بلديات بيروت والبقاع تنفجر حزبياً: مجالس تحكيم وتباعُد الحلفاء

11 مايو 2016
تسببت الانتخابات بمشاكل داخل الأحزاب نفسها (حسين بيضون)
+ الخط -
طوت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي بيروت والبقاع صفحة الاستحقاق، لكنها فتحت الباب في المقابل على خلافات داخل الأحزاب اللبنانية وبين بعضها البعض. جمع الترشح ضمن لوائح موحدة هذه الأحزاب، قبل أن تفرقها عمليات التشطيب الواسعة، نتيجة عدم التزام أعضائها بالتصويت لهذه اللوائح، وذلك في ترجمة عملية للخلاف السياسي العام بين مكونات تحالفي 8 و14 آذار حول ملف الانتخابات الرئاسية. إلى جانب الاحتقان المذهبي بين المُسلمين السنة والشيعة في لبنان.

ولم يتغيّر مشهد الخلاف ولا مفرداته بين مدينة زحلة في البقاع والعاصمة اللبنانية بيروت، واللتين شهدتا أقوى المعارك الانتخابية بين لوائح مُكتملة، واتخذ هذا الخلاف طابعاً طائفياً ومذهبياً في المنطقتين. كما برز دور الحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت الذي اعترف زعيمه، النائب وليد جنبلاط، أنه "غير بريء" في المواجهة بين الأحزاب والمجتمع المدني متمثلاً بلائحة "بيروت مدينتي" التي خاضت المعركة وخرجت بنسبة تصويت أظهرت تماسكها، في مقابل تراخي الحالة الحزبية في بيروت.

"حزب الله" حضر أيضاً، وهو الموجود انتخابياً في مُختلف مناطق البقاع، ومنها زحلة، وفي بيروت. لكن دور حزب الله لم يكن واضحاً في بيروت، رغم تحالفه على المستوى الاختياري مع الائتلاف الذي جمع قوى السلطة، أمّا في زحلة فكان دوره واضحاً وعلنياً.

"تجييش طائفي في زحلة"

ارتفعت أصوات أجراس الكنائس في مدينة زحلة يوم الأحد الماضي، بعد أن فشلت مناشدات قائدي الحزبين المسيحيين الأكبرين؛ (القوات والتيار الوطني الحر)، في دفع الناخبين للتصويت. وهو ما اعتبره بعض ناخبي المدينة من المُسلمين "تجييشاً طائفياً في معركة بلدية لن يتعدى أثرها إنماء المدينة"، بحسب ما نقلت مصادر زحلاوية لـ"العربي الجديد".

انتهت المعركة بفوز لائحة "إنماء زحلة" المدعومة من الأحزاب المسيحية الثلاثة (القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر، والكتائب)، مقابل اللائحة المدعومة من آل سكاف واللائحة المدعومة من آل فتوش. وتقول مصادر زحلاوية لـ"العربي الجديد" إن لائحة آل سكاف توقعت حصولها على معظم أصوات الناخبين المسلمين في المدينة بعد تلقيها الدعم من "تيار المُستقبل" و"حزب الله"، رغم إعلان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم توزيع الأصوات بين الحلفاء؛ أي التيار الوطني الحر وآل سكاف وآل فتوش.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مُقربة من تيار المُستقبل أن النائب سعد الحريري طلب الحصول على تقارير مُفصلة عن معركة زحلة، خصوصاً بعد سريان شائعات عن تورط مسؤولين من التيار في المنطقة بعملية تجيير أصوات لصالح اللائحة المدعومة من الأحزاب، بدل دعم لائحة آل سكاف. وهو ما انعكس على كوادر التيار في البقاع الذين يتحدثون عن خلافات بين نواب البقاع ومنسقي تيار المستقبل، بشأن المسؤولية عن عدم انضباط التصويت الحزبي لمصلحة الحلفاء.   

كما طرح موقف حزب الله تساؤلات عن تحالفه مع التيار الوطني الحر، خصوصاً أن بعض مسؤولي التيار ينتقدون علناً مساواة حزب الله بين زعيمهم المُرشح لرئاسة الجمهورية، النائب ميشال عون، وبين المرشح الثاني لرئاسة الجمهورية من فريق الثامن من آذار، رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. لتنتقل الخلافات السياسية بين الطرفين من ملف رئاسة الجمهورية إلى ملف الانتخابات البلدية الأقرب والأكثر تأثيراً في نفوس مؤيدي الطرفين.

