صراع المحافظات اليمنية: موازين القوى مقسمة بين ثلاثة أطراف

12 اغسطس 2016
تنقسم عدن بين الشرعية والقوى المحلية(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
مع أجواء الحسم التي يعيشها اليمن، تبدو خارطة البلاد مقسمة بين القوى العسكرية والأطراف السياسية المتصارعة، مع تفوق للقوات الموالية للشرعية في المحافظات الواقعة وسط البلاد، مقابل سيطرة شريكَي الانقلاب على العاصمة صنعاء، ومعظم المحافظات الشمالية والغربية، حيث الكثافة السكانية، فيما يتخذ الوضع في الجنوب والشرق صيغة مختلفة بين كونها مناطق خارجة عن سيطرة الانقلابيين، غير أن النفوذ فيها مقسّم بين الشرعية والقوى المحلية التي تميل إلى الانفصال.

وفي الوقت الذي بدأت فيه قوات الجيش اليمني و"المقاومة الشعبية" الموالية للشرعية، عمليات مكثفة، بالتزامن مع موجة ضربات جوية عنيفة للتحالف العربي، تعتبر المحافظات الشمالية والمناطق الواقعة شرق صنعاء، محور المعارك الدائرة حالياً. وشملت الحرب منذ بدء التدخل العسكري للتحالف أكثر من 17 محافظة يمنية بتأثر متفاوت، من بين 22، تتوزع على مساحة ما يزيد عن 500 ألف كيلومتر.

مأرب: مركز قوات الشرعية
تعتبر محافظة مأرب من أهم المحافظات اليمنية وسط البلاد، وتزيد مساحتها عن 20 ألف كيلومتر. قبل بدء عمليات التحالف العربي في 26 مارس/آذار 2015، كانت أبرز محافظة توقف زحف مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على أطرافها، وبقيت تحت سيطرة قوات الجيش والأمن الحكومية، بالإضافة إلى القبائل المناهضة للحوثيين. خلال الحرب، أعلنت معظم الألوية والقوى العسكرية تأييدها للشرعية، غير أن الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، كانوا يسيطرون على أطراف المحافظة الغربية والشمالية، مما جعلها ساحة معركة حُسمت أغلبها بسيطرة قوات الشرعية مدعومة من التحالف، بعد أشهر من القصف والمواجهات.

وبسبب موقعها الاستراتيجي وسط البلاد، واتصالها بمحافظة صنعاء من الشرق، ولكونها لم تسقط بأيدي الحوثيين، كانت مأرب محور اهتمام التحالف والشرعية، جرى استقدام مختلف التعزيزات العسكرية المقدمة من التحالف إليها، وتحولت إلى مركز عسكري للانطلاق نحو محافظة الجوف الواقعة إلى الشمال منها، وكذلك باتجاه صنعاء غرباً (بالنسبة لمأرب).
تتألف قوات الشرعية في مأرب ومحيطها من ألوية عسكرية، أعلنت ولاءها للشرعية، وعسكريين معظمهم من الموالين لنائب الرئيس اليمني، الفريق علي محسن الأحمر، والذي كان يمتلك نفوذاً واسعاً في الجيش. وسيطر الحوثيون بعد معارك على معظم المعسكرات، التي كانت واقعة تحت نفوذه. كما تتألف قوات الشرعية من مجندين جرى تجنيدهم خلال الحرب من أوساط "المقاومة الشعبية"، والتي يمثل المحسوبون على حزب التجمع اليمني للإصلاح جزءاً معتبراً فيها.

