إدانة دولية جديدة للنظام: تعمّد قصف الينابيع والهلال الأحمر

14 مارس 2017
5ملايين سوري تأثروا بقصف النظام عين الفيجة(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -


لا يبدو النظام السوري مهتماً بالاتهامات الدولية له، وآخرها اتهامه، أمس الثلاثاء، بجريمة حرب في وادي بردى، بل يستمر في مساعيه لانتزاع مناطق إضافية من المعارضة السورية بالتزامن مع انطلاق اجتماعات أستانة 3، أمس الثلاثاء. فقد واصلت قوات النظام شنّ هجماتها على مواقع سيطرة المعارضة في أحياء دمشق الشمالية الشرقية، محاولةً إخضاع كامل حي تشرين والأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في حيي برزة والقابون. بينما يتجه الوضع في محيط مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، نحو مزيدٍ من التعقيد، إذ تعزز قوات أميركية وروسية وجودها هناك، ضمن مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية، وسط وجود قوات النظام بالقرب من تلك المناطق، والتي لا تبعد بدورها إلا مئات الأمتار عن مناطق وجود فصائل الجيش الحر المنضوية في عملية "درع الفرات" المدعومة تركياً.
وفي اتهام دولي جديد للنظام، قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية أمس الثلاثاء إن القوات الجوية التابعة للنظام السوري تعمّدت قصف مصادر مياه في وادي بردى في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يصل إلى حد جريمة حرب. وقالت اللجنة التي يقودها المحقق البرازيلي باولو بينيرو، إنه لا توجد تقارير عن معاناة أشخاص من تلوث في المياه يوم 23 ديسمبر/كانون الأول عندما استهدفت القوات الجوية للنظام عين الفيجة بضربتين جويتين على الأقل أو قبل هذا التاريخ. وجاء في تقرير اللجنة: "على الرغم من أن وجود مقاتلي الجماعات المسلحة عند النبع يمثل هدفاً عسكرياً، فإن الضرر الشديد الذي لحق بالنبع كان له تأثير مدمر على أكثر من خمسة ملايين مدني في مناطق الحكومة والمعارضة التي حرمت من المياه الصالحة للشرب بصفة منتظمة لأكثر من شهر". وأضاف "يصل الهجوم إلى حد جريمة حرب لمهاجمة أشياء لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين وينتهك مبدأ التناسب في الهجمات". وأضافت أنها لم تعثر على أدلة على تعمد المعارضة المسلحة تلويث أو تدمير إمدادات المياه كما زعم النظام السوري حينها. وتناول التقرير الفترة من 21 يوليو/تموز 2016 إلى 28 فبراير/شباط وصدر بعد أقل من أسبوعين على قول اللجنة إن طائرات النظام السوري تعمدت قصف ورشق قافلة إنسانية، ما أسفر عن مقتل 14 موظف إغاثة في سبتمبر/أيلول العام الماضي. وفي واقعة منفصلة أوضح التقرير أمس أن طائرات، سورية أو روسية على الأرجح، قصفت المقر الدائم للهلال الأحمر العربي السوري في بلدة إدلب. ووثقت اللجنة أيضاً استخدام غاز الكلور القاتل في مناسبات عدة من قبل قوات النظام وقوات موالية لها في ضواحي دمشق ومحافظة إدلب. وذكر تقرير اللجنة أنه لا يوجد دليل على تورط روسيا في هجمات الكلور.
في غضون ذلك، اعتبر المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة زيد رعد الحسين أن سورية بأسرها تحولت إلى "غرفة تعذيب"، معتبراً أن الصراع السوري يعد "الكارثة الأسوأ من صنع البشر" منذ الحرب العالمية الثانية. وقال الحسين خلال نقاش حول سورية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "اليوم، تحول البلد بمعنى آخر إلى غرفة تعذيب، قُل إلى مكان للرعب الوحشي وعدم الإنصاف المطلق". وأضاف أن "شرارة الصراع بأسره، هذا المد والجزر المهول من إراقة الدماء والأعمال الوحشية، انطلقت بارتكاب أعمال تعذيب"، مشيراً الى "أعمال الاعتقال والتعذيب التي ارتكبها مسؤولون أمنيون بحق مجموعة من الأطفال في درعا قاموا بكتابة شعارات مناهضة للحكومة على جدران إحدى المدارس". وقال "فيما تفاقمت الاحتجاجات، هاجمت الحكومة شعبها وشنَّت حرباً ضده، الأمر الذي أطلق تحركات المتمردين وأجج نفوس المتطرفين المتقدة بالعنف وأسس لمرحلة قوامها حرب إقليمية وبالوكالة".



