الحكومة المغربية الجديدة: هكذا وُلدت بعد زوال "الفيتو"

27 مارس 2017
رئيس الحكومة المغربية الجديد العثماني (جلال المرشدي/الأناضول)
+ الخط -

بقدر الفترة الزمنية الطويلة التي اتسمت بالتعثر والجمود في تشكيل الحكومة المغربية الجديدة التي كان عبد الإله بنكيران مكلفاً بها، بقدر السرعة الكبيرة التي تم الإعلان فيها عن هيكلة الحكومة برئاسة خلفه سعد الدين العثماني. فبعد مخاض طويل دام أكثر من خمسة أشهر ونيف، منذ تكليف العاهل المغربي الملك محمد السادس، بنكيران، بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يفلح رئيس الحكومة السابق في تكوين فريقه الحكومي بسبب خلافات حول الأحزاب التي تشارك في الحكومة. غير أن الولادة الحكومية جاءت سريعاً مساء السبت الماضي بإعلان حكومة مكونة من ستة أحزاب سياسية، وهي العدالة والتنمية، المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر الماضي، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والتقدم والاشتراكية، ثم الاتحاد الاشتراكي. وخلّف القبول بحزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة المغربية الجديدة، الذي كان محط رفض قطعي من طرف رئيس الحكومة المعفى، ما يشبه "الصدمة" في صفوف قواعد حزب العدالة والتنمية، الذين عبّروا من خلال تعليقاتهم في وسائط التواصل الاجتماعي عن إحباطهم من تغير موقف الحزب.

ومقابل "إحباط وصدمة" عدد من شباب حزب العدالة والتنمية الحاكم، كان قياديون في هذا الحزب قد مهّدوا لقرار الموافقة على انضمام حزب العدالة والتنمية، من خلال آراء ومقالات تلمح إلى ضرورة القبول بالتحولات السياسية الراهنة. ودافعت قيادات حزبية عن إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي بمبرر أن الوطن فوق الأحزاب، بل إن منهم من حشد أدلة ونصوصاً دينية لإقناع شباب الحزب بقبول الاتحاد الاشتراكي، منهم سليمان العمراني، نائب الأمين العام، الذي دعا إلى "إعمال القواعد الشرعية في بناء التحالفات". وتباينت التحليلات بشأن سرعة ولادة الحكومة الجديدة في ظرف لم يتجاوز عشرة أيام، بعد أن عين الملك العثماني رئيساً لها، بينما قضى سلفه بنكيران حوالي 6 أشهر في مفاوضات تشكيلها من دون جدوى. في هذا الصدد، اعتبر متابعون ومحللون، أن "سرعة ولادة الحكومة الجديدة بعد أن ترأسها العثماني، هي نتيجة لفهم حزب العدالة والتنمية لمتطلبات المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، تحديداً بعد أن تم إعفاء بنكيران، وتمسك الملك بروح الدستور، ولم يعين شخصية أخرى من خارج الحزب".



وبحسب مراقبين فإن الحزب الأغلبي فهم الدرس، والتقط الرسالة جيداً، ولم يرغب في ركوب مغامرة غير محسوبة العواقب، بعد قرار الأمانة العامة للحزب قبول الاتحاد الاشتراكي في صفوف الحكومة، لينتهي الخلاف الذي كان قد شبّ بين بنكيران وعزيز أخنوش زعيم الأحرار. ومن الرسائل الهامة التي فهمها حزب العدالة والتنمية، أن العاهل المغربي فضل الإبقاء على حكومة يرأسها هذا الحزب، على أن يسلك حلولاً دستورية أخرى، من بينها تكليف الحزب الذي جاء ثانياً في الانتخابات، وهي الإشارة التي جاءت في ثنايا بلاغ الديوان الملكي الذي أعفى بنكيران من مهامه كرئيس للحكومة الجديدة.

معطى آخر قد يفسر سرعة ولادة الحكومة الجديدة في عهد العثماني، بخلاف ما كان عليه الأمر في فترة بنكيران، وهي أن موضوع إشراك الاتحاد الاشتراكي لم يكن فقط مطلب أخنوش ومن معه من أحزاب متحالفة، بل كان "توجهاً سيادياً للدولة".

هذا التفسير يجد مسوّغه في تصريح نُسب إلى العثماني الذي تحدث السبت أمام أعضاء لجنة الاستوزار التابعة لحزب العدالة والتنمية، وقال إن تواجد الاتحاد الاشتراكي في الحكومة "قرار سيادي"، لكنه لم يكشف مزيدا من التفاصيل حول طبيعة هذا القرار السيادي.

وفُهم من تلميحات العثماني أن المحيط الملكي ربما لم يكن راضياً على علاقة التشنج بين بنكيران وأخنوش بسبب وجود حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، وبأن هناك جهات نافذة سعت إلى ترجيح كفة الاتحاد الاشتراكي. وبرر التمسك بحزب الاتحاد الاشتراكي من طرف أخنوش المقرب من دوائر القرار في المغرب، بأن لديه كفاءات وعلاقات متشعبة ومحورية مع الأحزاب الاشتراكية في العالم، وأيضاً علاقاته الجيدة بالأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وهو ما قد يفيد كثيراً، بحسب أصحاب هذا الطرح، قضية الصحراء.