الجوف: امتداد الشرعية شمالاً
انطلاقاً من مأرب، تمكنت قوات الشرعية من تحرير غالبية مناطق ومديريات محافظة الجوف، والتي تحتل أهمية عسكرية واستراتيجية، إذ تبلغ مساحتها 39 ألفاً و496 كيلومتراً (قرابة ضعف مساحة مأرب). وتتصل بحدود مع السعودية وترتبط بمحافظة صعدة، المعقل الأول للحوثيين، شمالاً، وكذلك بأجزاء من محافظة صنعاء. وتمثل سيطرة الشرعية فيها خطوة متقدمة تمهد لنقل المعركة إلى معاقل الحوثيين، غير أن العديد من مديريات المحافظة لا تزال ساحة مواجهات تسعى قوات الشرعية إلى إكمال السيطرة عليها.






صنعاء: مركز الانقلابيين

تعتبر صنعاء المنطقة العسكرية الأهم لسيطرة ووجود الانقلابيين، وتنقسم إدارياً إلى محافظتَين؛ الأولى صنعاء، الريف والضواحي، وتبلغ مساحتها نحو 15 ألف كيلومتر، تتوزع في 16 مديرية أغلبها مناطق جبلية وقبلية، وتمثّل بنسب متفاوتة عمقاً لنفوذ وولاءات الرئيس المخلوع، وكذلك للحوثيين، مثلما تتمتع الأطراف الموالية للشرعية بنفوذ فيها بمناطق مختلفة، فيما المحافظة الثانية هي أمانة العاصمة، حيث الكثافة السكانية ومؤسسات الدولة، وتحيط بها مديريات صنعاء المحافظة إحاطة السوار بالمعصم.

تعتبر صنعاء ومحيطها معقلاً لنفوذ ومعسكرات قوات "الحرس الجمهوري" الموالية لصالح وقوات أمنية أخرى، وبدرجة ثانية للحوثيين الذين سيطروا على معسكرات عدة، غير أن معظم هذه المعسكرات تعرضت للقصف منذ بدء عمليات التحالف العربي، مما أدى إلى تراجع قدراتها إلى حد كبير، فضلاً عن الخسائر التي تلقتها خلال المعارك التي عززت عسكرياً إليها، في مختلف المحافظات اليمنية.

ذمار وعمران وإب
إلى جانب صنعاء، لا يزال الحوثيون وحلفاؤهم يسيطرون على معظم المحافظات الشمالية، مع فقدان أجزاء من بعض المحافظات التي تشهد معارك شبه متواصلة. ومن أبرز المحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين؛ ذمار، وعمران، وإب ريمة، والحديدة. تقع هذه المحافظات تحت سيطرة عسكرية للحوثيين وحلفائهم، وهي محافظات يتفاوت فيها النفوذ. فمحافظة عمران (9587 كيلومتراً)، الواقعة شمال صنعاء، كانت معقلاً لشيوخ آل الأحمر، بزعامة رئيس مجلس النواب السابق، عبدالله بن حسين الأحمر، ويتمتع فيها حزب الإصلاح والفريق الأحمر بولاءات قبلية، لكنها حالياً تحت سيطرة الانقلابيين.

في المقابل، يتمتع صالح بنفوذ في محافظة ذمار (9495 كيلومتراً) الواقعة جنوب صنعاء، والتي يتحدر منها عدد كبير من منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية، مثلما تتمتع الأطراف الموالية للشرعية بنفوذ عسكري وقبلي فيها أيضاً، إذ يتحدر رئيس الأركان الحالي، الموالي للشرعية، اللواء محمد علي المقدشي، من ذمار، وكذلك نائب رئيس الحكومة، وزير الخدمة المدنية، عبد العزيز جباري.

من جانبها، كانت محافظة إب (6484 كيلومتراً وأكثر المحافظات كثافة سكانية)، ساحة لمواجهات مع "المقاومة" التي انطلقت بفعل وجود نسبة كبيرة من السكان يعارضون سيطرة الحوثيين. غير أن المواجهات حُسمت فيها لصالح الانقلابيين، الأمر الذي ساعد فيه نفوذ حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس المخلوع في المحافظة وقاعدته الجماهيرية، مع الأخذ بالاعتبار أن السيطرة على إب والنفوذ فيها، يتأثر بشكل مباشر، بالسيطرة على مركز الدولة في صنعاء، وينطبق الأمر على محافظات أقل أهمية، مثل ريمة والمحويت اللتين تقعان غرب صنعاء.






