تفجيرات "معامل الموت المتنقلة" بحلب: ضربة للنظام السوري

20 يوليو 2016
أدت البراميل إلى تدمير أحياء بكاملها (أحمد محمد علي/الأناضول)
+ الخط -


هزت انفجارات متتالية مساء السبت الماضي، أكبر معامل تصنيع الأسلحة التي تمتلكها قوات النظام السوري، "معامل الدفاع"، وهي المعامل التي يُصنّع فيها السلاح الأشد فتكاً بالمدنيين السوريين، البراميل المتفجرة التي تُلقى عشوائياً على التجمّعات السكنية من الطيران الحربي والمروحيات. وتصاعدت ألسنة اللهب نتيجة انفجارات قوية وصل دويّها إلى مسافات بعيدة، وشوهدت من على بُعد كيلومترات عدة، ضربت معامل تصنيع البراميل في ما يُسمّى "معامل الدفاع" قرب مدينة السفيرة جنوب شرق مدينة حلب.
ونشر ناشطون إعلاميون مقاطع فيديو أظهرت الانفجارات الكبيرة، مشيرين إلى أن "أكثر من خمسة عشر انفجاراً، ضرب عدة أماكن داخل المعامل، ما يرجح تدميرها بشكل شبه كامل". وتحدثت مصادر في المعارضة السورية عن مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام، والمليشيات التي كانت متمركزة في المعامل، مشيرة إلى تعرض نحو ثمانين في المائة من أبنية هذه المعامل إلى التدمير الكامل، نتيجة انفجار كميات كبيرة من البراميل والذخائر، أدت أيضاً إلى احتراق مروحيات غير معروفة العدد كانت رابضة في مهبط طائرات داخل المعامل.
وتضاربت الأنباء عن الجهة التي قامت بتدمير معامل تصنيع البراميل، إذ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجيرات حتى الآن، فيما اعترف النظام بحدوث انفجارات وحرائق في معامل الدفاع جنوب شرق حلب، وأشارت وكالة "سانا" التابعة للنظام إلى أن خللاً فنياً وتقنياً كان وراءها، لافتة إلى أنه تمت السيطرة عليها.
لكن أحد قادة الجيش السوري الحر في حلب، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الخلل الفني، حسب رواية النظام، لا يمكن أن يُؤدي إلى انفجار بهذا الحجم، في معامل تضم مصانع تصنيع أسلحة وذخائر، ويوجد داخلها خبراء عسكريون من عدة دول خصوصاً من روسيا وإيران"، موضحاً أن التفجيرات تُشكّل "ضربة قوية لقوات النظام"، مضيفاً: "كانت معامل الدفاع في السفيرة تضم مطار مروحيات مهمتها قصف حلب وريفها بالبراميل المتفجرة، مرتكبة المجازر بحق المدنيين بشكل شبه يومي".
وتُعدّ معامل الدفاع في منطقة السفيرة إحدى المجمّعات الخاصة بالصناعات الحربية التابعة لوزارة الدفاع في حكومة النظام، وهي تمتد على مساحة كبيرة من أراضي منطقة السفيرة تُقدّر بنحو 15 كيلومتراً، و"تحوي مستودعات كبيرة للأسلحة، والذخائر فوق الأرض وتحتها"، وفق العقيد الطيار مصطفى بكور المنشق عن قوات النظام.
وأوضح بكور في حديث مع "العربي الجديد" أنه "تم استخدام معامل الدفاع في السفيرة منذ بداية الثورة في منتصف مارس/آذار 2011 كنقطة تجمّع لجيش النظام والشبيحة والمليشيات الطائفية متعددة الجنسيات، للانطلاق باتجاه مدينة حلب وريفها الجنوبي ومناطق أخرى"، مشيراً إلى أنه تم تجهيز ساحات لهبوط مروحيات تنطلق منها لإلقاء البراميل على مناطق حلب وريفها.
وأكد بكور أنه يوجد داخل هذه المعامل الأكبر في سورية عدد من قطع المدفعية، وراجمات الصواريخ، ومنصات إطلاق الصواريخ أرض-أرض، إضافة إلى ورشات لتصنيع البراميل المتفجرة بمختلف أشكالها. وأوضح أن هذه المنطقة "كانت تُعتبر قبل الثورة من المناطق المحرمة، يمنع الطيران فوقها بأنواعه كافة"، مشيراً إلى أن هناك معلومات تؤكد أنها تحتوي على معامل لتصنيع الأسلحة الكيماوية، ومختبرات يشرف عليها الروس والإيرانيون والكوريون، مضيفاً: "تقوم كل دولة من هذه الدول بالإشراف على برامج معينة لتطوير الأسلحة بمختلف أنواعها".


وحاولت فصائل المعارضة السورية السيطرة على معامل الدفاع إثر سيطرتها على مدينة السفيرة القريبة منها عام 2013، إلا أنها فشلت بسبب شدة التحصينات حول المعامل، لتتراجع عن المدينة إثر حملة شرسة شنّتها قوات النظام في بداية عام 2014 استخدمت فيها سياسة "الأرض المحروقة"، وأدت الغارات الجوية بمئات البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية إلى تدمير أغلب أحياء المدينة، وتهجير سكانها. كما تقدّم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل مدينة السفيرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنه فشل في إحكام السيطرة عليها، فانسحب إلى مواقع قريبة منها.
ويطلق السوريون على معامل الدفاع في السفيرة تسمية "معامل الموت المتنقل"، إذ تصنّع داخلها البراميل المتفجرة التي تُعدّ من الأسلحة "الرخيصة" لجهة التكلفة، ولكنها "الأشد فتكاً" بالمدنيين، وهي من الأسلحة "القذرة" التي بدأ النظام في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012 باستخدامها، وقتلت آلاف المدنيين على امتداد سورية وأزالت أحياء كاملة في مدن وبلدات عدة.
وشنّ طيران النظام أواخر عام 2013 "حملة براميل" على الأحياء الشرقية في مدينة حلب التي سيطرت عليها المعارضة السورية المسلحة، ودمر أحياء فوق ساكنيها، ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون مدني وصل أغلبهم إلى تركيا. كما دمّر طيران النظام بالبراميل المتفجرة العديد من المدن السورية، منها داريا جنوب غرب دمشق، إذ أمطرها بآلاف البراميل، ما أدى إلى تسوية أغلب أبنيتها بالأرض. ودمر طيران النظام بالبراميل المتفجرة مستشفيات ومراكز صحية ومساجد ومدارس في المدن والبلدات السورية، وكان الأطفال والنساء هم أكثر ضحايا براميل النظام.
ودان مجلس الأمن الدولي، ومنظمات حقوقية دولية استخدام النظام السوري لسلاح البراميل المتفجرة، إلا أن النظام لا يزال يستخدم البراميل مرتكباً مجازر يومية، غير مكترث بالمناشدات الدولية على هذا الصعيد. وكان مجلس الأمن قد تبنّى في فبراير/شباط 2014 قراراً يطالب قوات النظام بالتوقف عن القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة على المناطق المكتظة بالسكان في سورية، وعاد ليدين في منتصف عام 2015 استخدام هذا السلاح. كما دانت ثمانون دولة في منتصف العام الماضي استخدام النظام السوري لسلاح البراميل المتفجرة ضد المدنيين، وطالبت مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار يفرض عقوبات على نظام الأسد بسبب ذلك، إلا أن روسيا حالت دون قيام المجلس بذلك، إذ أكد مندوبها في المجلس فيتالي تشوركين أن الأسلحة التي تلقى بشكل عشوائي "لن تُستخدم بعد اليوم". ولكن النظام عاود استخدامها في قتل المدنيين بعد ساعات من تصريحات تشوركين.
يُذكر أن البراميل المتفجرة، هي قوالب معدنية أو اسمنتية، يبلغ وزن البرميل الواحد ألف كيلوغرام، ويحمل وفق خبراء ما بين 200 و300 كيلوغرام من المواد المتفجرة، مضافة إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة لتكون بمثابة شظايا تحدث أكبر ضرر في البشر والمباني.

المساهمون