حربا غزة وأكتوبر... أوجه شبه فشل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية

11 مايو 2016
أسفرت حرب غزة عن مقتل 2100 فلسطيني(مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -
تتواصل في إسرائيل تداعيات الكشف عن تفاصيل مسودة تقرير مراقب الدولة، القاضي الإسرائيلي المتقاعد، يوسف شبيرا، حول العدوان الإسرائيلي على غزة، وما تبيّن عن هذه التفاصيل حول قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بإقصاء "الكابينت" السياسي والأمني وإخفاء معلومات مهمة عنه. وتتضح، تدريجياً، معلومات جديدة من مسودة التقرير، ومنها مثلاً ترجيح مراقب الدولة الإسرائيلي لموقف "الشاباك" (جهاز الأمن الإسرائيلي) في الحرب، التي اندلعت بعد العدوان بين هذا الجهاز وبين جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" بشأن التحذير من خطر اندلاع مواجهة عسكرية مقبلة في صيف 2014، مقابل تشكيكه في رواية شعبة الاستخبارات العسكرية.

لعلّ أبرز ما تتضمنه مسودة التقرير، إذا أزيح جانباً الشق المتعلق بالتجاذبات الحزبية والسياسية الخاصة بأداء رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، موشيه يعالون، ورئيس أركان الجيش خلال العدوان، الجنرال بني غانتس، هو الصورة التي رسمتها لتكرار "الفشل العميق" ذاته لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي خلافاً لـ"الشاباك" في فهم وإدراك مقاصد الطرف الآخر في حالة العدوان على غزة، أي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تماماً على غرار فشل شعبة الاستخبارات العسكرية في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 في فهم طبيعة التحذيرات التي وصلت للجهاز بشأن نوايا كل من مصر وسورية ضد إسرائيل.

في هذا السياق، من المهم العودة إلى استنتاجات لجنة التحقيق الرسمية في الفشل الإسرائيلي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 برئاسة القاضي المتقاعد، شمعون أغرناط. فقد أقرت اللجنة المذكورة التي تشكلت في نوفمبر/تشرين الثاني 1973، بُعيْد الحرب، بأن جهاز الاستخبارات العسكرية فشل في مهمته، "فقد توفرت لدى الجهاز معلومات ورسائل تحذيرية كثيرة بشأن نية شن الهجوم على إسرائيل، إلّا أن رئيس الجهاز، الجنرال إيلي زعيرا، قدّر قيمة وحقيقة هذه التحذيرات بشكل خاطئ". وتلتقي هذه الاستنتاجات مع ما جاء في المسودة التي وضعها مراقب الدولة الإسرائيلي، يوسيف شبيرا، أخيراً، بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة.

ووفقاً لما نشره معلّق الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، في صحيفة "هآرتس"، فإن المسودة التي تتحدث عن غياب أية استراتيجية إسرائيلية جادة في كل ما يتعلق بالتعامل مع قطاع غزة ومستقبل حكم حركة حماس فيها، تكشف أيضاً أنه "كانت هناك فجوة حقيقية بين الواقع وبين ما أدركه جهاز الاستخبارات العسكرية". ويقول هرئيل إنه "على مدار أجزاء طويلة من المداولات داخل الكابينت الإسرائيلي قبل اندلاع الحرب، قلّل كل من وزير الأمن، موشيه يعالون، ورئيس الأركان، بني غانتس، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، من احتمالات اندلاع المواجهة العسكرية، علماً بأن الشاباك رفع تحذيرات رسمية بشأن خطر الأنفاق الهجومية وبشأن نوايا حماس المستقبلية بتنفيذ عملية نوعية استراتيجية بواسطة أحد تلك الأنفاق مطلع يوليو/تموز 2014".

ويحسم هذا القول، الذي ورد في المسودة، المعركة التي نشبت بعد العدوان لصالح "الشاباك"، باعتباره هو من تنبأ بنوايا قتالية لحركة حماس، في الوقت الذي كان فيه جهاز الاستخبارات العسكرية، ورئيس الأركان يقللان من احتمالات شن مثل هذا الهجوم.





