روسيا تحاصر المعارضة السورية في سوتشي والرياض

02 نوفمبر 2017
تسعى روسيا لقطف ثمار استثمارها العسكري (دومينيك ديردا/فرانس برس)
+ الخط -

مع خروج الخطط الروسية بشأن عقد مؤتمر لـ"المصالحة" السورية في منتجع سوتشي على البحر الأسود في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى العلن، والذي سيسبقه اجتماع "الهيئة العليا للمفاوضات" المعارضة في الرياض، تبدو المعارضة السورية في وضع دفاعي إزاء هجوم روسي - دولي مزدوج، يستهدف لي ذراعها، ودفعها إلى القبول بتغيير المرجعيات المعتمدة للحل السياسي في سورية، والمبنية على مبادئ جنيف والمرجعيات الدولية ذات الصلة. كما تشير الخطط الروسية لعقد مؤتمر سوتشي إلى مضي موسكو في سعيها لقطف ثمار استثمارها العسكري لصالح النظام السوري على مدار العامين الماضيين، والذي أسفر حتى الآن عن استعادة قوات النظام لأكثر من نصف مساحة البلاد.

ومما له دلالاته على طبيعة التفكير الروسي بشأن الحل في سورية، في ظل تراجع دور القوى الإقليمية والدولية الأخرى، نوعية التشكيلات السياسية التي وجهت إليها الدعوة لحضور مؤتمر سوتشي، والذي رأى البعض أنه أقرب إلى اجتماع لـ"أهل البيت"، أي النظام السوري وأزلامه ومواليه من أحزاب وشخصيات من تصنيع أجهزته الأمنية، أو أنها توالي موسكو نفسها، بينما تقلص تمثيل المعارضة "المعتمدة" حتى الآن من جانب المجتمع الدولي إلى نسبة ضئيلة، أرادت موسكو أن يضيع صوتها في زحمة "المعارضات الأخرى" التي يعمل جلها لصالحها ولصالح النظام السوري. ودفع هذا الأمر مجمل قوى تلك المعارضة إلى رفض مؤتمر سوتشي، واعتباره محاولة روسية مكشوفة للخروج عن مرجعيات جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ونشرت وزارة الخارجية الروسية قائمة بالمنظمات والجماعات التي تمت دعوتها للمشاركة بما سمي "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي، وهو نفسه الذي كانت تخطط روسيا لعقده في قاعدة حميميم باسم "مؤتمر شعوب سورية"، لكنها عادت وعدلت اسم المؤتمر ومكان انعقاده بعد اعتراضات مبكرة عليه من جانب العديد من القوى الداخلية والخارجية. ويظهر من اللائحة أن هناك 20 حزباً من بين 33 ورد اسمها في قائمة المدعوين مقرها في دمشق، أي تحت سلطة النظام. ولعل أبرز ما يلفت النظر هو هيمنة "أحزاب قدري جميل" على قائمة المدعوين، إذ يبرز اسم "رجل موسكو" في أكثر من حزب وهيئة منفردة ومؤتلفة. وعلى سبيل المثال، ورد في قائمة المدعوين اسم "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير"، التي تأسست في القاهرة في 9 يوليو/ تموز 2011 برئاسة قدري جميل، وتضم حزبه المسمى "اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين" مع شخصيات أخرى، مثل مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي علي حيدر، ومجموعة من الشخصيات المستقلة، مثل الباحث حسني العظمة والنقابي إبراهيم اللوزة، والناشط السياسي عادل النعيسة. كما تضم قائمة المدعوين مجموعة من الأحزاب التي تشكلت تحت عباءة النظام في السنوات الأخيرة بعد اندلاع الثورة السورية، وعادة ما توصف بأنها من صنع الاستخبارات السورية، لأن مواقفها تتطابق تماماً تقريباً مع مواقف النظام، وهي أحزاب شكلية من الناحية التنظيمية، وكثير منها لا يتعدى عدد أعضائه أصابع اليد الواحدة. كما تضم القائمة مجموعة من الأحزاب الكردية، مثل "الاتحاد الديمقراطي" ومقره في القامشلي، و"الاتحاد الديمقراطي" ومقره في عين العرب (كوباني) بريف حلب، و"الاتحاد السوري" في القامشلي، و"المجلس الوطني الكردي" في القامشلي أيضاً.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة السورية إلى أستانة، يحيى العريضي، إن "روسيا تتصرف في سورية كدولة احتلال". وأضاف العريضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المؤتمر خارج إطار الأمم المتحدة، وحتى لو قالت روسيا إنّها ستنسق مع الأمم المتحدة، فإنّه كلام غير مقبول، لأن هذا الأمر لو كان صحيحاً، لكانت روسيا طبّقت بيان جنيف والقرارات التي شاركت هي في صياغتها". وتساءل العريضي "ما المبرّر من هذه المجموعة الجديدة، سواء كانت في حميميم أو سوتشي، ما دام هناك مسار سابق في جنيف؟". واعتبر أن "نوعية من سيحضرون يشبهون النظام، ما يعني أن النظام السوري سيحاور نفسه في سوتشي"، موضحاً أن "الجهات التي ستحضر هي إمّا أُجبرت على المصالحة تحت الحصار والدمار والتجويع، أو من الأحزاب التي أفرزتها أفرع الاستخبارات".



