توافقات جديدة تنتظر دير الزور بعد "داعش"

05 ديسمبر 2017
النازحون ينتظروف انتهاء المعارك (ابراهيم ياسوف/فرانس برس)
+ الخط -
تزداد الصورة تعقيداً لتطور الوضع في محافظة دير الزور شرقي سورية، كلما تقترب نهاية تنظيم "داعش" الآخذ بالتلاشي نهائياً، والذي مضى على وجوده فيها أكثر من 3 سنوات. ووزعت مهمة طرد التنظيم من هذه المحافظة، من قبل أميركا وروسيا، القوتين الأكثر فاعلية في القضية السورية، على كل من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة أميركياً، والتي تتكفل بالسيطرة على الأراضي الواقعة شرق وشمال نهر الفرات، وقوات النظام والمليشيات الإيرانية المدعومة روسيا، والتي كلفت بالسيطرة على الأراضي الواقعة غرب وجنوب نهر الفرات، إلا أنه يبدو أن التحالفات في المنطقة ما قبل "داعش" ليست كما بعده، إذ بدأت خارطة التحالفات وتوزيع القوى تتغير بشكل علني، وخاصة مع إعلان قسد سيطرتها على كامل الريف الشرقي من دير الزور، وهو الإعلان الذي خرج للعلن بمشاركة ضابط روسي رفيع المستوى أول أمس الأحد.



ويبدو أن "قسد" استعجلت إعلان سيطرتها على الريف الشرقي وطرد "داعش" منه، في وقت شكك العديد من الناشطين بهذه السيطرة، خلال حديثهم مع "العربي الجديد"، مؤكدين أنه لا تزال هناك معارك في القرب من الحدود السورية العراقية إضافة إلى بلدات عدة على الضفة الشرقية للفرات، إذ يتواجد "داعش" ضمن عدة جيوب.
وتعيد مصادر معارضة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث مع "العربي الجديد"، الإعلان المبكر لـ"قسد" بحضور نائب قاعدة حميميم، الجنرال ألكسي كيم، والحديث عن استعدادها لتشكيل هيئة أركان وغرفة عمليات مشتركة مع شركائهم لمحاربة "داعش" بهدف "رفع وتيرة التنسيق وإنهاء الحرب بالكامل، إضافة إلى الإشادة بالقيادة العسكرية الروسية في حميميم لتقديمها الدعم الجوي واللوجستي والاستشارة والتنسيق على الأرض"، لافتة إلى أن "أهمية زيادة هذا الدعم وتأمين الحماية الجوية والتغطية اللازمة، تعود لرغبة قسد في كسب الروس كقوى فاعلة في سورية، خصوصاً أن الروس قد يؤدون دوراً أكبر في ترتيب البيت السوري الداخلي خلال المرحلة المقبلة، عقب القضاء على داعش، وبمباركة أميركية، بحسب ما يبدو واضحاً إلى اليوم".
وبحسب المصادر نفسها، فإنه "يوجد على ما يبدو تفاهمات جديدة في سورية حول أدوار القوى المحلية على الأرض، جزء منها لطمأنة الأتراك المتخوفين بشكل كبير من مسألة تسليح وتوسع سيطرة الأكراد في سورية، والذين يشكلون عصب قوات قسد". وتزايدت مؤشرات هذا التوجه بعد "الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ تم بحث التطورات على الساحة السورية وملف التسليح الأميركي للأكراد"، فيما أعلنت تركيا أنها تلقت وعداً أميركياً في ما يتعلق بوقفه.
وذكّر المصدر بأن "وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، صرح يوم السبت الماضي بأن بلاده بصدد إجراء تغييرات استراتيجية في ما يتعلق بالتعاون مع قسد، وأنه مع دخول القتال ضد داعش مراحله النهائية، فإنه يجب نقل التركيز إلى السيطرة على الأرض وتدريب ودعم قوات شرطة محلية كردية، بدلاً من تقديم أسلحة متقدمة لـقسد"، وهذا مؤشر على بدء تخفيف الدعم الأميركي وربما بداية التنصل من مواصلة دعم واشنطن لـ"قسد"
مصادر معارضة أخرى قالت لـ"العربي الجديد"، إن "هناك احتمالا لوضع حد لطموحات الأكراد في شرق سورية، ضمن صيغة ما من الإدارة غير المركزية، وهذا يتطلب الحد من امتلاكهم للسلاح الثقيل، ومن مصادر التمويل الذاتي كالثروات الباطنية وعلى رأسها النفط والغاز، وضمن هذا الإطار قد يندرج تسليم العديد من النقاط التي تمت السيطرة عليها من قسد للروس، منها منشأة كونيكو للغاز، وحقول النفط الموجودة في أطرافها، بحسب ما أفاد به المتحدث السابق باسم قسد طلال سلو في تصريحاته الأخيرة لـ"الأناضول"، وهذا يجعل الباب مفتوحا في المرحلة المقبلة لتسليم مزيد من النقاط، إلى حين يتم الاتفاق على شكل الحكم القادم في سورية".
وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن "الأميركيين ليسوا مهتمين بحقول النفط، بقدر ما هم مهتمون برسم خارطة سورية والمنطقة للمستقبل، عبر توازنات محلية وإقليمية محددة، وهم بالتالي لا يعلقون كثيراً على أدوات تنفيذ سياساتهم إذا وثقوا من أن هذا الطرف أو ذاك سيقوم بدوره بالشكل المطلوب، وبالطبع تدار هذه العملية بالتوافق مع الروس".
ومع النظر إلى خارطة السيطرة على دير الزور، يتضح اليوم أن النظام ومن يدعمه على الأرض، سيطر على الجانب الجنوبي الغربي من النهر، وهي مناطق مكتظة بالسكان، وفيها أهم 3 مدن ديرية وهي مدن دير الزور والميادين والبوكمال، بالرغم من أن العمليات العسكرية تسببت بتهجير الغالبية العظمى من أهالي المنطقة باتجاه مناطق قسد، بسبب شبه انعدام الثقة بين المجتمع المحلي من جهة، والنظام والايرانيين من جهة أخرى، وخاصة أن النظام اعتمد في معاركه على المليشيات الطائفية، بكل ما تمارسه من أفعال طائفية منفرة للأهالي، حتى أن معارك البوكمال الأخيرة قادها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وبينما سيطر النظام على أكثر المدن كثافة بالسكان وعلى مساحات صحراوية بدير الزور كانت بيد "داعش" فإن منافسيه قوات "قسد" سيطروا على الريف الشرقي والشمالي من المحافظة، وهو الأغنى إن كان بالثروات الباطنية أو زراعيا والأقل من حيث عدد السكان، وهذا ما يشكل مشكلة للنظام، الذي يحتاج إلى موارد المناطق الشرقية في سورية كونها تمثل العائد الأهم لخزينة الدولة.