تحذيرات "أصدقاء سورية" تسبق جنيف: فشل المفاوضات مسؤولية روسيّة

18 فبراير 2017
أكد تيلرسون تأييد الجهود الأممية للحل (براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -



تسارعت التطورات السورية عبر لقاءات متعددة بين الأطراف المعنية بالصراع السوري، بعد يوم من فشل اجتماعات أستانة بإقرار بروتوكول لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، في ظل صعوبات واضحة أمام مفاوضات جنيف المقررة في 23 الحالي، والتي تبدو الأمم المتحدة عبر مبعوثها ستيفان دي ميستورا مصرة على السير بالأجندة التي تريدها روسيا، عبر الإعلان عن بحث دستور جديد وانتخابات خلال المفاوضات، من دون تأكيد مناقشة الانتقال السياسي، وهو الأمر الذي تصر عليه المعارضة. في غضون ذلك، كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يطمئن حلفاء واشنطن بأن بلاده لا تميل إلى جانب موسكو في الصراع السوري، في وقت برز فيه رفض أوروبي لأي مفاوضات موازية لجنيف وتشديد على دور روسيا في الضغط على النظام السوري لتسهيل المفاوضات وعدم إفشالها. لكن نوايا النظام بدت واضحة عبر تصعيده حملة القصف أمس الجمعة، بعد يوم واحد من اجتماعات أستانة 2 التي تعهّدت فيها موسكو بالضغط على النظام لمنع خرق وقف إطلاق النار.


حل سياسي
وأبلغ تيلرسون حلفاء واشنطن أمس الجمعة، بأن الولايات المتحدة تؤيد جهود الأمم المتحدة للتوسط في حل سياسي للحرب السورية. وقال تيلرسون إن العلاقات العسكرية مع روسيا تعتمد على موقفها من المعارضة المسلحة التي تقاتل النظام، وذلك في أول لقاء بين الوزير الأميركي الجديد ومجموعة "دول أصدقاء سورية" على هامش اجتماع لوزراء خارجية مجموعة العشرين في مدينة بون الألمانية. وشدد تيلرسون خلال اللقاء على أهمية التمسك بجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي يقوم على قرار مجلس الأمن 2254 وبرعاية دي ميستورا. وقال دبلوماسيون إن تيلرسون أكد أن موقف موسكو بالانضمام إلى النظام السوري في وصف جميع المعارضين المسلحين بالإرهابيين سيجعل التعاون العسكري بين واشنطن وموسكو معقداً. وقال دبلوماسي غربي وفق وكالة "رويترز": "خلال المناقشات أوضح أنه لن يكون هناك تعاون عسكري حتى يقر الروس بأن كل المعارضة ليست إرهابيين".
من جهته، أبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت الصحافيين أن الاجتماع مع تيلرسون كان مفيداً. ولفت إلى أنه "من المهم والضروري أن يقوم حوار وثيق مع الولايات المتحدة حول المسألة السورية، وتثبتنا هذا الصباح من أننا متفقون جميعاً". وطالب إيرولت "الداعمين الروس للنظام بالضغط عليه كي يتوقف عن اعتبار كل المعارضة إرهابيين، وإلا فلن تكون هناك مناقشات في جنيف". وأضاف: "من يمكنه تمويل إعادة إعمار سورية؟ الاتحاد الأوروبي بصورة رئيسية. وقلنا إنه من غير الوارد تمويل إعادة الإعمار والنظام على ما هو".
بينما قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال، عقب الاجتماع، إنه "من الواضح أن كل المجتمعين يريدون حلاً سياسياً لأن الحل العسكري وحده لن يؤدي إلى السلام في سورية، وهذا الحل يجب تحقيقه في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة ولا يجوز أن تكون هناك أي مفاوضات موازية". وقال غابريال للصحافيين إن "الجميع دعم (عملية) جنيف، وخصوصاً الذين كانوا جديدين حول الطاولة، مثلا زميلنا الأميركي شارك كثيرا في النقاش". وجاء هذا الكلام بعد يوم واحد من اجتماعات أستانة التي فشلت في التوصل إلى إجماع على قرار. ونقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسي غربي قوله إن "الروس يحاولون قيادة عملية منفصلة... عملية جنيف هشة للغاية ونحن نود تجنّب أن تكون فوضوية".
أما وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، فأكد أن المعارضة السورية ستشارك في مباحثات جنيف المقبلة، بتمثيل شامل ورفيع، معرباً عن استعداد تركيا لاستضافة "اجتماع أصدقاء سورية" المقبل. جاءت تصريحات جاويش أوغلو في اجتماع "أصدقاء سورية" وفق وكالة "الأناضول". وقالت مصادر دبلوماسية تركية للوكالة إن الاجتماع حضره وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة، وتركيا، والسعودية، وقطر، والإمارات، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والأردن، إضافة إلى ممثلة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني. وأشارت المصادر إلى أن الوزير التركي أطلع المشاركين في الاجتماع على معلومات حول التطورات الحاصلة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، والجهود المبذولة بخصوص تعزيزه.



