تصعيد النظام ضد الأكراد بالحسكة: بداية مرحلة تحجيم النفوذ؟

19 اغسطس 2016
تسيطر القوات الكردية على مناطق عدة في الحسكة(Getty)
+ الخط -
يطغى التصعيد العسكري بين النظام السوري والقوات الكردية، والذي تُرجم، أمس الخميس، بقصف الطيران الحربي لمواقع القوات الكردية في مدينة الحسكة، على جزء من المشهد الميداني السوري. وتتعدد الآراء حول خلفيات هذا التصعيد وتداعياته المرتقبة في حال استمراره وتأكد المعلومات التي تسربت عن مشاركة الطيران الروسي في استهداف القوات الكردية. وفيما أكدت وحدات حماية الشعب الكردية، في بيان أصدرته، أنها "لن تصمت على هجمات الحكومة السورية في الحسكة"، بعد معلومات عن تعرضها لخسائر جسيمة بما في ذلك خسارة أغلب مقراتها وإلقاء القبض على العشرات من عناصرها، لم يستبعد البعض أن يكون التوتر "مناورة" لا يمكن عزله عن التطورات السياسية والعسكرية التي تطرأ منذ أيام على الملف السوري. 

وكان لافتاً أن هذا التوتر يأتي بعد أيام من تحول الموضوع الكردي إلى محور أساسي في المشاورات التي تجرى حول الملف السوري، وبعد استعادة "سورية الديمقراطية" مدينة منبج من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بدعم أميركي. وبينما حضرت المخاوف التركية من اقتراب تحقيق الحلم الكردي بإقليم مستقل في المحادثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في روسيا في التاسع من شهر أغسطس/ آب الحالي،
لم يغب موضوع الأكراد عن اللقاء المتوتر الذي جمع المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني مع أعضاء الائتلاف، والذي تخللته "نصيحة أميركية" للمعارضة السورية بضرورة التواصل مع زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، صالح مسلم. ويضاف إلى ذلك تزامن التوتر بين النظام والأكراد مع الخلافات الداخلية بين أكبر قوتين سياسيتين في الشارع السوري الكردي في محافظة الحسكة السورية بسبب قيام حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي بحملة اعتقالات أخيراً طاولت قيادات من "المجلس الوطني الكردي".

الطيران على خط المعركة

وتشهد مدينة الحسكة (أقصى شمال شرقي سورية)، تصعيداً عسكرياً بين قوات النظام ومليشيات مساندة لها من جهة، وبين قوات كردية من جهة أخرى، إذ قصف الطيران الحربي السوري، للمرة الأولى، أمس الخميس، مواقع للقوات الكردية، ما اعتبره مراقبون تطوراً لافتاً ربما يغيّر من توازنات كانت تحكم هذه المنطقة الاستراتيجية التي تقع على الحدود السورية ـ العراقية.

وشنّ طيران النظام السوري ضربات جوية استهدفت 3 مراكز لوحدات "حماية الشعب" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ولقوات "الأسايش" الكردية، (شرطة داخلية تابعة للإدارة الذاتية التي تضم أحزاباً عدة، أبرزها الاتحاد الديمقراطي الذي يتزعمه صالح مسلم). ويوضح المتحدث باسم قوات "سورية الديمقراطية"، العقيد طلال سلو، أن القصف استهدف مبنى القيادة العامة لهذه القوات في الحسكة، مشيراً عبر صفحته على موقع فيسبوك، إلى أن الأضرار اقتصرت على الماديات، لكن معلومات أخرى حصلت عليها "العربي الجديد"، تشير إلى مقتل المسؤول العام في قوات "الأسايش"، منير محمد، فضلاً عن أسر 30 عنصراً من القوات الكردية مقابل وجود 6 أسرى من قوات النظام. 

