إسرائيل تضاعف هدم منازل الفلسطينيين وفرنسا وأميركا "قلقتان"

16 اغسطس 2016
الهدم يأتي لإخراج الفلسطينيين من المنطقة "جيم" (عباس مومني/Getty)
+ الخط -
رقم قياسي مأساوي تحققه السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة في ما يخصّ عدد المنازل الفلسطينية التي هدمتها، والتي تجاوز عددها منذ بداية العام الحالي إلى الآن عددَ ما هدمته في سنة 2015 بأكملها في منطقة "جيم".

ونقلت الصحيفة الفرنسية "لاكرْوا"، اليوم الثلاثاء، عن مراسلها الخاص في قلنديا، نوي غاريل، مشاهد يرويها مواطنون فلسطينيون تعرضوا لاقتحام الشرطة الإسرائيلية منازلهم، إذ يقول شريف عوض الله، أمام أنقاض منزله المدمّر: "لقد وصلوا ليلاً، في ما يشبه غزواً عسكرياً". منزل شريف كان واحداً من 15 بنايةً هدمتها السلطات الإسرائيلية في قلنديا نهاية يوليو/تموز الماضي، ومن بينها 11 سكناً خاصاً، على الأقل، وهو ما يعني، في نظر عوض الله، "أن سنوات عديدة من الاقتصاد تبخرت في ليلة واحدة".

قصة عوض الله المأساوية ليست استثنائية؛ فثمّة كثيرون مثله يتعرضون للعقوبات الإسرائيلية ذاتها، ومنهم أمجد عليوي، والذي وقف أمام أنقاض بيته، لا يجد ما يقوله سوى: "نريد إعادة تشييد ما هدمه الإسرائيليون، ولكن في المرة القادمة التي سيأتي فيها الجيش الإسرائيلي لهدمه، سأظلّ في الداخل وأموت مع منزلي".

مآس كثيرة يتعرض لها الفلسطينيون ولا تثير الرأي العام الدولي، ولا الإعلام الباحث عن الإثارة، ومن بين هذه المآسي قصة الفلسطينية انتصار حمد، والتي وقفت تتأمل أنقاض بيتها، وتلخص مأساتها بالقول: "إنها أحلام، أحلام حياة بأكملها، دُمّرت في ثانية واحدة".

معظم هؤلاء يقيمون الآن لدى أصدقاء لهم أو لدى العائلة، ولا يعرفون إن كانوا سيتلقون مساعدات مالية من أجل إعادة بناء منازلهم، ولا يفارقهم القلقُ من تراكُم القروض التي يتوجب دفعها مقابل ممتلكات غير مكتملة، وأيضاً من الإيجار المؤقت، الذي قد يطول.



السلطات الإسرائيلية في عجلة من أمرها، من أجل هدم أكثر ما يمكن، وهو ما يوضحه شريف عوض الله، والذي تلقى إخطاراً إسرائيلياً بقرار الهدم قبل أقل من 72 ساعة من تنفيذه، والذي يكشف أنه تلقّى وثيقتين إسرائيليتين متناقضتين، من قِبل سلطتين مختلفتين، ويتساءل: "ألَم يكن الإسرائيليون يَعلمون أننا مالكو الأرض؟".

ومما يُسهّل من مهمات الجيش الإسرائيلي، ويطلق يديه ليفعل ما يشاء؛ هو أن هذه الأراضي تقع في المنطقة "جيم"، ممّا يعني خضوعها بشكل كامل للسيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية، وهذه حال ما يقرب من 60% من أراضي الضفة الغربية، وهو ما يعني، أيضاً، أن الفلسطينيين يحتاجون إلى تراخيص إسرائيلية في عمليات البناء، وإلا فإن كلَّ بناء غير مرخّص من السلطات الإسرائيلية يُعتبر غيرَ قانوني، ويمكنُ لإسرائيل أن تهدمه في أية لحظة.

