لبنان: 5 خلاصات سياسية للحكم بحق ميشال سماحة

10 ابريل 2016
عاد سماحة إلى السجن بعد خروجه منه بشهرين(حسين بيضون)
+ الخط -
ينتظر الحكم الصادر عن محكمة التمييز العسكرية على مستشار الرئيس السوري، الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، تعليقات فريق 8 آذار وفي مقدمتهم حزب الله الذي لم يتردّد، سابقاً، في الدفاع عن سماحة الذي أثبتت إدانته، بالصوت والصورة والوثائق، بالتحضير لأعمال إرهابية بعدما عمل على إدخال متفجرات من سورية إلى لبنان، بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن القومي السوري، علي المملوك. 

وحكمت محكمة التمييز العسكرية على سماحة بالسجن لمدة 13 عاماً بالأشغال الشاقة بالإضافة إلى تجريده من حقوقه المدنية، وسط تهليل فريق 14 آذار وقياداته بـ"نزاهة" القضاء والثقة به على الرغم من كون الحكم السابق الصادر عن المحكمة العسكرية لم يجرّم سماحة سوى بالسجن لأربع سنوات وستة أشهر. وتُحتسب المدة التي قضاها سماحة في السجن قبل خروجه، أخيراً، أي ثلاث سنوات ونصف، من ضمن 13 سنة، (دخل عام 2012 لغاية 2015)، مع الأخذ بالاعتبار أنّ سنة السجن في لبنان تُحتسب تسعة أشهر، وبذلك تكون المدة التي يجب أن يُسجن خلالها سماحة حوالي 6 سنوات و7 أشهر.

وبانتظار ردّ حزب الله ومن حوله من حلفاء النظام السوري، لا يختلف اثنان في لبنان على كون حكم مماثل أو أي قرار سياسي أو قضائي بهذا الحجم، يمكن أن يُتّخذ من دون موافقة مسبقة من حزب الله. وهو ما يدفع إلى القول إنّ "حلفاء سماحة تخلّوا عنه وأزاحوا عن أكتافهم وزر هذا الملف وتبعاته"، بحسب ما يتمّ التداول به في المجالس، تبعاً لمقولة إن "المدافع عن المجرم مجرم أيضاً". لكن فريقاً بحجم حزب الله، باتت نشاطاته العسكرية والأمنية تتجاوز الحدود ووصلت إلى العراق، والكويت، والإمارات، والبحرين بعد سورية والعراق، واليمن، قد لا يكون مهموماً بهذه المعادلة، ولا مشغولاً بتبرئة صفحته من أمثال سماحة.

وبالتالي فإنّ عوامل أخرى دفعت حزب الله إلى تمرير ملف سماحة بهذا الشكل، ونيله عقاباً أكثر تشدداً. ويمكن وضع هذه العوامل في هذا السياق، بحسب القراءات المقدّمة في بعض المجالس؛ أولاً، كون حزب الله يحاول رفع التهمة الموجهة إليه بأنه يسيطر على الدولة والمؤسسات، وعلى الجيش اللبناني تحديداً. وهي التهمة التي تحوّلت إلى عصب رئيسي للضغط على اللبنانيين، وفرض حصار سياسي وإعلامي عليهم، بدءاً من قرارات مجلس دول التعاون الخليجي، ووصولاً إلى قرارات الجامعة العربية وفروعها. حتى قيل إنّ الهبة السعودية للجيش اللبناني توقفت لإيمان المسؤولين السعوديين بأنّ شؤون المؤسسة العسكرية تُدار من قبل الحزب، خصوصاً أنّ كل أعمال حزب الله العسكرية تنطلق من لبنان وتمرّ تحت أعين الدولة وأجهزتها، حتى أنّ بعض المعارك التي خاضها الحزب على الحدود جاءت بالتنسيق مع الجيش وبدعم منه، والعكس.

ثانياً، التمسّك الجدي لحزب الله بحكومة الرئيس تمام سلام وعدم رغبة الحزب في إسقاط الدولة اللبنانية في الشغور الكامل بعد الشغور الرئاسي (الذي يفرضه الحزب منذ مايو/ أيار 2014 بفعل التغيّب عن حضور الجلسات الانتخابية وتعطيل نصابها)، والشلل على مستوى العمل التشريعي. وفي هذا الإطار، يمكن القول إنّ تيار المستقبل، بزعامة سعد الحريري، نجح في وضع ملف سماحة كورقة فعلية لاستمرار العمل الحكومي بعد استقالة وزير العدل المحسوب على المستقبل، أشرف ريفي، وتلويح الوزراء الآخرين المحسوبين على التيار بالاستقالة في حال التساهل في الحكم على سماحة بعد صدور القرار الأول عن المحكمة العسكرية التي اكتفت بسجن سماحة لأربع سنوات وستة أشهر.


ثالثاً، لا يمكن فصل ملف المحاكمة عن تطوّر العلاقة السياسية والانتخابية بين زعيم المستقبل، سعد الحريري، وحليف حزب الله والنظام السوري، النائب سليمان فرنجية، وترشيح الأول للثاني للاستحقاق الرئاسي. وتأتي ترجمة هذا التقارب من باب المحكمة العسكرية على اعتبار أنّ عدداً من الضباط المعنيين بملف سماحة محسوبون على فرنجية، وهو ما كان يطرح علامات استفهام حول دورهم الأساسي في إخلاء سبيل سماحة قبل إنهاء عمل محكمة التمييز العسكرية. لكن يبدو أنّ "التفاهم قام بدور رئيسي في إعادة سماحة إلى السجن"، بحسب ما يقول متابعون مقرّبون من المستقبل لـ"العربي الجديد". وبالتالي تمّ الأمر، وردّ فرنجية للحريري بعض "الدفعات" السياسية التي كان قد قدّمها الحريري للأول سلفاً، كإعلان ترشيحه من دون وجود أي مضمون واضح للمشروع الرئاسي، وتغطية استمرار تغيّب فرنجية عن حضور جلسات الانتخاب (تماشياً مع موقف حزب الله).

رابعاً، إصدار حكم مشدّد على سماحة ستكون له تبعاته في تشديد الأحكام المرتقبة على عدد من الموقوفين الإسلاميين لدى الدولة اللبنانية، وأبرزهم أحمد الأسير الذي خاض معارك عبرا (صيدا، جنوبي لبنان، عام 2013) بوجه الجيش، وكان على علاقة بمجموعات إسلامية متشدّدة في سورية. بالإضافة إلى موقوفين آخرين، مثل نعيم عباس (المسؤول عن عدد من التفجيرات التي ضربت ضاحية بيروت الجنوبية، الخزان البشري لحزب الله ومقرّ قيادته عند مدخل بيروت الجنوبي)، فضلاً عن المسؤول في كتائب عبدالله عزام (الجناح اللبناني لتنظيم القاعدة في لبنان)، جمال دفتردار، وغيرهم من الموقوفين والناشطين السابقين في الشبكات الجهادية والإسلامية المختلفة.

أمام هذه الوقائع، سيفتح الحكم على سماحة شهيّة القضاء العسكري في معاقبة أي متورّط جدي في الملفات الأمنية، مع العلم أنّ عدد هؤلاء بات بالعشرات، ولو أنّ التهم الموجهة إليهم متفاوتة بين "الاتصال والتنسيق مع مجموعات إرهابية"، و"الانتماء إلى مجموعات إرهابية"، أو "التحضير لعمليات إرهابية".

خامساً، يمكن لحكم سماحة وما قد يلحق من أحكام صادرة عن المحكمة العسكرية، أن تنهي النقاش الحاصل في لبنان منذ مدة عن ضرورة إعادة هيكلة النظام القضائي في لبنان، من خلال تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية، وإنشاء محاكم متخصصة في موضوع "الإرهاب" وغيره. وهو المشروع الذي عمل على إعداده وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي. وبالتالي يبدو صائباً ما يعبّر عنه بعض من يدورون في فلك حزب الله عن كون ملف سماحة خضع لـ"بيع وشراء في بازار ترشيح الحريري لفرنجية"، من دون أن يعني ذلك أنّ هذا النقد يمكن أن يعني بأي شكل أن الحكم على سماحة كان يجب أن يكون أقلّ تشدداً. فتمت العدالة في ملف سماحة، بناءً على تلك العوامل السياسية المتشابكة بين حزب الله والحريري وفرنجية وغيرهم.