شهدت الساحة الباكستانية سلسلة هجمات في الأيام الأخيرة، كان آخرها الاعتداء الانتحاري على ضريح لعل شهباز قلندر في إقليم جنوب باكستان، مساء الخميس، والذي أدى إلى مقتل وإصابة 270 شخصاً. ما دفع الجيش الباكستاني إلى إغلاق كافة المنافذ الحدودية مع أفغانستان، مهدداً بالرد والانتقام، كما نوّه إلى أن إغلاق الحدود هي المرحلة الأولى، من دون أن يوضح كيفية الانتقام وما إذا كان داخل الحدود أم خارجها. وجعلت التطورات الأمنية الأخيرة إسلام أباد في موقع حرج للغاية، لأنها شكّلت دفعة قوية للجهود التي كانت تبذلها لتطبيع علاقاتها مع جارتها أفغانستان. كما طرحت تساؤلات حول ادعاءات المسؤولين الباكستانيين المتكررة بشأن قمع الجماعات المسلحة وأنها غير قادرة على العمل النشط في باكستان، بعد أن قصم الجيش الباكستاني ظهرها. فضلاً عن ذلك، فقد بُذلت جهود عدة لتطبيع العلاقات بين الجارتين أفغانستان وباكستان، وكان من المتوقع أن يزور وفد من القبليين وسياسيين باكستانيين من البشتون العاصمة الأفغانية كابول، لإجراء مباحثات مع الحكومة الأفغانية لإقناعها بالحوار مع "طالبان" وفق طموحات باكستان. مع العلم أن الطرف الأفغاني، وتحديداً الرئيس أشرف غني أحمد زاي، كان رافضاً أي حوار تكون فيه باكستان طرفاً، معتبراً أن الجهود التي بذلها في أول أيام حكومته لم تلبّ مطالب أفغانستان.
ولم يكتفِ الجيش الباكستاني بإغلاق الحدود مع أفغانستان وبالتهديد بالرد، بل استدعى أيضاً دبلوماسيين أفغاناً، أمس الجمعة، إلى مقر قيادة الجيش في مدينة راولبندي، وفقاً لتسريبات صحافية. وطلبت قيادة الجيش منهم تسليم نحو 76 شخصية بارزة في "طالبان باكستان" إلى السلطات الباكستانية، التي تعتبر أنهم يسكنون في أفغانستان، أو "العمل الفوري والعاجل ضد قواعد المسلحين الباكستانيين على أرض أفغانستان". كما ذكر الجيش أن "الحدود ستكون مغلقة لفترة غير معلومة، وحتى تلبي كابول مطالب إسلام أباد". ولكن لا يبدو أن السلطات الأفغانية ستلبّي مطالب باكستان، لا سيما أن البعض في أفغانستان اعتبر أن "ما يجري في باكستان حالياً هو من صنع استخبارات البلاد نفسها، كي تحصل على مكاسبها وتصل إلى أهدافها المنشودة".
في هذا الصدد، اعتبر رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق، رحمت الله نبيل، أن "السلطات الباكستانية تسعى من خلال الهجمات الأخيرة إلى أن تثبت للحكومة الأميركية الجديدة، أنها ضحية للإرهاب وليست داعمة له. كما تريد أن تثبت أنها مخلصة مع الجهود المبذولة لقمع الجماعات الإرهابية، لذلك فرضت الإقامة الجبرية على حافظ سعيد قبل أيام وهو زعيم جماعة الدعوة المحظورة"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإدارة الأميركية الجديدة تفهم جيداً أن باكستان لا تتعاون في قمع الإرهاب بل تدعم الجماعات الإرهابية".
وأضاف نبيل أن "السلطات الباكستانية تعمل منذ فترة لإدغام المناطق القبلية في إقليم خيبر بختونخوا، وثمة من كان يعارض ذلك، وبعد هذه الهجمات أغلقت الحدود كي ينفذ مخططها". وطرح سؤالاً مفاده "إذا كانت السلطات الباكستانية تطلب من أفغانستان تسليم القياديين في طالبان باكستان، فلماذا لا تعمل ضد قيادات طالبان أفغانستان في باكستان، لا سيما في مدينة كويتا وبشاور؟"، مشدّداً على أن "التعاون الإيجابي بين الدولتين لا بد منه لإحلال الأمن في المنطقة كلها، وليس في بلد بعينه".
وكانت الخارجية الباكستانية قد استدعت نائب السفير الأفغاني لدى إسلام أباد قبل أيام في أعقاب عملية لاهور الانتحارية، وسلمته رسالة احتجاج على الهجمات الأخيرة. وذكرت أن "أعداء البلاد يخططون على الأراضي الأفغانية بإرباك الأمن، وباكستان لن تبقى صامتة إزاء التطورات الأخيرة".
من جانبه، اعتبر عضو حزب "عوامي" القومي البشتوني الباكستاني، أفراسياب ختك، أن "إغلاق الحدود لن يكون حلاً للمعضلة التي تواجهها المنطقة، وأنها تثبت عجز باكستان من احتواء الأزمة". كما أكدت الخارجية الأفغانية أن "استخدام الحدود واللاجئين كوسيلة للضغط على الحكومة الأفغانية أمر غير مناسب وأنها تطلب من السلطات الباكستانية التجنب منها". وبناء على التطورات الأخيرة يتوقع أن تشهد العلاقات الأفغانية ـ الباكستانية، واستطراداً المنطقة، مزيداً من التوتر. لا سيما وأن التطورات الأمنية في باكستان متواصلة، مع قتل القوات الباكستانية 25 مسلّحاً خلال عملياتها داخل المدن الباكستانية، مساء الخميس ـ الجمعة.