وبحسب المعلومات التي توفرت لـ"العربي الجديد"، فإن قوات النظام تمكنت من السيطرة على غالبية المقرات التابعة للقوات الكردية في المدينة، بعد استهداف مقراتها الرئيسية ورتل يضم تعزيزات. كما أمهل النظام القوات الكردية 24 ساعة لمغادرة المدينة. 
في المقابل، تحاول القوات الكردية استعادة زمام الأوضاع، الأمر الذي جعلها تدفع بكتبية من مقاتليها مزودة بصواريخ محمولة على الكتف في محاولة لتحييد سلاح الطيران عن المشاركة في المواجهات. 

وتفجر التوتر بعدما كانت الحسكة قد شهدت على مدى اليومين الماضيين اشتباكات بين مليشيا "الدفاع الوطني" المساندة لقوات نظام الأسد، وبين قوات "الأسايش". ويلفت الصحافي عدنان سلطان إلى أن المدينة تشهد تصعيداً عسكرياً بين الجانبين أدى إلى سقوط قتلى ومصابين من الطرفين، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجانبين يستخدمان كل أنواع الأسلحة بما فيها الثقيلة، في تطور يشير إلى إمكانية اتساع دائرة هذه الاشتباكات الدامية". ويوضح أن قوات النظام ساندت "الدفاع الوطني"، إذ استهدفت، أول من أمس الأربعاء، بقذائف مدفعية من منطقة كوكب بالقرب من المدينة، مواقع القوات الكردية.

ويؤكد سلطان، الموجود داخل المدينة، أن الأسباب المباشرة للاشتباكات "غير واضحة"، لكنّه يشير إلى أنّه في الأيام التي سبقت هذه المعارك شهدت المدينة اعتقالات بين الجانبين على خلفية سوق الشباب إلى الخدمة العسكرية، سواء لدى قوات النظام أو القوات الكردية، ما أدى إلى تفجّر هذا النزاع المسلح.





وتعد مدينة الحسكة مركز محافظة تحمل الاسم ذاته، وهي من كبرى المحافظات السورية وأهمها كونها تضم العديد من مكوّنات الشعب السوري، ومنها: العرب والكرد، والسريان، والآشوريين، فضلاً عن أنها تضم أكبر آبار البترول في سورية.

ويتقاسم النظام والقوات الكردية السيطرة على المدينة منذ عام 2013، إذ تؤكد مصادر في المعارضة السورية أنه جرت تفاهمات بين صالح مسلم والنظام السوري لتسهيل سيطرة قواته على مناطق ذات أغلبية كردية مقابل محاصرة الحراك الثوري الكردي. وفي ظل عدم وجود إحصائيات رسمية، تشير مصادر إلى أن مدينة الحسكة تضم نحو مليون شخص غالبيتهم من العرب، إثر هجرة عدد كبير من الأكراد في السنوات الخمس الماضية، خصوصاً إلى ألمانيا التي تضم العدد الأكبر من أكراد سورية. ويفرض النظام سيطرة جزئية على المدينة من خلال مليشيا "الدفاع الوطني" التي يقودها عبد القادر حمو، والتي تتمركز في حي النشوة الشرقية، إذ تتداخل مناطق سيطرة هذه المليشيا مع تلك التي تسيطر عليها القوات الكردية داخل المدينة. 

ويرى متابعون أن النظام وحليفه حزب الاتحاد الديمقراطي يلجآن، أحياناً، إلى افتعال مناوشات تُوصف بـ"المسرحيات" لصرف الأنظار عن أحداث هامة تجري في المحافظة. ويرى نائب رئيس رابطة الأكراد السوريين المستقلين، رديف مصطفى، أن الأطراف المتشابكة في الحسكة، "هم بالفعل حلفاء استراتيجيون عسكرياً وسياسياً"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "جرت معارك عدة سابقة بين هذه الأطراف للتغطية على أمور أخرى"، مبدياً أسفه من أن المدنيين "يدفعون دائماً الثمن".