الحديدة

كما يسيطر الانقلابيون على محافظة الحديدة، وهي من أبرز المحافظات الحيوية في البلاد، تبلغ مساحتها 17 ألفاً و509 كيلومترات، ويقدر عدد سكانها بنحو ثلاثة ملايين نسمة. تطل على البحر الأحمر، وتعتبر المنفذ البحري الذي تصل إليه مختلف الشاحنات التجارية، بما يغطي معظم المحافظات الشمالية والغربية. تكتسب أهمية استراتيجية لكونها ساحلية تمثل امتداداً لباب المندب، وتفصلها محافظة حجة عن الحدود السعودية.

محافظات مشتعلة: تعز والبيضاء وحجة
إلى ذلك، تشهد العديد من المحافظات انقساماً في السيطرة العسكرية والسياسية، وفي مقدمتها، محافظة تعز، التي تعد من أهم المحافظات والمدن اليمنية، وتعتبر ساحة معركة كبيرة ومستمرة منذ أبريل/نيسان العام الماضي. في هذه المحافظة، يسيطر الحوثيون وحلفاؤهم على العديد من المديريات الريفية والمداخل المؤدية إلى مركز المحافظة، فيما تسيطر "المقاومة الشعبية" وقوات الجيش الموالية للشرعية، وفقاً لمصادر "العربي الجديد" في تعز، على معظم أحياء المدينة، وعلى مديريات ريفية أو أجزاء من مديريات تشهد مواجهات متقطعة بين الطرفين.

تحتل تعز ومعركتها أهمية استراتيجية بوصفها بوابة إلى المحافظات الجنوبية، وقد استمات الانقلابيون في البقاء فيها بما يجعل المعارك على حدود محافظة (لحج)، وكذلك منطقة المخا الساحلية القريبة من باب المندب، والتي تشهد معارك متقطعة، وغارات جوية للتحالف لا تهدأ حتى تعود، واجتماعياً يعتبر الحوثيون أقل نفوذاً في مقابل نفوذ حزب صالح في تعز، غير أن الشرعية والقوى المؤيدة لها تتمتع بقاعدة واسعة في المحافظة، فيما تتألف فصائل المقاومة من جنود مؤيدين للشرعية ومحسوبين على حزب الإصلاح، والسلفيين.

أمّا محافظة البيضاء، فهي من المحافظات ذات الأهمية المحورية، وتشهد مواجهات شبه متواصلة بين الانقلابيين و"المقاومة الشعبية". ترتبط هذه المحافظة بحدود مع سبع محافظات، وهي أبين، وشبوة، ومأرب، وذمار، وإب، والضالع، ولحج. وعُرفت البيضاء بالمقاومة القبلية الشرسة للحوثيين، منذ فترة سبقت تدخل التحالف العربي. وتتألف المقاومة فيها من رجال القبائل ومنتمين لقوى مؤيدة إلى الشرعية، وفي ذات الوقت، يتمتع تنظيم القاعدة بنفوذ وانتشار في المحافظة، ويتبنى عمليات ضد الحوثيين.

ومن المحافظات التي تشهد مواجهات أيضاً، محافظة حجة (غربي اليمن)، والتي ترتبط بحدود مع السعودية، ويسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم. غير أن قوات الشرعية تقدمت من السعودية في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، في الجزء الساحلي، وسيطرت على أجزاء من منطقتي ميدي وحرض، حيث يقع ميناء يوصف بأنه كان منفذ التهريب للحوثيين. وتسعى قوات الشرعية، من خلال معركة حجة، إلى التمدد في الشريط الساحلي نحو الحديدة، لتطويق مناطق سيطرة الانقلابيين.







