عدوان تموز بعيون إسرائيلية... عزّز تحكُّم إيران بحزب الله

12 يوليو 2016
تقديرات إسرائيلية بأن حزب الله فقد استقلالية القرار(حسين بيضون)
+ الخط -
لم يمنع الإقرار الإسرائيلي، سواء الرسمي منه عبر نتائج لجنة التحقيق الرسمية بقيادة القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، أو على المستوى الإعلامي والشعبي، بفشل إسرائيل في عدوان تموز على لبنان في العام 2006، بفعل عوامل مختلفة، الصحافة ومراكز الأبحاث الإسرائيلية من محاولة التنقيب عن فوائد أو تحولات لصالح الميزان الإسرائيلي، بعد عقد من شنّ الحرب المذكورة، وإجمال الفشل العسكري في عدم قدرة إسرائيل وفقدانها القدرة على شن حرب أو حتى حملة خاطفة تحسم نتائجها خلال أيام. وقد شكلت الحرب في لبنان التي استمرت 34 يوماً بداية نمط متكرر، كما ظهر في العدوان الأخير على غزة في العام 2014 الذي دام هو الآخر أكثر من 50 يوماً.

وفي هذا السياق، وخلافاً للقراءات السريعة غير المتعمقة التي قدمها محللو الصحف الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، فقد خرج مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، بملف خاص من الدراسات سيتم نشرها بأكملها، بعد غد الخميس، وتتضمن استنتاجات تبدو للوهلة الأولى مفاجئة. وفي مقدمة هذه الاستنتاجات الإقرار مثلاً، أن الحرب الأخيرة، وما حملته لأول مرة من نقلها من ميدانها الأصلي أو المفترض في لبنان إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، عبر استخدام حزب الله ترسانته الصاروخية، لم يقابل برضى إيراني عن هذا الأداء، لأن إيران بحسب باحثي مركز أبحاث الأمن القومي، كانت تعتبر حزب الله والترسانة الصاروخية التي سلمتها له بمثابة الخط الأول في مواجهة إسرائيل من جهة، وأن الترسانة الصاروخية أداة ردع وضغط على إسرائيل لمنع لجوء الأخيرة إلى شن هجوم جوي على منشآت إيران النووية من جهة ثانية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تلوح بخيار عملية عسكرية وتسعى للحصول على ضوء أخضر أميركي لهذا الهجوم.


وفي هذا السياق، يقول مركز أبحاث الأمن القومي، إنه على الرغم من أن حزب الله، ارتقى بعد الحرب نفسها درجة وتطور من منظمة غاريلا (حرب عصابات) إلى نوع من الجيش شبه النظامي، ومع ارتفاع أسهمه (حتى اندلاع الثورة السورية وتورطه في الحرب إلى جانب النظام)، إلا أنه فقد بعد الحرب استقلالية القرار في ما يتعلق بالعمليات ضد إسرائيل.

وبحسب المركز، فقد ضاعفت إيران وشددت بعد الحرب من رقابتها على الحزب وكبح جماحه بعدما أدى استخدامه الترسانة الصاروخية إلى ضرب فاعلية وهدف وجودها معه والمتمثل في ضمان سلاح رادع في وجه إسرائيل.
لكن اللافت في الدراسات التي وضعها مركز الأبحاث، قول محرري ملف 10 سنوات على حرب لبنان الثانية، إنه وبعد مرور عشر سنوات على الحرب، فإن الفرضية الأساسية الرائجة في إسرائيل هي أن "العد التنازلي لحرب لبنان الثالثة قد بدأ، وأن تسلح حزب الله وإعادة بناء ترسانته استعداداً لهذه الحرب ليس موضع شك، مع تطوير قدراته القتالية ميدانياً بفعل قتاله في سورية إلى جانب النظام، ومع ما رافق ذلك من مراكمة خبرات جديدة في الحرب داخل المدن، وإلى جانب قوات نظامية، وتحت إرشادات قيادات عسكرية إيرانية وروسية.
في المقابل فإن إسرائيل طورت عقيدة قتالية أشد ضرباً للمدن والأحياء المأهولة، على غرار "عقيدة الضاحية". وفي حال وقوع مواجهة عسكرية جديدة، باتت إسرائيل قادرة، على أن تلحق بلبنان أضراراً تفوق ما لحق به في المواجهة السابقة في العام 2006. وبالتالي فإن التحدي الذي تواجهه القيادة الإسرائيلية، بحسب دراسات مركز أبحاث الأمن القومي، لا يتمثل في عدد الصواريخ التي يملكها حزب الله في مخازنه، أو في تصحيح الانطباع السلبي الذي خلفته الحرب المذكورة، وإنما هو بالأساس منع وقوع المواجهة المقبلة وتقليص وإضعاف قدرات حزب الله القتالية والعسكرية، مع تطوير قدرة تمكنها من إنزال ضربة قوية بحزب الله عند ساعة الصفر.
ويقرّ مدير المركز، الجنرال احتياط عاموس يادلين، في تقديمه جملة الدراسات، أنّ التحديات الاستراتيجية التي طرحتها الحرب السابقة على لبنان لا تزال تواجه إسرائيل، وفي مقدمتها ضمان إدارة معركة قصيرة الأمد تنتهي بحسم واضح لا لبس فيه من جهة، والوصول إلى مستوى جهوزية عالية وملائمة على الجبهة الداخلية، مع القدرة على بلورة تحرك سياسي لمعالجة ومواجهة استمرار نشاط حزب الله لمراكمة مزيد من القوة والقدرات العسكرية من جهة ثانية.