تأتي هذه الاتهامات للنظام السوري، في وقت واصلت فيه قواته أمس الثلاثاء قصفها المدفعي على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في حيي تشرين وبرزة المتجاورين؛ إذ إن قوات النظام ومنذ الشهر الفائت، خرقت الهدنة التي صمدت منذ بداية سنة 2013 في حي برزة، وبدأت بمحاولة اقتحام لمناطق سيطرة المعارضة السورية هناك، بهدف إنهاء وجود الأخيرة في أحياء برزة وتشرين والقابون، وهي مناطق تتبع إدارياً مع حي جوبر للعاصمة السورية دمشق.
وتسعى قوات النظام في هجومها المستمر منذ أسابيع على تلك الأحياء، إلى استكمال مخطط إنهاء وجود المعارضة قرب دمشق، فضلاً عن سعيها إلى حرمان الغوطة الشرقية من طرق الإمداد التي تصلها بهذه الأحياء القريبة منها؛ وبالتالي فإن النظام يحاول أن يحقق تقدماً تكتيكياً ضمن أحياء شمال شرق دمشق، ضمن مساعيه الاستراتيجية لبسط نفوذه لاحقاً على مناطق الغوطة الشرقية، والتي تعتبر أكبر وأهم معاقل المعارضة السورية الواقعة في محيط العاصمة دمشق.
في موازاة ذلك، لكن في وسط البلاد، تواصلت الاشتباكات بين قوات النظام مع مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في محيط منطقة الصوامع شرق مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، وفي محيط منطقة العامرية، وسط قصف مدفعي متبادل بين الطرفين؛ إذ تسعى قوات النظام لإبعاد التنظيم عن المنطقة التي تحوي آبار نفط وغاز، تنازع الطرفان السيطرة عليها خلال الأشهر القليلة الماضية.
في غضون ذلك، انفجرت عبوة ناسفة أمس في حافلة لنقل الركاب في حي وادي الذهب، جنوب شرقي مدينة حمص. وذكرت وسائل إعلامٍ موالية للنظام، إن الانفجار وقع قرب دوار المواصلات، وأدى لإصابة سبعة أشخاصٍ على الأقل، فيما لم تتبنَ أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، والذي يعتبر الأول بعد هجماتٍ متزامنة واسعة تعرضت لها مقرات أمنية للنظام في مدينة حمص أواخر شباط/فبراير الماضي، وأدت إلى مقتل نحو خمسين من عناصر وضباط هذه المقرات، أبرزهم رئيس فرع الأمن العسكري، وتبنّته لاحقاً "هيئة تحرير الشام".
أما في شمالي سورية، فقد واصلت قوات النظام أمس، قصفها مناطق تسيطر عليها المعارضة في ريف حلب. وأكد مصدر في الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد"، مقتل "مدني وجرح اثنين آخرين، نتيجة قصف مدفعي من قوات النظام على قرية عطشانة في ريف حلب الجنوبي"، فيما أشار ناشطون محليون إلى أن الطيران الحربي الروسي شنّ غارات بصواريخ فراغية وقنابل عنقودية على مدن وبلدات التوامة، عندان، خان طومان، دارة عزة، في أرياف حلب الجنوبية والشمالية الغربية.
وفي ريف حلب الشرقي، والذي تتنازع مصالح قوى متعددة لتوسيع دائرة نفوذها فيه، واصلت قوات أميركية تحركاتها هناك، وسط معلوماتٍ تحدثت أمس عن أن القوات الأميركية في مدينة منبج تقدّمت باتجاه ريف المدينة الغربي، واستقرّت في منطقة العريمة التي تقدّمت بالقرب منها قوات النظام السوري، وتقع على أطرافها الغربية مواقع سيطرة الجيش السوري الحر، وعلى أطرافها الشرقية مواقع سيطرة "قوات سورية الديمقراطية".
وبات الوضع الميداني في محيط مدينة منبج بالغ التعقيد، إذ تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية على هذه المدينة منذ شهر أغسطس/آب الماضي، بعد أن نجحت بطرد مسلحي "داعش" منها؛ لكن في اليومين الماضيين أظهرت صورٌ على مواقع التواصل الاجتماعي أعضاء في "مجلس الشعب" السوري، أثناء وجودهم وسط المدينة، والتي دخلت إليها الأسبوع الماضي قوات أميركية، وباتت تتحرك في محيطها، لمنع قوات "درع الفرات" من التقدّم نحوها.
كذلك بثت وسائل إعلام منذ يومين صوراً لضباط وجنود روس موجودين مع قوات النظام، قرب قاعدة عسكرية روسية، في قرية جب الحمراء غربي منبج، والتي تبعد مئات الأمتار فقط عن قريتي جب النعمان وأم شكيف، الواقعتين تحت سيطرة الجيش السوري الحر بريف مدينة الباب الشرقي.
وفضلاً عن وجود قوات روسية وأميركية بشكل رسمي في ريف حلب الشرقي فإن "قوات سورية الديمقراطية" وقوات النظام السوري، وفصائل الجيش السوري الحر، تتقاسم السيطرة على هذا الريف الواسع، والممتد حتى ضفاف نهر الفرات الشرقية، والذي ما زال لمسلحي تنظيم "داعش" وجود في بعض بلداته، أبرزها مسكنة ودير حافر الواقعين على طريق حلب -الرقة.