تونس: جدل حول توقيت كشف ملفات فساد شخصيات عامة

13 اغسطس 2016
تظاهرات ضد الفساد(الأناضول)
+ الخط -
لا حديث هذه الأيام في تونس إلا عن الفساد والفاسدين، حيث سادت المشهد الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي، موجة من الأخبار المتواترة عن شبهة فساد طاولت شخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية.

موجة الأخبار هذه خلقت حالة من التوتر سادت ولا تزال المشهد العام، إلى جانب اتهامات بالجملة ونقاشات مطولة أفزعت الشارع التونسي وشغلته وأثارت سخطه وغضبه ونقمته على بعض النخب السياسية من جهة، وعلى الفاعلين وأصحاب القرار من جهة ثانية.

وتأتي هذه الشائعات حول شبهات فساد شخصيات عامة ووزارية ومسؤولين، بالتزامن مع سلسلة المشاورات حول تركيبة حكومة يوسف الشاهد وهيكلتها، التي من المنتظر أن يجري الإعلان عنها بداية الأسبوع المقبل، وفق تصريحات إعلامية لرئيس الحكومة المكلف.

وخلال أسبوع كشفت حقائق حول "لوالب القلب الفاسدة"، تلتها فضيحة "البنج الفاسد" منذ يومين، وسبقتها قبل ذلك قضية مياه الشرب وعدم صلاحيتها في إحدى المحافظات التونسية، لتكشف في التوقيت ذاته منظمة "أنا يقظ"، وهي منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة تهدف إلى فضح الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية، وثائق تتهم وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، كمال العيادي، باستغلال المنظمة التي كان يشرف عليها قبل أن يتولى حقيبة وزارية بتحقيق أرباح مالية لفائدته الشخصية.

ملفات ووثائق بالجملة كشفتها منظمة "أنا يقظ"، ونشرتها على موقعها الإلكتروني وبمختلف حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، وكشفت قبل ذلك أيضاً قائمة المصحات الخاصة والمستشفيات العمومية المتورطة في قضية "اللوالب الفاسدة"، متهمة وزير الصحة العمومية سعيد العائدي بالمماطلة في اتخاذ الإجراءات، وفتح تحقيق في الأمر وتعمده غلق الملف دون محاسبة.

وعلى الرغم من إثبات صحة ما نشرته منظمة "أنا يقظ" حول "اللوالب الفاسدة"، والتي تعود بعض تفاصيلها إلى ما قبل ثورة عام 2011، وفي انتظار إثبات حقيقة ما راج حول وزير مكافحة الفساد، فإن العديد من المهتمين بالشأن العام تساءلوا عن المغزى الحقيقي للكشف عنها في هذا التوقيت الذي يصادف فترة المشاورات حول تركيبة الحكومة الجديدة ووزراء من حزب "نداء تونس".

في هذا السياق، تعدّدت التأويلات والقراءات فتراوحت بين تبادل التهم، وبين استحسان هذه الأخبار التي نُشرت في الوقت المناسب وفضحت المستور، ومن التهم ما وُجه إلى منظمة "أنا يقظ" بضلوعها في توتير الأجواء العامة، ومس مصالح تونس بإيعاز من أطراف تريد ضرب حزب "نداء تونس" ووزرائه.

غير أن رئيس منظمة "أنا يقظ"، أشرف العوادي، نفى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تكون "للمنظمة أي توجهات سياسية أو أغراض وأهداف لضرب شخصيات". ولفت إلى أنّ "ما تمّ كشفه من حقائق حول ملفات فساد قد تمّ الإعلان عنه منذ شهر مايو/أيار الماضي حيث صرحنا عبر مختلف وسائل الإعلام أنّ منظمة أنا يقظ ستقوم بسلسلة من التحقيقات الاستقصائية ستشمل سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال".

وعن ملف وزير الوظيفة العمومية والحوكمة والفساد، قال العوادي إن "المنظمة عبّرت منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي عن احترازها من تعيينه على رأس الوزارة، كما أعلنت مقاطعتها للوزارة إلى حين تغييره، وبالتالي الكشف عن هذه الحقائق في هذا التوقيت بالذات ليس بالأمر الجديد وقد تم الحديث عنه حتى قبل الإعلان عن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي فإن الغاية منه التنبيه والإشارة إلى مواطن الفساد حتى لا تجري إعادتهم إلى مواقع القرار ذاتها، ويبقى للقضاء الفصل النهائي في إثبات مدى تورطهم من عدمه ومن ثمة محاسبتهم".

وأوضح أنّه "على أثر نشر هذه التحقيقات، اتصلت أطراف عدّة من أحزاب الائتلاف الحاكم إلى جانب مسؤولين من سفارات أجنبية لمزيد من الاستفسار والوقوف على تفاصيل عدّة".

في المقابل، امتنع وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة تصريف الأعمال عن أي تصريح إعلامي، فيما أكّدت مصادر مقربة منه لـ"العربي الجديد"، أنّ كمال العيادي اعتبر ما نشرته منظمة "أنا يقظ" محاولة لضرب شخصه ومصداقيته ومحاولة لإزاحته من الوزارة.

وحول توقيت نشر هذه الحقائق والأهداف الكامنة وراءه، قال المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الوضعية التي نعيشها اليوم تُعبّر عن أزمة حقيقية وعميقة جداً ترجع إلى أواسط السبعينيات نتيجة التحولات الاقتصادية التي عاشتها تونس نتيجة النمو الاقتصادي الجديد وتصاعدت وتيرتها مع نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والسعي إلى الربح السريع".

واستبعد الحناشي أن يكون "كشف هذه الحقائق له علاقة بالأوضاع السياسية وبالمشاورات الحالية، أو أن يكون في إطار محاولات تصفية الحسابات السياسية بين أطراف أو أخرى". وأضاف أنّ "ما نعيشه اليوم يدل على أزمة أخلاقية وقيمية حقيقية عصفت بالبلاد، والتي زادها عمقاً أداء الوزراء الحاليين والنخبة السياسية".




المساهمون