وبحسب ما نشره هرئيل، فإن وزراء "الكابينت" (المجلس الوزاري المصغر) الذين تم إقصاؤهم وعدم إطلاعهم على حقيقة الوضع وحقيقة خطر الأنفاق الهجومية، اعتادوا منح التقديرات التي كانت تطرح أمامهم صدقية عالية. ومع ذلك، عندما كانوا يطرحون مزيداً من الأسئلة كانوا يواجهون بتهرب متواصل. وبحسب هرئيل، فإنّ مسودة التقرير ترسم صورة لخطَّيْن متوازيين لا يلتقيان داخل الحكومة الإسرائيلية يمثلان من يعلمون كل شيء بما في ذلك التفاصيل المرافقة لها، وهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، موشيه يعالون، ورئيس الأركان، بني غانتس، مقابل من يجهلون حقيقة الوضع، وهم باقي الوزراء في الحكومة، ومنهم أعضاء الكابينت السياسي والأمني.

وعلى الرغم من أن مسودة التقرير تتحدث عن قيام نتنياهو عملياً بتحويل الكابينت إلى مجرد إطار غير فعّال، كونه صاحب الصلاحية في تحديد جدول أعمال الكابينت، تسعى الأخيرة للتخفيف من مسؤوليته هذه وتحيل كامل المسؤولية تقريباً إلى المستوى العسكري المتمثل بالجيش ووزير الأمن.

في المقابل، تؤكد المسودة على الفشل في وضع سياسة أمنية واستراتيجية تجاه غزة، ومنها مثلاً عدم وجود خطط عملانية قتالية واضحة، وعدم وجود رؤيا لفهم حقيقة مواقف حركة حماس وتوجهها نحو التصعيد العسكري، بفعل أخطاء في السلوك الإسرائيلي، وامتناع حكومة نتنياهو عن اتخاذ خطوات كان من شأنها إرجاء المواجهة العسكرية في صيف 2014.

وتشير مسودة تقرير مراقب الدولة إلى رفض حكومة نتنياهو منح تسهيلات اقتصادية لقطاع غزة. كما تُبيّن أنّ أيّاً من المسؤولين الثلاثة، أو حتى الكابينت السياسي، لم يناقشوا بشكل عميق مسألة البحث عن مخرج يبعد الحرب، خصوصاً أن حركة حماس كانت تعاني قبيل الحرب من أزمة دفع رواتب العاملين في السلطة الفلسطينية في قطاع غزة من جهة، وتواجه حرب نظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي أغلق معبر رفح وبدأ بهدم الأنفاق الفلسطينية من جهة أخرى. وبحسب مراقب الدولة، كان من شأن موافقة إسرائيل على تحويل الأموال لموظفي حركة حماس، أو توسيع نطاق التجارة في معبر كرم أبو سالم أن ترجئ اندلاع المواجهة العسكرية.

وكان تقرير أغرناط في عام 1973 قد انتقد أداء رئيسة الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب، غولدا مئير، وحمّل كافة المسؤولية للجنرال زعيرا، علماً بأن مئير، بحسب الوثائق الإسرائيلية الرسمية، التقت العاهل الأردني الراحل، الملك حسين، في 25 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، وحذرها من نوايا مصر وسورية، لكنها فضلت تجاهل هذه التحذيرات. وزعم رئيس اللجنة القاضي أغرناط، يومها، أنه لم يكن يعلم بأمر هذا اللقاء عند تحميل كامل المسؤولية لشعبة الاستخبارات العسكرية.

اليوم، تتضمن مسودة التقرير الحالية، بحسب هرئيل، جهداً واضحاً وغير مفهوم أو مبرر، لتبرئة نتنياهو من مسؤولية أي إخفاق في إدارة العدوان، وتلقي بالمسؤولية على إخفاء المعلومات عن أعضاء الكابينت السياسي والأمني على المستوى العسكري، ومعهم وزير الأمن موشيه يعالون.


المساهمون