مفاوضات بلا انتقال؟
جاءت هذه التطورات في وقت كان فيه دي ميستورا، يعلن أنه يضع اللمسات الأخيرة على قائمة الوفود المشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة بشأن سورية، وسط أجواء إيجابية، نافياً أي نية لتأجيلها. وقال دي ميستورا، وفق ما نقلت عنه المتحدثة باسمه يارا شريف، إنّ "هناك بالفعل ردوداً إيجابية على الدعوات التي وجهت حتى الآن، وأنّه من المتوقع وصول بعض المشاركين في مطلع الأسبوع".
لكن شريف امتنعت عن تأكيد مناقشة عملية الانتقال السياسي في مفاوضات جنيف، ما يعني احتمال عدم طرح مستقبل بشار الأسد على جدول الأعمال. وقالت شريف في بيان: "تسترشد المفاوضات تماماً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يتحدث بشكل محدد عن أسلوب الحكم ودستور جديد وانتخابات في سورية". وبينما يؤكد دي ميستورا أنّ القرار الدولي لمجلس الأمن رقم 2254 هو "الوثيقة الوحيدة التي تحدد اتجاهات تسوية الوضع السوري"، تشدّد المعارضة السورية على ضرورة مناقشة الانتقال السياسي في سورية وفق بيان جنيف 1، قبل التطرق إلى أي قضايا أخرى.