من جهته، قال رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، إن "الائتلاف لن يشارك في أي مفاوضات مع النظام خارج إطار جنيف ووفق قرارات مجلس الأمن، ومن دون رعاية الأمم المتحدة". واعتبر رمضان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دعوة روسيا لعقد مؤتمر للسوريين في سوتشي محاولة للالتفاف على جنيف والإرادة الدولية في الانتقال السياسي في سورية وفق قرارات مجلس الأمن وتحت رعاية الأمم المتحدة". وأوضح أنه إذا كانت القيادة الروسية جادة في دعم العملية السياسية، فإن "عليها الضغط على نظام الأسد للمشاركة في جنيف والالتزام بقرارات مجلس الأمن والدخول في مفاوضات مباشرة وجدية"، معتبراً أن "روسيا ليست طرفاً محايداً في القضية السورية، بل طرف منحاز إلى جانب نظام (بشار) الأسد، ودافعت عنه عسكرياً وسياسياً، بما في ذلك استخدامها حق النقض (الفيتو) 9 مرات في مجلس الأمن لتمكين مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب". وأكّد رمضان أن روسيا "تتحمّل المسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في سورية منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/ أيلول 2015، ما تسبب في مقتل آلاف السوريين، إضافة إلى مسؤوليتها عن جرائم الإبادة واستخدام الأسلحة الكيميائية والمحرمة من قبل نظام الأسد والمليشيات الإرهابية الإيرانية، وتهجير عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم تحت القصف والتدمير". ولفت إلى أنّه "بعد 7 جولات من أستانة، ما زالت ملفات المعتقلين وفك الحصار وإدخال المساعدات معلَّقة، وتقع على عاتق روسيا المسؤولية الرئيسة في ذلك، إلى جانب نظام الأسد".