مناطق سيطرة الشرعية ـ الحراك

كانت المحافظات الجنوبية لليمن من أوائل المحافظات المحررة، بعدما شهدت معارك طاحنة في الأشهر الأولى للحرب، تحديداً بين مارس/آذار وأغسطس/آب 2015، انتهت بتحرير عدن ومحيطها محافظات لحج وأبين وكذلك محافظة الضالع التي لا يزال الحوثيون يخوضون مواجهات في أطرافها المحاذية لمحافظة إب.

تسيطر في عدن قوات أمنية وعسكرية معظمها من المجندين، الذين انضموا إلى "المقاومة" خلال الحرب، وكذلك من العسكريين الجنوبيين الذين أعلنوا ولاءهم للشرعية. ينقسم النفوذ في عدن ومحيطها بين الحكومة الشرعية التي يمثلها الرئيس، عبدربه منصور هادي، ورئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، وبين القوى المحلية الأقرب إلى الحراك الجنوبي، والتي تطالب بالانفصال، أو الحكم الذاتي على الأقل. وينطبق واقع السيطرة على عدن، على محافظتي لحج والضالع شمالي عدن. ويعتبر محافظ عدن الحالي، عيدروس الزبيدي، ومدير أمن المدينة، شلال علي شائع، من القيادات البارزة للحراك الجنوبي، في السنوات الماضية.

وتتخذ محافظة أبين، الواقعة شرق عدن، وضعاً مختلفاً نسبياً عن عدن ولحج، إذ لا يزال تنظيم القاعدة يتمتع بنفوذ وانتشار في مدن أبين، التي يتحدر منها الرئيس هادي. وكان التنظيم قد أعلن انسحابه من دون مواجهات في مايو/أيار الماضي، إلا أن السلطات لم تتوجه لاستلام المحافظة، ولا يزال نفوذ "القاعدة" هو الحاضر، بسبب غياب الأجهزة الحكومية.

جنوباً أيضاً، تتمتع محافظة شبوة النفطية (47 ألف كيلومتر) بوضع يختلف عن المحافظات الجنوبية الأخرى، وتسيطر فيها سلطات محلية أقل نزوعاً تجاه الانفصال، وقوات عسكرية مرتبطة بالشرعية وقياداتها في محافظة مأرب. ولا تخلو شبوة من نفوذ لتنظيم القاعدة، الذي تستهدفه ضربات الطائرات الأميركية من دون طيار، بين الحين والآخر، كما لا تزال بعض مديرياتها تشهد مواجهات مع الحوثيين وحلفائهم.

شرقاً، تتخذ محافظة حضرموت، التي تحتل نحو ثلث مساحة اليمن، وضعاً مختلفاً، إذ تنقسم عسكرياً إلى جزأين؛ الأول من مدينة المكلا، إذ تألفت قوات عسكرية من أبناء المحافظة، بدعم التحالف العربي، وتُعرف بـ"قوات النخبة الحضرمية"، وهي التي تسلمت المكلا ومحيطها من تنظيم القاعدة (سيطر على المكلا لمدة عام انتهت في أبريل/نيسان الماضي)، فيما الجزء الثاني من حضرموت (الوادي)، وهو الجزء الأوحد الذي تماسكت فيه القوات النظامية، التابعة لقيادة المنطقة العسكرية الأولى، وقد أعلنت هذه القوات ولاءها للشرعية، وهي آخر ما تبقى من قوات ينتمي جنودها إلى المحافظات الشمالية والجنوبية.

وأخيراً، تأتي محافظتا المهرة وسقطرى، والأولى هي المحافظة الوحيدة التي لم تصلها الحرب، وتقع على الحدود مع سلطنة عُمان، فيما محافظة سقطرى، عبارة عن أرخبيل، أكبر الجزر اليمنية في البحر العربي، وكانت في السابق، جزءاً إدارياً من محافظة حضرموت.