اغتنم وفد قوى الثورة السورية العسكري الجولة السابعة من أستانة من أجل تأكيد ثوابت الشارع السوري المعارض، وأبرزها حل سياسي برعاية أممية، يقوم على قرارات دولية تنص على انتقال سياسي جدي من دون وجود لبشار الأسد في السلطة. كما حمل الوفد العديد من الملفات التي سلمها للأمم المتحدة والجانب الروسي، تتعلق بالمعتقلين والمحاصرين من قبل النظام، الذي يواصل خرق اتفاق التهدئة، من دون تدخل من الضامن الروسي. فيما أكد مصدر مطلع على مباحثات "أستانة 7" أن المشاركين في المؤتمر لم يتمكنوا من الاتفاق بشأن وثيقة حول تبادل المعتقلين، ولا حول إدخال المساعدات بشكل مستمر للمناطق المحاصرة. وأفادت الوثيقة الختامية للجولة السابعة من مباحثات أستانة بأن الجولة الثامنة ستعقد في النصف الثاني من ديسمبر/ كانون الأول المقبل. فيما وافقت تركيا وإيران على مناقشة مقترح روسيا بعقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في إطار عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، والذي كانت موسكو أعلنت أنه سيعقد في منتجع سوتشي الروسي في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
وكان لافتاً تأكيد الوفد الأميركي أن مخرجات أي حل سياسي ستؤدي إلى رحيل الأسد من السلطة، وأنه لن تكون هناك إعادة إعمار في سورية من دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية ترعاها الأمم المتحدة. كما وضع وفد قوى الثورة العسكري الجانب الروسي أمام مسؤولياته كضامن للنظام، من خلال تقديم ملفات تظهر عدم اكتراث النظام بمخرجات أستانة السابقة، إذ لم يرفع الحصار عن مناطق تحاصرها قواته، خصوصاً في الغوطة الشرقية، التي تعرضت لقصف، أمس الثلاثاء، أدى إلى وقوع مجزرة ذهب ضحيتها 12 شخصاً، بينهم خمسة أطفال ومدرسهم، جراء استهداف مدرستهم.
والتقى وفد قوى الثورة السورية العسكري، صباح أمس الثلاثاء، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط، تيم ليندركينغ، الذي يرأس وفد بلاده في مباحثات "أستانة 7"، إذ أكدت اللجنة الإعلامية لوفد قوى الثورة أن الجانب الأميركي أكد أن واشنطن "لديها إصرار كبير على الحل السياسي، واستبدال المنظومة الحاكمة في سورية مع وحدة أراضيها بكل أطيافها". إلا أن المسؤول الأميركي أكد أن بلاده لا تضع مسألة رحيل الأسد شرطاً للعملية السياسية، مستدركاً بالقول "لكن نعتقد أن رحيله هو نتيجة طبيعية لمخرجات الحل السياسي".
ونقلت مصادر في الوفد، حضرت اللقاء، أن الجانب الأميركي أكد "أن الفيتو الروسي لن يغير الحقائق، ولا قناعة المجتمع الدولي عن حقيقة استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي"، مشيراً إلى أن "الصليب الأحمر والأمم المتحدة تجهدان، بشكل يومي، للوصول إلى حل شامل لملف المعتقلين"، مطالباً وفد قوى الثورة بالتعاون في هذا المجال. كما طالب الوفد الأميركي المعارضة السورية بالانخراط في العملية السياسية، معتبراً ذلك أمراً رئيسياً وأساسياً. وقال "على كل الأطراف أخذ دوركم الحالي بمحمل الجدية". كما دعا وفد قوى الثورة العسكري إلى "المشاركة بفعالية في كل اللقاءات والمؤتمرات، واتخاذ قرارات مصيرية ومهمة للوصول إلى الحل السياسي". ومن موسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده تؤيد مبادرة السعودية لتشكيل وفد موحد للمعارضة السورية لإجراء محادثات مع النظام السوري. وقال لافروف إن "عملية جنيف بشأن سورية تعثرت طويلاً نتيجة رفض المعارضة السورية إطلاق الحوار والاندماج مع بقية وفود المعارضة، وساهمت محادثات أستانة في تنشيط العملية، التي جرت في إبريل/ نيسان الماضي، ونحن نرحب بهذا لأنه حفز ممثلي الأمم المتحدة على تفعيل الجهود المبذولة لتشكيل نوع من التوافق في الآراء حول المفاوضات المباشرة بين الحكومة وفصائل المعارضة". وأضاف "هذا حفز شركاءنا السعوديين، الذين أخذوا على عاتقهم مبادرة مهمة جداً لتوحيد جميع فصائل المعارضة على منصة الحوار المباشر مع الحكومة السورية". وتابع "نحن ندعم المبادرة السعودية، ونريد أن نساهم فيها بكل الطرق الممكنة".
