مشاورات الحكومة المغربية: شد حبال مستمر

25 يناير 2017
يجد بنكيران نفسه أمام أبواب مسدودة (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -


مر ما يزيد عن مائة يوم على تكليف الملك المغربي محمد السادس لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران من أجل تشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة من الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما مر أكثر من شهر على إرسال الملك مستشارين للقاء بنكيران يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليحثاه على تسريع تشكيل الحكومة المرتقبة.
وعلى الرغم من هذه المدة الزمنية الطويلة، سواء منذ تسمية الملك لرئيس الحكومة، أو منذ طلب العاهل المغربي من بنكيران الإسراع في تشكيل فريقه الحكومي، فإن مشاورات هذه الحكومة لا تزال أمام باب مسدود، إذ تجمّدت المفاوضات بين بنكيران وباقي الأحزاب التي يفاوضها للدخول إلى الحكومة.
ومرت مشاورات الحكومة المغربية في أسابيع من الانسداد بسبب تمسك بنكيران بحزب "الاستقلال" ليكون عضواً في الحكومة الجديدة، فيما اشترط الأمين العام لحزب "التجمّع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش، أن يتم استبعاد "الاستقلال" قبل دخول حزبه إلى الحكومة، وهو الخلاف الذي طال بضعة أسابيع من دون حل، إلى أن حلت ما سميت بأزمة موريتانيا.
وتم استبعاد "الاستقلال" رسمياً من التشكيل الحكومي بسبب تصريحات لأمينه العام حميد شباط قال فيها إن "موريتانيا تُعتبر تاريخياً أرضاً مغربية"، وهو ما دفع بالملك إلى أخذ المبادرة بالاتصال بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، من أجل التأكيد له باعتراف المغرب بالحدود الرسمية لموريتانيا، كما تم إيفاد بنكيران للقاء الرئيس الموريتاني.
وبعد أن استبعد بنكيران حزب "الاستقلال"، وذهبت تحليلات إلى إمكانية تشكيل الحكومة بعد تجاوز تصريحات شباط، ظهر خلاف آخر أفضى إلى انسداد جديد، تمثّل في اشتراط أخنوش دخول حليفيه حزبي "الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري" إلى الحكومة، وهو ما رفضه بنكيران، الذي بادر إلى إصدار بلاغ اشتهر بعبارة "انتهى الكلام"، مشدداً على أن الحكومة يجب أن تتشكل من التحالف السابق، أي أربعة أحزاب هي "العدالة والتنمية" و"التقدّم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية" و"الأحرار".


جمود مشاورات تشكيل الحكومة حتى اليوم، اعتبره مصدر مقرب من مسار المفاوضات في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه نتيجة منطقية للعصا التي اختارت بعض الجهات وضعها في عجلة المشاورات من أجل إعاقتها عن التقدّم، وأيضاً لمزيد من كسب النقاط التفاوضية عند مناقشة هيكلة الحكومة.
ولفت المصدر إلى أن بنكيران وجد نفسه أمام "بلوكاج" (انسداد) أكبر من الانسداد الأول الذي كان بسبب رفض بعض الأحزاب دخول "الاستقلال"، باعتبار أن أخنوش صار بمثابة متحدث رسمي مكلف من حزبي "الاتحاد الدستوري" و"الاتحاد الاشتراكي". واعتبر أنه من الناحية المنطقية لا يمكن فهم كيف يضغط زعماء أحزاب على رئيس الحكومة لإرغامه على قبول دخول أحزاب أخرى إن هو أراد تشكيل الحكومة، مضيفاً أن قبول دخول "الاتحاد الاشتراكي" إلى الحكومة يعتبر إلى حد اليوم النقطة العالقة في مسار المشاورات، فأخنوش متمسك بهذا المطلب، وبنكيران يرفضه، باعتبار أن هذا الحزب حظي برئاسة مجلس النواب، ويكفيه ذلك.
وفي قراءة تحليلية للوضع الراهن، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، محمد الزهراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الواقع الحالي يعكس طبيعة الحقل الحزبي والسياسي المغربي، مشيراً إلى أنه لا يمكن فهم مخرجات المفاوضات وتعثر المشاورات من دون فهم المحددات والتوازنات التي تحكم المشهد السياسي ككل.
ولفت الزهراوي إلى أن تعثر تشكيل الحكومة يرتبط بثلاثة مستويات أساسية، "الأول يتعلق بطريقة إدارة مسار المفاوضات من قِبل رئيس الحكومة المكلف، إذ إن بنكيران دخل المشاورات مع الأحزاب من دون أية استراتيجية تفاوضية واضحة"، مضيفاً أن "نشوة الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية جعلت حزبه يتعامل مع التعقيدات المرتبطة بالواقع الحزبي بنوع من الاستخفاف".
واعتبر المحلل المغربي أن مراهنة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على "المنطق العددي" لاستكمال الأغلبية الحكومية، بالإضافة إلى الإعلان منذ البداية عن تفضيل التحالف مع بعض الأحزاب دون غيرها، ساهم في إضعاف الموقع التفاوضي لبنكيران، وأثر سلباً على مسار المشاورات.
أما المستوى الثاني، وفق الزهراوي، فيرتبط بطبيعة النخب الحزبية الموجودة حالياً، "إذ ما زالت هذه النخب محكومة بثقافة التبعية ونظرية المؤامرة، ونزعتها إلى انتظار الإشارات والتعليمات، على الرغم من أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 وسعت من دائرة وهامش تحرك النخب الحزبية، من خلال العمل على بلورة السياسات العامة في مختلف القطاعات، إلا أنها ما زالت تتصرف وفق سقف منطوق دستور 1996".
وأضاف مستوى ثالثاً يتعلق بـ"طبيعة ومحتوى الترسانة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية التي تحول دون فرز أغلبية منسجمة بعد كل استحقاق انتخابي، إذ إن التقسيم الانتخابي ونمط الاقتراع الحاليين ساهما بدورهما في تقسيم الخريطة السياسية، مما يجعل رهان تشكيل الحكومة بالمغرب مشروطاً بتحالف أكبر عدد من الأحزاب من مختلف المرجعيات والخلفيات".