ويلفت مصطفى إلى أن الأطراف المتنازعة "تعود إلى الطاولة نفسها ليتم حلّ الموضوع بتقبيل اللحى على حساب الضحايا"، موضحاً أن من أهداف هذه المعركة "هو التخفيف من الاحتقان في الشارع الكردي بالجزيرة السورية على خلفية التصعيد الخطير الذي تقوده مليشيا الاتحاد الديمقراطي ضد كوادر قيادات المجلس الوطني الكردي". ويعتبر أنّه "مع استخدام أسلحة ثقيلة بما فيها الطيران هذه المرة، قد نشهد تغيّراً في خارطة تموضع القوى، والتحالفات غير المقدسة في الحسكة"، مضيفاً أنها "مسرحية يضطر مديروها أحيانا للتضحية ببعض الكومبارس والممثلين لإقناع الجمهور"، على حد تعبيره.

من جانبه، يرى قيادي كردي بارز، عضو الهيئة التنفيذية في حركة المجتمع الديمقراطي التي تضم أحزاباً كردية سورية عدة، آلدار خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاشتباكات التي تجري في مدينة الحسكة "لعبة إيرانية"، مضيفاً أنّ "هناك اتفاقاً إيرانياً مع رئيس النظام بشار الأسد ضد مشروعنا، خصوصاً بعد الخسائر التي لحقت بداعش في مدينة منبج، أخيراً". وانتزعت قوات "سورية الديمقراطية" التي يشكل الأكراد قوامها وقيادتها، السيطرة، منذ أيام، على مدينة منبج، شمال شرقي مدينة حلب، من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إثر حملة عسكرية استمرت أكثر من سبعين يوماً، وأعلنت نيتها التحرك باتجاه مدينتي الباب وجرابلس، آخر معقلين للتنظيم شمالي حلب. وينفي خليل وجود تحالف بين وحدات "حماية الشعب" وقوات النظام كما يؤكد المجلس الوطني الكردي، مشيراً إلى أن من يروّج لهذا "لا يمثل شيئاً"، رافضاً الخوض في تداعيات ما يجري في الحسكة.

ويرى المراقبون أنفسهم أنه لا يمكن عزل ما يجري في محافظة الحسكة عن التطورات العسكرية والسياسية الكبرى التي جرت ولا تزال في سورية، على ضوء تفاهمات إقليمية جديدة فرضها التقارب الروسي ـ التركي، بعد خلاف خلط الكثير من الأوراق، إذ دعمت موسكو أكراد سورية نكاية بأنقرة قبل أن تراجع حساباتها. ويمنح هذا التقارب لموسكو مكاسب اقتصادية وسياسية تفوق تلك التي من الممكن أن تجنيها من وراء مساندة الأكراد الذين باتوا يعتمدون الآن على دعم عسكري أميركي، يعتبره مراقبون أنه سينتهي مع انتهاء الحرب على داعش في سورية والعراق.

ويعتبر الكاتب السوري الكردي، آلان حسن، أن العلاقة بين نظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي "تمر بمرحلة فتور"، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى وجود "خلافات عميقة حول سبل التعايش في مناطق السيطرة المشتركة". ويرى حسن أن سبب هذه الخلافات "يعود إلى تطور التنسيق بين قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي، إضافة إلى الخطوات السياسية المتقدمة للأكراد في مناطق الإدارة الذاتية". ويلفت إلى أنّ الاشتباكات الحالية "حلقة من حلقات التباعد الجزئي بين الجانبين"، مضيفاً "أعتقد أن كل طرف بحاجة إلى خدمات الطرف الثاني في المرحلة المقبلة، وما لم تضغط قوات التحالف الدولي على الوحدات الكردية للتصعيد ضد جيش النظام وحلفائه، فلا أتوقع حدوث صدامات كبيرة تؤدي إلى افتراق الطرفين".



المساهمون