ومما يزيد معاناة الفلسطينيين، كما يقول الصحافي الفرنسي نُوي غاريل، هو أن "وثائق البناء من المستحيل، تقريباً، الحصولُ عليها، من السلطات الإسرائيلية"، مستشهداً بما أكَّده سفير الاتحاد الأوروبي في إسرائيل، لارس أندرسون فابورغ، أثناء اجتماع في الكنيست، حين قال "إن إسرائيل لم تُسلّم سوى ترخيص واحد للبناء للفلسطينيين سنة 2014، أما في سنة 2015، فلم تُسلّم لهم أيّ ترخيص، بينما شيّد الإسرائيليون 1500 وحدة سكنية، سنويّاً، في منطقة "جيم"، خلال السنوات الأخيرة".


أما ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ناتالي غروف، فتتحدث عن "بيئة بالغة الإكراه" في هذا المحيط من الضفة الغربية القابع تحت السيطرة الإسرائيلية، ولا تتردد في القول: "إن ضغوط السلطات الإسرائيلية تأتي لدفع الفلسطينيين لمغادرة المنطقة جيم"، وتصف غروف هذه السياسة الإسرائيلية بـ"التهجير القسري"، والذي يمثل "انتهاكاً جسيماً لمعاهدة جنيف".

وفي تقريرها المنشور في يوليو/تموز 2016 عن عمليات الهدم التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية في منطقة "جيم" أحصت المنظّمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان "بيتسيلم" 168 عملية هدم للمنازل الفلسطينية أثناء الأشهر الستة الأولى من سنة 2016، مقابل 125 في سنة 2015 كلّها، وهو ما يعني أن الحديث يدور حول الرقم الأعلى منذ عشر سنوات، إذا ما استثنينا سنة 2013.

ويرى مسؤول "بيتسيلم" أن عمليات هدم المنازل الفلسطينية "تشكّل جزءاً من سياسة إسرائيلية أوسع في منطقة "جيم"، بهدف خدمة المصالح الإسرائيلية في المقام الأول".

وينقل الصحافي الفرنسي أن فلسطينيي قرية قلنديا، القريبة من مدينة القدس، يتوقّعون الأسوأ، وهو ما يعبّر عنه فادي، أحد أبناء يوسف عوض الله، حين يلخّص الأمر بالقول: "يريد الإسرائيليون، ربّما، إفراغ قرية قلنديا، لأنهم عبّروا، أكثر من مرة، عن رغبتهم في بناء مستوطنات يهودية إضافية حول مدينة القدس".



وتؤكد الصحيفة الفرنسية أنّ هذا القلق، والذي عبّر عنه فادي عوض الله، يتقاسمه سكان العديد من البلدات الفلسطينية، وأنّ رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي حمد الله، قد بدأ يستشعر هذا الخطر، بعدما صرّح، مؤخّراً، أن "هدف عمليات الهدم التي تقوم بها إسرائيل هو اقتلاع أكبر عدد من الفلسطينيين، من أجل توفير أماكن إضافية للمستوطنات الإسرائيلية".

ومما يؤكد أن إسرائيل ماضية في خططها غير عابئة بأحد، هو إقدام الجيش الإسرائيلي على هدم عدة منشآت، من بينها الجمعية النسوية في بلدة النبي صموئيل، والتي موّلتها فرنسا.

وقد عبّرت وزارة الخارجية الفرنسية عن قلقها من "إقدام إسرائيل، للمرة الثالثة، على هدم أو مُصادرة منشآت تمّ تشييدُها بفضل أموال فرنسية خلال سنة 2016"، كما عبّرت الولايات المتحدة الأميركية، هي الأخرى، عن قلقها على مصير قرية سوسية في جنوب الضفة الغربية، والمهددة بالهدم من قبل إسرائيل.

ولكن إسرائيل، إذ تعرف العجز الفرنسي الأميركي، لا تفعل سوى ما تمليه عليها مصالحها الخاصة، كما تقول منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية.