وحصل "العربي الجديد"، اليوم الجمعة، على صور ومقاطع فيديو، تظهر سيطرة القوات العراقية على 12 موقعاً لقوات "البشمركة" الكردية في منطقتي البشير وتازة (20 كيلومتراً) جنوبي كركوك، على بعد 27 كيلومتراً من حقل "باي حسن" أول حقول النفط العملاقة في المحافظة.
وقال مسؤول عسكري عراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحركات القوات العراقية تأتي ضمن سياق بسط سيطرتها على مناطق مهمة، ولسنا بصدد الهجوم على البشمركة حالياً".
وأضاف، أنّ "القوات العراقية سيطرت على المواقع بدون قتال، وانسحبت البشمركة منها بشكل طوعي، باتجاه حدود مركز مدينة كركوك الإدارية"، لافتاً إلى أنّ "مناطق التماس بين الجانبين تراجعت إلى أقل من كلومترين الآن".
وفي وقت سابق اليوم الجمعة، حصل "العربي الجديد"، على تسجيل فيديو يظهر سيطرة القوات العراقية على مقر الفوج الرابع باللواء 102 التابع لـ"البشمركة"، قرب قرية البشير على أطراف كركوك.
وقال مسؤول عراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البشمركة انسحبت من الموقع بعد تقدّم قواتنا للمكان"، مضيفاً أنّ "القوات العراقية تتحرّك في أرض عراقية، وليست بحاجة لإذن من أحد للتحرّك في أي مكان".
البشمركة
في المقابل، قال آزاد علي من قوات "البشمركة" الكردية، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "الحشد الشعبي أحرق أعلام إقليم كردستان، وأنزل صور رئيس الإقليم مسعود البارزاني من المواقع التي سيطر عليها".
وأضاف علي، أنّ "التعليمات هي عدم المواجهة معهم (الحشد الشعبي) الآن، لكن في حال تقدّموا أكثر سيكون علينا التصدّي لهم".
وفي وقت سابق اليوم الجمعة، قالت قوات "البشمركة" الكردية، في بيان، إنّ " قوات الحشد الشعبي وبعض قطعات الجيش العراقي بدأت، الليلة الماضية، بالتحرّك والاستعداد للهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرة البشمركة، خاصة في محيط كركوك".
وأضافت أنّ "هذه التحرّكات جاءت بدفع أجنبي بعد التصريحات التهديدية التي أطلقها، مؤخراً، بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين العراقيين ضد شعب كردستان، والتي كانت تحتوي على إشارات خطيرة حول اندلاع حرب وهجوم على كركوك".
وحذّر البيان، من أنّ "هذا الوضع سيؤدي إلى كارثة كبيرة، وأنّنا لسنا مع الحرب وإسالة الدماء"، مطالباً بغداد بأن "تلجأ إلى طريق التفاوض وحل المشاكل، بدلاً من تحريك القوات وفرض نفسها بالقوة"، مشدداً على أنّ التهديد والهجوم والدعوة للقتال، "أمور غير مقبولة بالنسبة للأكراد ولن ينتج عنها حل لأي مشكلة".
وتعهّد البيان، بأنّ "قوات البشمركة ستدافع عن شعب كردستان، ولن تفسح المجال للتعامل مع الإقليم بقوة السلاح"، داعياً "جميع تشكيلات القوات الكردية، إلى أن تكون على الاستعداد التام والاستنفار للدفاع عن شعب وأرض كردستان، وإفشال كل أنواع التهديد".
وبدوره، قال المستشار السياسي لرئيس إقليم كردستان هيمن هورامي، إنّه "تمت إعادة نشر الآلاف من قوات البشمركة في أطراف كركوك بهدف الدفاع عن النفس"، مبيّناً في تغريدة على "تويتر"، أنّ تلك القوات "تمتلك أسلحة ثقيلة لمواجهة أي تعرض من قبل مليشيات (الحشد الشعبي)".
وطالب هورامي، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بإصدار أوامر لسحب قوات "الحشد الشعبي" من مناطق التماس مع قوات البشمركة، داعياً في الوقت ذاته، المجتمع الدولي إلى "التدخل لمنع حدوث أي عمل غير مرغوب فيه بين الجيش والبشمركة".
الحكومة العراقية
من جانبها، نفت الحكومة العراقية وجود أي عملية عسكرية في كركوك، واصفة التحرّكات الأخيرة لقواتها، بأنّها "عملية إعادة انتشار".