وأشارت مصادر في الوفد إلى أن الجانب الأميركي أكد أن "المجتمع الدولي لن يعترف بمنتصر في سورية، ولن تكون هناك إعادة إعمار من دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية ترعاها الأمم المتحدة"، محملاً روسيا مسؤولية الخروقات المتكررة لنظام الأسد لاتفاق التهدئة "بصفتها دولة ضامنة له". إلا أن الوفد الأميركي أشار إلى أن مناطق خفض التصعيد "تشهد انخفاضاً كبيراً وملموساً للعنف"، مؤكداً سعي واشنطن "لوقف الخروقات في بعض المناطق". وأوضح الجانب الأميركي أن واشنطن لديها "تفاهمات مع الروس في دير الزور، بحيث لا تحدث أية تصادمات بين الطرفين"، مضيفاً "سنشهد نهاية سريعة لداعش في تلك المنطقة". كما أكد الوفد الأميركي أن الولايات المتحدة "لا تدعم تشكيل أي كيان كردي في الشمال السوري، وترى سورية وحدة واحدة"، وفق مصادر في وفد قوى الثورة العسكري. وأعلن المستشار في "الإدارة" الكردية في شمال سورية، بدران جيا كورد، لوكالة "رويترز"، أن موسكو دعت "الإدارة" لحضور مؤتمرها المقترح.
كما التقى وفد قوى الثورة العسكري مع الجانب الروسي، الذي أكد أن موسكو "تعمل ما بوسعها لتنفيذ ما اتفقنا عليه، لإيصال المساعدات الإنسانية"، مشيراً إلى أنها تعمل على "تحضير عدة أرتال من المساعدات لريف حمص ودوما وجنوب دمشق"، موضحاً أن موسكو طلبت من الأمم المتحدة تسهيل دخول قافلة إغاثية ثانية إلى المناطق المحاصرة خلال الأيام المقبلة. وتعاني مناطق في سورية، خصوصاً غوطة دمشق الشرقية، من حصار خانق تفرضه قوات النظام، ينذر بكوارث، وهو ما يعد خرقاً لاتفاق التهدئة في مناطق "خفض التصعيد" الذي نص على رفع الحصار وإطلاق سراح المعتقلين، وهو ما لم يقم النظام بتنفيذه. وأشارت مصادر في وفد قوى الثورة العسكري إلى أن الوفد كان واضحاً بتأكيده على أنه "لا يمكن منع وصول المساعدات الإنسانية وتأخيرها عن الناس والمدنيين للضغط والمساومة من أجل ملفات سياسية". كما طالب وفد قوى الثورة، وفق المصادر ذاتها، الوفد الروسي بتنفيذ الاتفاق الذي تم توقيعه في أستانة بفتح المعبر الإنساني باتجاه الغوطة بشكل دائم، مشيرة إلى أنه "تم تسليم ملف آخر يتعلق بمجزرة القريتين التي قام بها نظام الأسد بالتنسيق مع داعش، وبصمت مريب للطيران الروسي في المنطقة عن تحركات داعش"، وفق المصادر. كما سلّم وفد قوى الثورة العسكري الجانب الروسي العديد من الملفات، منها ملف يتعلق باستخدام قوات النظام للسلاح الكيميائي في نفق في مدينة الرستن، شمال حمص، "موثق بالصور والشهادات"، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن الملف يتضمن دلائل على تورط ضباط روس بكيميائي نفق الرستن، إضافة إلى تكريمهم للضابط المسؤول عن العملية، مؤكدة أن الوفد الروسي وعد بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادث.
وفي الوقت الذي كانت فيه مباحثات أستانة منعقدة، نفذت قوات النظام مجزرة في بلدة جسرين بالغوطة الشرقية راح ضحيتها 5 أطفال ومعلمهم، وأصيب آخرون جراء سقوط قذيفة بالقرب من مدرستهم. كما سقط العديد من الجرحى جراء قصف مماثل من قوات النظام استهدف مدرسة أطفال في مدينة حرستا بالغوطة الشرقية المحاصرة. وقتل أربعة مدنيين وجرح آخرون، بينهم أطفال ونساء، جراء قصف مدفعي للنظام على الأحياء السكنية في بلدة مسرابا، في حين طاول القصف مناطق في مدينة عين ترما ومدينة عربين، ما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين، ووقوع أضرار مادية. وتؤكد مجازر النظام أنه يعتبر مباحثات أستانة وغيرها مجرد لقاءات إعلامية لا أكثر، وأن روسيا فشلت في لعب دور الضامن للنظام الذي أراد توجيه رسائل بدم الأطفال في الغوطة الشرقية إلى أستانة، مفادها أنه ماضٍ في الحل العسكري، وغير معني بأي مخرجات لا توافق مخططاته الهادفة إلى إخضاع المعارضة بشكل كامل، عبر تجويع الحاضنة الشعبية لها.