وفي السياق ذاته، قال رئيس "المجلس الوطني الكردي"، عثمان مسلم، إنه حتى الآن لم "نتبلّغ الدعوة بشكل رسمي، وفي حال تلقيها سنحولها على الأمانة العامة لتتم مناقشتها". وأضاف مسلم، في تصريح لـ"العربي الجديد": "كموقف مبدئي نحن جزء من قوى الثورة والمعارضة وجزء من الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات"، مضيفاً: "من بين العدد الكبير للوفود المدعوة للمؤتمر، نحن لا نعرف سوى 5 أو 6 جهات ممثّلة للسوريين على الأرض". واعتبر أن "الدعوة الروسية للأطراف السورية ميتة قبل أن تولد، بسبب إشراك أطراف غير أساسية، كالأحزاب الـ18 الموجودة قرب القصر الجمهوري في حي المهاجرين بدمشق". ورأى أن الدعوة يجب أن توجه إلى "أهالي حمص وحلب ودرعا البلد والقامشلي وعامودا، الذين هُجّر منهم أكثر من 250 ألف مدني نتيجة ضغوطات حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري". وتابع مسلم "نحن لا نرى الخير بهذه الدعوة، خصوصاً أنّها جاءت من طرف يقصف الشعب السوري والمدن السورية يومياً، لكن روسيا دولة فاعلة، وفي حال اتخذنا قرار الرفض فسنقوم بذلك بشكل سياسي ودبلوماسي". واعتبر أنّ "المؤتمر عبارة عن طريقة ضغط روسية جديدة على السوريين للوصول إلى تسوية تخدم النظام السوري ولا تخدم السوريين". وكان عضو الهيئة العليا للمفاوضات والقيادي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، قال، في تصريحات صحافية، إن "الثورة ترفض هذا المؤتمر، وهو بين النظام والنظام". ونقلت وكالة "رويترز" عن علوش قوله إن "الهيئة العليا فوجئت بذكر اسمها في قائمة الدعوة، وهي بصدد إصدار بيان مع قوى أخرى يحدد الموقف العام الرافض لهذا المؤتمر". من جهته، رحب رئيس "تيار الغد" السوري المعارض، أحمد الجربا، بعقد مؤتمر للحوار الوطني للأطراف السورية في روسيا، معرباً عن تأييده لهذا المؤتمر. وقال الجربا، في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، إن "مؤتمر الحوار الوطني السوري سيكون داعماً لمفاوضات جنيف"، معتبراً أن "كل مكونات الشعب السوري ستشارك فيه"، على حد تعبيره.

ويسبق مؤتمر سوتشي المقرر في 18 نوفمبر الحالي، عقد اجتماع مهم للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، وسط توقعات أن تمارس ضغوطاً على الهيئة من أجل "إعادة هيكلة" نفسها لتكون توجهاتها منسجمة مع "المزاج" الدولي والإقليمي الجديد الذي يميل للقبول بوجود نظام بشار الأسد، والتخلي عن مبادئ الحل السياسي الواردة في اجتماعات جنيف. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس هيئة التنسيق السورية المعارضة، عضو الهيئة العليا للمفاوضات، حسن عبد العظيم، أن الأولوية في الوقت الراهن هي محاربة الإرهاب وليس إزاحة بشار الأسد. وقال عبد العظيم، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن هذا الموقف ينطبق على الموقف "السعودي، كما الأميركي والفرنسي والبريطاني والأمم المتحدة وتركيا وروسيا وكل الدول، لأن الأولوية لديها الآن هي مكافحة الإرهاب". وسبق لعبد العظيم أن توقع تشكيل كيان مفاوض جديد بديلاً للهيئة العليا للمفاوضات بعد اجتماع الرياض، المقرر أن يعقد بين 10 و15 نوفمبر الحالي. من جهتها، نقلت صحيفة "الوطن"، المقربة من النظام السوري، عن المتحدث باسم "هيئة التنسيق الوطنية - حركة التغيير الديمقراطي"، منذر خدام، قوله إن السعودية هددت بسحب دعمها للفريق المقرب منها داخل "الهيئة" ما لم يتخلصوا من الأعضاء المتشددين. ورأى أن "ثمة مشكلات عديدة لا تزال تحول دون عقده، خصوصاً لجهة هيمنة المتشددين عليه"، مشيراً بشكل خاص إلى "جماعة الإخوان وبقايا إعلان دمشق وبعض المنشقين عن السلطة، مثل رياض حجاب وغيره". يذكر أن المشاورات التي أجرتها الهيئة العليا للمفاوضات مع منصتي القاهرة وموسكو في أغسطس/ آب الماضي، فشلت في تشكيل وفد موحد للتفاوض مع النظام السوري. يأتي ذلك في وقت أعلن فيه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أن الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف حول سورية ستعقد في 28 نوفمبر الحالي، وستركز على الانتخابات ودستور جديد لسورية.

المساهمون