقلت إن كل أعضاء اللجنة، من الحقوقيين والفقهاء، صوتوا بلا على ملف نجاد لارتباط الأمر بإصراره على المضي بعكس التيار. وعلق مستشار نجاد الإعلامي، علي أكبر جوانفكر، على هذا القرار مباشرة بعد صدوره. وقال إن الرئيس السابق ومساعده قررا خوض الاستحقاق لحل المشكلات المعيشية، لكن لجنة صيانة الدستور أزاحت عن كاهليهما عبئاً ثقيلاً، حسب تعبيره. ودعا نجاد نفسه، على "تويتر"، مؤيديه للهدوء في وقت تحتاج فيه البلاد للمزيد من الانسجام، كما ذكر. وجاء هذا وسط انتشار أمني كثيف في محيط منزله ليل أول من أمس.

الإقصاءات لم تتوقف عند هذا، فتم استبعاد كلّ من تقدم للسباق باسم التيار الإصلاحي، لا كداعمين لروحاني، ومنهم أمين حزب "مردم"، سالاري مصطفى كواكبيان، الذي رفض أن يبقى الإصلاحيون على ارتباط كامل بالمعتدلين، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة وخلال الرئاسيات الماضية، وهو ما سيقضي على التيار، حسب رأيه. كذلك لم يحصل عضو مجلس السياسات العليا للإصلاحيين، محسن رهامي على الموافقة، وهو الذي أكد أنه رشح نفسه بموافقة إصلاحيين كثر لا للانسحاب لصالح روحاني. تزامن كل هذا وردود فعل هادئة نسبياً، من قبل كل المستبعدين على اختلاف انتماءاتهم. وأكد محمد هاشمي رفسنجاني، الشقيق الأكبر للرئيس الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، أنه غير معترض على قرار لجنة صيانة الدستور التي استبعدته هو الآخر، مؤكداً دعمه لروحاني، فهو أقرب للاعتدال. النائب السابق، علي رضا زاكاني، الذي رُفض للمرة الثانية، ووزير التربية الأسبق، حميد رضا حاجي بابايي، وهما من "الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية" المحافظة (جمنا)، أكدا دعمهما لمرشحي المحافظين المتبقين من الجبهة ذاتها. في المقابل، سيخوض السباق كل من الرئيس الحالي حسن روحاني، ونائبه اسحاق جهانغيري، والنائب السابق للرئيسين محمد خاتمي ورفسنجاني، مصطفى هاشمي طبا. وسيمثل المحافظين كلٌّ من "سادن" (خادم) العتبة الرضوية والمدعي العام السابق، إبراهيم رئيسي، وعمدة طهران، محمد باقر قاليباف، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس الشورى المركزية في حزب "مؤتلفة" الإسلامي، مصطفى ميرسليم. وصنفت المواقع الإيرانية هاشمي طبا بالمرشح المستقل، رغم أنه مقرب من المعتدلين. وقال، حين سجل طلبه في وزارة الداخلية، إنه لم يتشاور مع أي من التيارات الإصلاحية حول ترشحه. ولا يشكل حتى الآن خطراً على روحاني حسب كثيرين.

وعلى الضفة الثانية، فمن بين المحافظين الثلاثة، لا يتناغم ميرسليم كثيراً مع "جمنا" التي تضم تحت لوائها معظم الجبهات المحافظة، وتلقى دعماً واسعاً من فئات عدة. ولم يوافق ميرسليم على آليات ترشيح هذه الجبهة لأعضائها، رغم أنه كان ضمنها، إذ تم اختيار خمسة مرشحين باقتراع داخلي بين الأعضاء، لم يكن ميرسليم واحداً منهم. ووافق هؤلاء على الانسحاب لصالح أحدهم، وهو من سيكون قادراً على منافسة روحاني في الدرجة الأولى وسيتقدم في استطلاعات الرأي. وقال ميرسليم صراحة إنه لن ينسحب لصالح إبراهيم رئيسي. قد تتغير المعادلات بالنسبة لكل من هاشمي طبا وميرسليم، لكن الأمر بين قاليباف ورئيسي سيعتمد على قرار "جمنا" بعد فترة. وقد بدأ كلاهما الدعاية الانتخابية بالتركيز على الشعارات الاقتصادية وإخفاقات حكومة الاعتدال، وهو أمر قد يلقى آذاناً صاغية من قبل شريحة معينة من المواطنين الإيرانيين. أما جهانغيري، فمن المقرر أن ينسحب لصالح روحاني عاجلاً أم آجلاً، وهو ما أعلن عنه بنفسه. وقد جاء ترشحه في اللحظات الأخيرة، إذ نصح الإصلاحيون الرئيس بتقديم أسماء أخرى إلى جانبه، متخوفين من سياسات المحافظين وخططهم، ومحاولتهم توحيد صفوفهم لمواجهته.

وبالنسبة إلى القوى الداعمة للمرشحين، فقد أعلنت "جبهة السائرين على خط الإمام والمرشد" عن دعمها للمرشح النهائي لـ"الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية" المحافظة، فيما أعلن عضو مجمع المدرّسين في حوزة قم، محمد تقي فاضل مبيدي، أن عدداً من رجال الدين ومراجع التقليد سيدعمون روحاني في السباق. ومن المتوقع أن تدعمه أيضاً شخصيات محافظة أقرب في توجهاتها للاعتدال من التشدد. بكل الأحوال، فإن المعادلة خلال هذه الدورة الانتخابية لم تعد كما السابق. فالتنافس ليس إصلاحياً ومحافظاً بحتاً. وقبل أربع سنوات، حصل روحاني على أصوات داعمي الإصلاح والمقربين من الفكر المعتدل من المحافظين، بينما توزعت أصوات الجمهور المحافظ على ستة مرشحين آخرين، وهو ما جعله يفوز وبجدارة. هذه المرة، حاول المحافظون تجنب الخطأ السابق، ويبقى عليهم حسم الأمر بين المرشحين الثلاثة. هي ذات الاستراتيجية التي ستتبع على الطرف المعتدل، لكنها ستكون محسومة لصالح روحاني، إذا ما قرر هاشمي طبا الانسحاب كما جهانغيري، وهو ما سيجعل معادلة التنافس أكثر شراسة هذه المرة، لأن الطرفين سيحاولان الحصول على تأييد أوسع من قبل شرائح التيارات السياسية أولاً قبل الفئات الشعبية.

المساهمون