خطة إخماد تظاهرات مصر... نجاح مؤقت واستنزاف أمني وسياسي

30 ابريل 2016
اعتمدت الخطة على اعتقال مجموعات من الشباب(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
جاءت مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الأربعاء، في افتتاح مقرّ وزارة الداخلية الجديد الفخم بالقاهرة الجديدة، تأكيداً على رضاه عن الكيفية التي استطاعت بها الشرطة إخماد دعوات التظاهر يوم الاثنين. وذلك بعد توزيع الآلاف من عناصرها السرية والعادية، بالزي المدني، للسيطرة على جميع الشوارع والميادين بالقاهرة، والتصدّي مبكراً لأي تجمعات واعتقال المئات من الشباب، من دون الحاجة لإطلاق أعيرة الخرطوش أو الرصاص، بما يُعدّ تطوراً جديداً طرأ على تعامل الشرطة المصرية مع التظاهرات.

اللافت، أن السيسي، خلال استعراضه مخططات تأمين المقر الجديد للوزارة الذي يقع داخل أكاديمية الشرطة خلف أربعة أسوار من الخرسانة، اعترض على حديث وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، في شأن تخصيص ألف مجند أمن مركزي، لتأمين المقرّ ضد أي هجمات أو أعمال إرهابية. واعتبر أن "هذا العدد ضخم جداً، ويكلّف الدولة كثيراً من الأموال، وأن الأكثر منطقية هو الاستعانة بنظم تأمين تكنولوجية حديثة".

ما انتقده السيسي على نطاق ضيّق في تأمين مقرّ وزارة، هو نفسه ما وافق على تطبيقه على نطاق واسع يشمل العاصمة بالكامل يوم الاثنين. ووفقاً لمصادر أمنية مطلعة، فإن الشرطة استعانت في تفريق المتظاهرين والسيطرة على التجمّعات المعارضة الصغيرة قبل تمددها، بنحو 30 ألف عنصر شرطي في القاهرة فقط، ما بين مجند ورقيب وأمين شرطة ومخبر سري، غير قوة الضباط التقليدية. كما أن جميع العناصر الشرطية التي ارتدت الزي المدني العادي (المعروف في مصر بالزي الملكي)، صُرفت لها مكافآت مالية مضاعفة، نظراً للمجهود الذي بذلته في إخماد التظاهرات قبل انطلاقها. واعتبر الإعلام الحكومي، وكذلك وزارة الداخلية، أن "الشرطة نجحت في التصدي للتظاهرات". كما تم الترديد أنّ المتظاهرين فشلوا في الحشد، على الرغم من أن النظام لم يمنح المعارضة أي فرصة للحشد عبر وأد التجمعات.

في هذا السياق، توضح مصادر أمنية، لـ"العربي الجديد"، أنه "من ناحية التكاليف المادية وتكلفة الجهود البشرية، فإن يوم الاثنين الماضي، كان غير مسبوق، بالنسبة لأيام التظاهرات منذ عام 2013، وذلك على الرغم من عدم الاضطرار للدخول في معارك بالأسلحة النارية، بسبب إنفاق الوزارة كثيراً من الأموال على استخدام الأفراد لمدة يوم كامل تقريباً في الشارع، بالإضافة إلى استنزاف جهود الضباط والأفراد في مراقبة أماكن التجمعات الصغيرة وملاحقتها". وتختلف الخطة التي اتبعتها الداخلية يوم الاثنين، عن الخطط المعتادة التي كانت تتبنّاها للتعامل مع التظاهرات والموروثة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

في السابق، كانت الشرطة تترك المتظاهرين ليتجمّعوا قبل تضييق الشوارع والميادين عليهم، وإغلاقها بواسطة ناقلات الجنود الكبيرة، قبل تطويق المجموعات الكبيرة مانعة اتصالها ببعضها، ثم تستخدم الأسلحة تدريجياً لفضّ التجمعات. أما يوم الاثنين، فشهد تواجداً مكثفاً لأفراد الأمن في كل مكان بالعاصمة، ما مكّنهم من اعتقال أي أعداد ضئيلة كانت تحاول التجمّع للتظاهر، وذلك قبل تجمّع المتظاهرين وتمدّد المسيرات.

غير أن مراقبين سياسيين وحقوقيين مصريين يرون أن هذه الطريقة، وإن حققت للشرطة مرادها ليوم واحد، إلاّ أنها لا تستطيع المضي قدماً فيها إذا تعلق الأمر بتظاهرات تستمرّ أياماً عدة، وأن المعارضة المنظمة ممثلة في الأحزاب السياسية أو نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والشباب الجامعي وما دون الجامعي (وهو يمثل الأغلبية ممن نزلوا الشارع الاثنين الماضي) سيطورون أدواتهم بمرور الوقت للتكيف مع طريقة الشرطة الجديدة. ويوضح مراقبون في أحاديث مع "العربي الجديد" خلال اليومين الماضيين أن "الشرطة تراهن بطريقتها الجديدة على عاملين أساسيين، هما انخفاض عدد المشاركين في التظاهرات، وقدرة أفراد الشرطة على الخدمة لفترات طويلة". كما يشيرون إلى أنه إذا طرأ أي تغيير على هذين العاملين، سواء بالزيادة الضخمة في عدد المتظاهرين أو استمرار التظاهرات أياماً عدة في الشارع، فلن تجد الشرطة بداً من المواجهة المباشرة والقمع بالسلاح، وهو ما ينتهي دائماً لمصلحة المتظاهرين.

ويضع مراقبون هذا التحليل في سياقه التاريخي، بالإشارة إلى ما حدث في 28 يناير/كانون الثاني 2011، المعروف بيوم "جمعة الغضب"، حين كانت الشرطة قد بدأت مواجهة المتظاهرين بطريقتها المعتادة آنذاك، إلاّ أن الزيادة المطردة في عدد المتظاهرين وتعدد أماكن التجمع في وقت واحد، أفشلت خطة الفصل بين التجمّعات، وخارت قوى أفراد الشرطة.

ويعتبر مراقبون أن "الطريقة الجديدة التي ينتهجها النظام للتصدي للتظاهرات لا تستنزف فقط جهود أفراد أمنه، بل تستنزف أيضاً صلاحيته وشرعيته السياسية، لأنها تظهره بمظهر النظام الخائف من تجمعات صغيرة مكونة من شباب في مقتبل حياتهم، يخرج كثيرون منهم للمطالبة بإصلاح النظام وسياساته وليس إسقاطه، كما تكرس صورة نظام السيسي أمام العالم كمناهض لحرية الرأي والتعبير ومتعمد لسد الأفق السياسي وغلق المجال العام".

في السياق ذاته، يعتبر مصدر حكومي أمني أن "اعتماد الدولة على طرق أمنية فقط لكبح غضب الشباب، يمثل إهانة لذكاء المواطنين والعالم، ويعرّض النظام لخطر السقوط المبكر". كما يرى أن "هناك أجهزة داخل النظام، وفي مقدمتها الأمن الوطني، تقف أمام أي محاولات لتقريب المسافات بين الشباب والدولة، فتارة تعارض الإفراج عن الشباب المسجونين بقرارات عفو رئاسية، وتارة أخرى تستهدف اعتقال مجموعات من الشباب صغار السن في المرحلة الجامعية أو الثانوية، في محاولة لتخويف الجيل الجديد من الشباب بعد خلع مبارك وبالتزامن مع التغيرات السياسية التي طرأت بعد عام 2013". ويؤكد المصدر أن "استهداف الشباب في هذا العمر أصبح واضحاً، لكونه يتجمّع على قلب رجل واحد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تستطيع الحكومة مراقبتها بشكل كامل".

ويبدو أن هذا الاستهداف يتم بالفعل وفق تعليمات عليا وبصورة ممنهجة. ويظهر استعراض أسماء الشباب المقبوض عليهم خلال الأسبوع الحالي أنّ نسبة لا تقل عن 80 في المائة منهم دون سن العشرين، وأن 90 في المائة منهم لا ينتمون لأي أحزاب أو تيارات سياسية يسارية أو إسلامية. كما أن محاضر التحريات المقدمة عنهم من جهاز الأمن الوطني اقتصرت على مدّونات نشروها على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.

وتؤكد المؤشرات الميدانية واستمرار استهداف الشريحة اليافعة من الشباب، الذين كانوا أطفالاً وقت خلع حسني مبارك منذ 5 سنوات فقط، إلى اتساع الهوة بين نظام السيسي والشباب في العام الذي أطلق عليه "عام الشباب"، مكتفياً بضم مئات الشباب غير المصنف سياسياً لبرنامج إعداد القادة، وبالشروع في إنشاء مؤسسة قومية حكومية للشباب تعيد توليد تجارب منظمة الشباب في العهد الناصري وجمعية جيل المستقبل في عهد مبارك. ويؤكد استهداف الشرطة لهذا العدد الكبير من الشباب غير المنتمي لأحزاب وتيارات معروفة أن المواجهات المقبلة، لن تكون بالضرورة منظمة بين الدولة وتيارات بعينها، بل قد تؤدي السياسات الحالية إلى اتساعها لتصبح مواجهة أشمل بين جيل جديد ونظام مصمم على اعتناق أفكار قديمة.