معركة تشطيب في بيروت

لم تختلف صورة الخلافات السياسية كثيراً في بيروت، خصوصاً بعد أن عكست النتائج آلاف حالات التشطيب التي طاولت "لائحة البيارتة" التي أعلنها تيار المُستقبل، وسماها "لائحة المناصفة" بين المُسلمين والمسيحيين في العاصمة. دفعت النتائج بالحريري لعقد مؤتمر صحافي لام فيه "بعض الحلفاء" على عدم الالتزام بدعم اللائحة كاملة. وهو لوم كان يمكن فهمه بأنه موجه إلى الأحزاب المسيحية (القوات اللبنانية، الكتائب، التيار الوطني الحر وبشكل رئيسي القوات اللبنانية) في دائرة بيروت الأولى فقط التي تقدمت فيها لائحة "بيروت مدينتي" على "لائحة البيارتة"، لولا أن الأرقام التي حازها "البيارتة" في دائرتي بيروت الثانية والثالثة ذات الأغلبية الإسلامية (تيار المستقبل، وحركة أمل، والتقدمي الاشتراكي، والجماعة الإسلامية) قد عكست حجم التشطيب الكبير في لائحة المناصفة في بيروت.

يقول مسؤول قواتي إن "الرابط الوحيد بين تيار المُستقبل والقوات حالياً هي المملكة العربية السعودية"، وذلك في إشارة إلى حجم الخلاف الذي يمتد من ملف رئاسة الجمهورية إلى الانتخابات البلدية، مروراً بالخلاف على دور تحالف الرابع عشر من آذار في الحياة السياسية اللبنانية.

وقد عكست أرقام "لائحة البيارتة" هذا الخلاف الكبير، فحل رئيس هذه اللائحة، المهندس جمال عيتاني، ثالثاً من حيث عدد الأصوات في لائحته. وبلغ الفارق بين أول الرابحات على لائحته، هدى صيداني، وآخر الرابحين، إيلي يحشوشي، نحو 8 آلاف صوت. بينما لم يتجاوز فارق الأصوات بين أول الخاسرين في لائحة "بيروت مدينتي" (رئيس اللائحة المهندس إبراهيم منيمنة) وآخر الخاسرين فيها حاجز 4 آلاف صوت. 

وقال عدد من رؤساء الأقلام في دوائر بيروت لـ"العربي الجديد" إن التشطيب الذي طاول لائحة البيارتة أتى بأشكال متنوعة: "فعمد البعض إلى شطب مُرشحين من اللائحة واستبدالهم بمرشحين من نفس الطوائف في اللوائح المنافسة، كما شطب البعض الآخر رئيس لائحة البيارتة فقط، ووجدت كثير من الأوراق المكتوبة بخط اليد طريقها إلى صناديق الاقتراع". وهو ما ظهر مع تقدم المُرشحين السنة في لائحة "بيروت مدينتي" على المُرشحين السنة في "لائحة البيارتة" في دائرة بيروت الأولى، مثلاً.

وكان لافتاً في انتخابات بيروت عمل عدد من الشبان الناشطين أو المنتمين إلى أحزاب مشاركة في "لائحة البيارتة" ضمن الماكينة الانتخابية المتواضعة للائحة "بيروت مدينتي". وفي ظل تبادل الاتهامات بين نواب الأحزاب السياسية في بيروت بشأن نتيجة التصويت، أحال "التيار الوطني الحر" منسقه في دائرة بيروت الأولى زياد عبس إلى مجلس تحكيمي حزبي، وفضّل أحد مسؤولي التيار عدم التصريح لـ"العربي الجديد" بانتظار انتهاء عمل المجلس التحكيمي. وتعكس هذه الإحالة حجم التباين الداخلي بين الأحزاب في ملف الانتخابات.

ومن المتوقع أن تمتد المعارك الحزبية خلال انتخابات محافظة جبل لبنان يوم الأحد المُقبل، لا سيما في بلدية جونية حيث لم يجد التحالف المسيحي المُستجد طريقه لصوغ تحالف بلدي بين القوات والعونيين. وفي بلدية برجا في إقليم الخروب، بعد سقوط محاولة التوافق بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"الجماعة الإسلامية". ويتوقع مراقبون أن تنعكس الخلافات الحزبية على إنتاجية المجالس البلدية المُنتخبة، والتي تواجه ملفات مهمة على رأسها إدارة النفايات الصلبة. 

المساهمون