وقال وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، في بلاغ تلقّى "العربي الجديد" نسخة منه، إنّه "لا توجد أي عملية عسكرية في كركوك، وإنّما هي عملية إعادة انتشار للقوات الاتحادية بعد انتهاء تواجد داعش في القاطع، وصولاً إلى ما كنا عليه قبل 9 يونيو/ حزيران 2014".
إلا أنّ مقطع فيديو، حصل عليه "العربي الجديد"، أظهر دبابات من طراز "تي 72" الروسية، وكتيبة دروع، وهي تتحشد على أطراف كركوك، فيما أكدت مصادر "الحشد الشعبي"، وصول قوات إضافية للمنطقة ذاتها، وسط استمرار تحشيد مضاد من قبل قوات "البشمركة".
وكانت "خلية الإعلام الحربي"، التابعة للقوات العراقية المشتركة، قد نفت شنّ القوات العراقية هجوماً على مناطق جنوب كركوك، وذلك بعد أقل من ساعة على انتشار الأنباء نقلاً عن "رويترز".
وقالت الخلية، في بيان، اليوم الجمعة، إنّ "قيادة القوات المشتركة تنفي ما تم تناقله في بعض وسائل الإعلام، بشأن انطلاق عملية عسكرية جنوب كركوك"، مؤكدة أنّ "القوات العراقية ما تزال تجري عمليات التطهير والتفتيش والمسك في المناطق المحررة".
وحذّرت الخلية، وسائل الإعلام "التي تحاول إرباك الرأي العام والتأزيم"، بحسب البيان، مضيفة أنّ "للخلية الحق باتخاذ الإجراءات القانونية ضدها"، ومطالبة "الجميع بتوخي الدقة وأخذ الأخبار من مصادرها الرسمية".
وتسود حالة من الهلع والقلق بين المدنيين، خاصة العرب والتركمان، بعد تحشيد الآلاف من "البشمركة" في كركوك وداخل أحيائها، بينما شرع بعض السكان مغادرة المدينة باتجاه أربيل بعد قطع طريق بغداد.
وقال محافظ كركوك نجم الدين كريم، اليوم الجمعة، خلال مؤتمر صحافي، عقده بعد تفقده عدداً من مناطق كركوك، إنّ "أهالي كركوك مستعدون دائماً للتضحية في سبيل حمايتها، لذلك من الأفضل لبغداد أن لا تفكر بحل المشاكل عن طريق إرسال القوات، وأن تبحث عن طريقة أخرى لحلحلة هذه الخلافات".
ووصل نائب رئيس إقليم كردستان كوسرت رسول، ليلة أمس، إلى مدينة كركوك برفقة عدد كبير من قوات "البشمركة" محملين بالأسلحة الثقيلة.
وقال رسول إنّ "الكرد لا يخافون من التهديدات التي تطلقها بغداد"، مطالباً بـ"تدخل المجتمع الدولي لمنع حدوث اشتباكات ومعارك". وأضاف أنّ "الحكومة العراقية مستمرة بتهديداتها، وأرسلت قواتها إلى مناطق قريبة من كركوك، إلا أنّ المشاكل لن تحل عن طريق التهديدات أو باستعمال القوة".
وفي مواقف أخرى، قال محمد حاجي محمود سكرتير الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" الكردستاني، "لقد جئنا إلى كركوك لحمايتها وليس للاقتتال ونأمل أن تحلّ جميع المشاكل عن طريق الحوار"، مضيفاً في الوقت عينه "ولكن إذا ما كانوا هم يريدون الحرب، فنحن سنحمي أرضنا بدمائنا".
وتابع محمود "نعلم أنّ قوات الحشد الشعبي متمركزة حالياً في منطقة البشير، وفي المقابل فإنّ قوات البشمركة متمركزة أيضاً في مواقعها وجاهزة بالكامل".
وفي سياق متصل، حذّر الأمين العام لمليشيا "بابليون" المسيحية ريان الكلداني، اليوم الجمعة، في بيان، رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من فوات الأوان، مطالباً إياه بالتخلّي عن عمليات التكريد التي يقوم بها في المناطق المسيحيّة والعربيّة في نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، قائلاً إنّه "لن يسمح له بجرّ البلاد إلى حرب أهلية".