متابعة أستانة
في سياق آخر، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث عن أكثر من جانب لحل الصراع السوري، أبرزها مكافحة الإرهاب والجهود الإنسانية، والسعي لوقف إطلاق النار عبر الجهود السياسية. وشدد في حديث تلفزيوني أمس الجمعة على أن سعيه الوحيد "هو محاولة وقف إطلاق النار ووقف إراقة الدماء"، مشيراً إلى أنه تم "التواصل مع روسيا من أجل تحقيق هذه الغاية، وقد تمكنا من الوصول إلى مرحلة ما في هذا الأمر، في مرحلة أستانة". ولفت الرئيس التركي إلى أن نظام بشار الأسد قتل مليون سوري، مؤكداً أنه "يجب تأسيس منطقة آمنة خالية من الإرهاب ما بين جرابلس والراعي، وسنقوم بإعلان هذه المنطقة على أنها منطقة حظر جوي، وسنستمر ببرامج التدريب والتزويد للقوات السورية المحلية".
وتُعتبر تركيا راعياً أساسياً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في اجتماعات أستانة الأولى، بينما فشلت اجتماعات أستانة 2 يوم أمس الأول الخميس في التوصل لاتفاق، فيما أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية أن الدول الثلاث الراعية لوقف إطلاق النار وهي روسيا وتركيا وإيران، شكلت فريق عمل لمتابعة وقف إطلاق النار، وهو الاتفاق الذي وعدت روسيا وفد المعارضة بإلزام النظام باحترامه ووقف هجماته الجوية على مناطق المعارضة.
وقالت الخارجية الكازاخية إن "رعاة وقف إطلاق النار في سورية شكلوا فريق عمل مشترك عنهم لمتابعة صمود الهدنة هناك والوقوف بشكل دائم على مدى الالتزام بها". وأضافت في بيان صدر أمس أن من بين المهام الموكلة لفريق العمل "ضمان الفصل ما بين فصائل المعارضة السورية المسلحة والتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى تعزيز إجراءات الثقة المتبادلة بما يخدم تحريك التسوية السياسية للنزاع السوري". وأفادت بأن فريق العمل المشترك "سوف يعكف على إجراء المشاورات حول تقيد الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار، والتحقيق في انتهاكات قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ومنع التصعيد، والعمل على الحد من وطأة الوضع الإنساني في سورية".
وفي تصريحات صحافية له أمس، أعرب رئيس وفد المعارضة إلى أستانة، محمد علوش، عن أمله بإمكانية التواصل مع روسيا، خلال الفترة المقبلة، لضمان خروج معتقلين لدى النظام، مضيفاً أن التواصل سيجري عبر الجانب التركي، حيث تتواصل الاجتماعات والنقاش حول الأمر في العاصمة التركية أنقرة. وكان علوش قد كشف أن "الروس اقترحوا تقديم أسماء مائة معتقل لدى النظام للإفراج عنهم"، معتبراً هذا الإجراء "غير منطقي أمام الآلاف من المعتقلين، لكن سندرسه ونرد عليه بشكل رسمي". وأعلن علوش أن "المعارضة قررت استكمال التفاوض في أنقرة لوضع آلية محددة للإفراج عن المعتقلين، وأكدنا على تشكيل لجنة للمراقبة تضم روسيا وتركيا ودولاً عربية، ورفضنا أي دور لإيران في سورية".
وقال مصدر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" إن المشاورات في أنقرة التي أشار إليها علوش تستهدف تذليل العقبات أمام انعقاد مؤتمر جنيف المقرر أن يبدأ رسمياً في 23 الشهر الحالي على أن تبدأ الوفود في الوصول الإثنين المقبل. وأوضح المصدر أن ذلك قد يشمل إطلاق سراح عدد من المعتقلين في السجون قبل بدء مفاوضات جنيف إضافة إلى التأكيد على فاعلية الإجراءات المقترحة لمراقبة وقف إطلاق النار.
لكن مقابل ذلك، كانت وزارة الخارجية الروسية تنشر الوثيقة الخاصة بـ"إنشاء لجنة مشتركة معنية بالرقابة على الهدنة في سورية"، معلنة أن اللجنة ستتولى مهمات مختلفة، بينها تنظيم عمليات تبادل الأسرى وجثث القتلى. وقال مصدر في الكرملين، وفق وكالة "إنترفاكس"، إن "النتيجة الرئيسة لاجتماعات أستانة تتمثل بموافقة جميع المشاركين على البند المتعلق بالمجموعة المشتركة لمراقبة الالتزام بالهدنة في سورية، الذي أعد من قبل روسيا وإيران وتركيا". وأضاف المصدر: "هذا يعني أن الآلية الثلاثية وضعت على أساس جيد ومتوافق عليه"، مشيراً إلى أنه "إضافة إلى تأمين جميع ظروف وقف النار التي تدخل في مهمة مجموعة الرقابة الثلاثية، فإن من مهمتها أيضاً فصل المنظمات الإرهابية، مثل "داعش" و"النصرة" عن المعارضة المسلحة وتعزيز إجراءات الثقة التي تساهم في الحوار السوري-السوري برعاية الأمم المتحدة".