ويلفت محررو سلسلة المقالات، وعلى رأسهم العقيد احتياط أودي ديكل، إلى أنه منذ الحرب على لبنان، والتغييرات الإقليمية ولاسيما اندلاع الثورة السورية، قد أحدثت تغييرات في خريطة التحديات الأمنية لإسرائيل على الحدود الشمالية. وبعدما كان لبنان مصدر الخطر الأول، أو مصدر القلق، فقد انتقل هذا المصدر بالذات إلى هضبة الجولان السوري المحتل والحدود السورية الإسرائيلية التي ظلت لعقود جبهة هادئة وباتت اليوم مسرحاً لتبدل في القوات والأطراف العاملة والناشطة التي تطرح تحديات أمنية جديدة على إسرائيل.
وفي الدراسة التي وضعها ديكل نفسه، حول تصلب العقيدة الاستراتيجية في إسرائيل إبان الحرب، فهو يقرّ أن "القرار الإسرائيلي بالرد على عملية حزب الله في 12 يوليو/تموز 2006 والتي أسفرت عن أسر جنديين وقتل ثلاثة، جاء بشكل غير مدروس. فقد أقرّت الحكومة شنّ حرب على لبنان، لكنها لم تعلن أن قرارها هو قرار حرب، وتم ذلك دون فحص خيارات أخرى، مع وضع أهداف استراتيجية لهذه الحرب أعلى من أن يتم تحقيقها دون عملية برية كانت توجب قتالاً لمدة لا تقل عن ستة أسابيع حتى يتسنى تحقيق الأهداف الموضوعة لها". ويلفت ديكل إلى أن تلكؤ الحكومة الإسرائيلية في الرد مكّن حزب الله من التغلب على الصدمة الأولى ومن ملائمة نفسه لنمط عمل الجيش الإسرائيلي الذي أظهر عجزاً في القضاء على منظومة إطلاق الصواريخ من لبنان، وعزز من الفجوة بين الأهداف الاستراتيجية التي وضعت للحرب وبين أدوات وطرق الوصول إلى تحقيقها.
على الرغم من ذلك، يخلص ديكل إلى القول، إن حزب الله خرج من الحرب وقد تلقى ضربة قوية اضطرته إلى تغيير سبل عمله وتغيير استراتيجيته في مواجهة إسرائيل، وساعد في ذلك نشوب الثورة السورية بعد الحرب وامتصاص حزب الله لها، مما وفر لإسرائيل عقداً من الهدوء على الحدود الشمالية.
ويجد ديكل، أن العبرة من الحرب الثانية على لبنان يجب أن تتمثل في عدم الخروج إلى حرب لتصحيح نتائج الحرب السابقة والانطباع الذي خلفته وإنما فحص ودراسة كل معركة عسكرية جديدة وفقاً لسياقها الاستراتيجي المميز لها وبناء على التغييرات التي تمت، وتوجيه القوة العسكرية بما يلائم الأهداف الاستراتيجية التي تحددها الحكومة، وأي سلوك من هذا القبيل سيؤثر على الهدف الاستراتيجي لكل معركة عسكرية مقبلة، ولكن يمكن القول اليوم إنه على ضوء الواقع الاستراتيجي القائم فإن احتمالات وفرص اندلاع مواجهة عسكرية من هذا النوع غير مطلوبة.

أما في سياق العبر الأساسية الخاصة بطرق القتال للجيش ومدى جاهزيته للمواجهة المقبلة، فإن الباحث غابي سييفيون، يرى أن هناك حاجة لتغيير نمط إدارة المعارك في كل ما يتعلق بالتواصل بين غرفة قيادة العمليات في مقر رئاسة أركان الجيش ووزارة الأمن، وبين القيادات الميدانية التي تخوض المعارك وتحديد كون رئيس الأركان للجيش باعتباره القائد الوحيد وصاحب القرار في تحديد العمليات القتالية (لتفادي حالة البلبلة والتوتر بين القيادة العسكرية وبين المستوى السياسي)، مع تعزيز الاتصال بين الطرفين، وتوفير المعلومات الاستخباراتية اللازمة لضمان تحرك القوات في مسارات آمنة من جهة، وتفادي الوقوع في كمائن ينصبها العدو من جهة ثانية.

ويقول سيفيون، إن العبر من الحرب الثانية على لبنان، في حال تم استخلاصها فعلاً، لا يمكن ضمان تطبيقها خلال وقت قصير وهي تحتاج وقتاً كافياً لذلك، ولاسيما في ما يتعلق بضمان جهوزية الجيش والجنود وجهوزية المعدات والعتاد العسكري وتحديثه.
يذكر أنه في ما يتعلق بضمان جهوزية الجيش والجنود تحديداً، فإن رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال غادي أيزنكوط، وضع خطة عمل لخمس سنوات، مع إصلاحات في سياق تقليص عدد القوى النظامية، لصالح زيادة أيام وفترات التدريبات العسكرية القتالية ولاسيما لقوات الاحتياط.
من جهته، يلفت الباحث، ليران عنتابي، في دراسة استعرض فيها تطور الطائرات بدون طيار، إلى أن الحرب الثانية على لبنان أبرزت أهمية هذه الوسيلة في القتال، ولا سيما في مجال جمع المعلومات، والكشف عن مواقع قواعد حزب الله، عبر الاعتماد على المجسات الحرارية والإلكترونية والكاميرات التي تحملها هذه الطائرات. لكنه يحذر مع ذلك من أن حزب الله تزود هو الآخر بهذه الوسائل القتالية ومن شأنه أن يستخدمها بدوره، وإن كان ميزان الكم والنوع في هذا الميدان يبقى لصالح إسرائيل. إلا أن الحزب في حال نشوب المعركة المقبلة، سيلجأ إلى التحصن في مقار تكون مزودة بسبل اعتراض ومنع التقاط الإشارات المختلفة التي يمكن من خلالها تحديد مواقعه وقواعده.