قيادي آخر في حزب العدالة والتنمية، هو لحسن الداودي، الذي شغل منصب وزير التعليم العالي في حكومة بنكيران، برر ظهور الحكومة بإشراك حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كانت ترفضه قيادة الحزب، بأنه "يبقى أخف الضررين". عبارة "أخف الضررين" كانت كافية لفهم أن حزب العدالة والتنمية قد يكون أحنى رأسه لرياح سياسية قد لا يكون مستعداً لها، وابتعد بالتالي عن موقف بنكيران الرافض لحزب الاتحاد الاشتراكي إلى حد قوله "إن دخل هذا الحزب على الحكومة فأنا لست بنكيران".

ولادة الحكومة في ظرف زمني قصير، عبر إمساك العثماني بدفة مشاورات تشكيل فريقه الحكومي، أدى إلى رواج انطباع مفاده أن هناك "فيتو ملكياً" ضد شخص بنكيران لرئاسة الحكومة الجديدة، خاصة بعد صراعاته العلنية أمام وسائل الإعلام مع عدد من زعماء الأحزاب المفترض دخولها إلى الحكومة. لكن الواقع أن الفيتو الملكي تم إشهاره ضد طريقة تدبير مشاورات الحكومة، وليس ضد بنكيران كشخص، بدليل عبارات الإشادة التي جاءت في بلاغ الديوان وأيضاً العناية التي خص بها الملك بنكيران في حفل استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

ورأى كثيرون أنه لو رغب الملك محمد السادس في إنهاء دور حزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة، لكان له ذلك من خلال "المسكوت عنه" في الفصل 47 من الدستور الذي يعطيه صلاحية التدخل عندما يمس السير السليم للمؤسسات الدستورية. وبالتالي كان بإمكان الملك تعيين شخصية أخرى خارج العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة، غير أنه صرح برغبته في العمل مع هذا الحزب لأنه "حزب جاد ووطني"، وفق ما أسر به العثماني في اجتماع داخلي للحزب. هذه المعطيات كلها أفضت إلى انحناء العدالة والتنمية قليلا لعاصفة رئاسة الحكومة، والقبول بالاتحاد الاشتراكي، والدخول في عملية اختيار وزراء الحزب في الحكومة الجديدة، والتي تم حصرها في 15 مرشحاً. وأسماء المرشحين للتوزير من قيادات العدالة والتنمية هي: عبد العزيز الرباح، ومصطفى الرميد، ولحسن الداودي، ومصطفى الخلفي، ومحمد الصمدي، ونزهة الوفي، ومحمد يتيم، وآمنة ماء العينين، وعبد القادر اعمارة، وبسيمة الحقاوي، وجميلة مصلي، ومحمد نجيب بوليف، وعبد الغني لخضر، وإدريس الأزمي الإدريسي، ونبيل الشيخي.



في المقابل، قدّمت الأحزاب الخمسة الأخرى الترشيحات الخاصة بالتوزير. وبدا أن عدداً من الأسماء الوازنة ستحافظ على مناصبها في حكومة العثماني الجديدة. ومن أبرز الشخصيات التي ستحافظ على مناصبها، وحتى على القطاعات التي تشرف عليها، هناك عزيز أخنوش الذي من المرتقب أن يبقى وزيراً للفلاحة، باعتبار اطلاعه على هذا الملف، وملازمته للملك في عدد من جولاته الإفريقية والاتفاقيات الزراعية التي تربط المملكة مع بلدان القارة السمراء. ومن الشخصيات الأخرى التي من المرجح أن تحافظ على مكانها داخل الحكومة الجديدة يوجد مصطفى الرميد كوزير للعدل والحريات، ومولاي حفيظ العلمي وزيراً للصناعة والتجارة، ومحمد نبيل بنعبد الله، والحسين الوردي وزيراً للصحة. وبعد أن حطت معركة تشكيل الحكومة الجديدة أوزارها بمعرفة الأحزاب الستة المكونة للفريق الحكومي، فإن معركة هيكلة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب لا تقل ضراوة، إذ غالباً ما تتحكم فيها القوة التفاوضية لكل حزب على حدة.

ومن المتوقع أن تسير العلاقة بين الحكومة الجديدة والقصر الملكي نحو الكثير من "الهدوء"، بعد الضجة التي واكبت إعفاء بنكيران، خصوصاً أن الأخير أعلن صراحة أن حزبه لا يمكنه أبداً الدخول في نزاع مع المؤسسة الملكية، وأيضاً لأن الجانب المزعج من شخصية بنكيران، وهو مواجهته وتصريحاته العلنية قد اختفى باختيار العثماني "المهادن والمرن".

ويبدو أن ما ينتظر الحكومة المقبلة برئاسة العدالة والتنمية، أكبر من مجرد الإعلان عن تشكيلتها وأسماء وزرائها، ولا حتى تصريحات العثماني بأن رهان أغلبيته الحكومية هو النجاعة والفعالية، وأن تكون حكومة أفعال أكثر من حكومة أقوال. ومباشرة بعد أن تم الإعلان عن مكونات الحكومة، وصفها محللون بـ"الهجينة"، وذلك "بسبب تنافر المواقف والأمزجة السياسية بين بعض الأحزاب المكونة لها، تحديداً حزب العدالة والتنمية من جهة، وحزبي الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار من جهة أخرى".

وأبدى مراقبون خشيتهم من انفراط عقد حكومة العثماني فترة قصيرة بعد تشكيلها، أو على الأقل حدوث صدامات داخلية بين مكوناتها، باعتبار أن الحكومة الجديدة تتضمن تحالفات داخل التحالف الواحد، فهناك "تحالف" العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وتحالف آخر يتزعمه "الأحرار" ويقرب إليه كلا من الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية.