الأزمات تحاصر هولاند: شعبية متدنية ومستقبل رئاسي مهدد

01 مارس 2016
هولاند تعرض لشتائم خلال تدشينه معرض الفلاحة (أوروليان مونيه/Getty)
+ الخط -
كان مشهد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وهو يتعرض لوابل من الشتائم والهتافات المعادية، أثناء تدشينه معرض الفلاحة في باريس يوم السبت الماضي، معبراً عن الوضعية الحرجة التي بات يعيشها. وبعد ثلاثة أشهر على اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني التي رفعت من شعبيته، هوى هولاند مجدداً في كل استطلاعات الرأي، وآخرها استطلاع أجرته مؤسسة "أودوكسا"، نُشر الثلاثاء الماضي. وأظهر أن 80 في المئة من الفرنسيين، أي أربعة من بين كل خمسة فرنسيين، يعتبرون بأن هولاند رئيس سيئ. وفي استطلاع آخر لمؤسسة "إيفوب-فيدوسيال"، تبين أن هولاند سيكون غائباً في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال مواجهته الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، أو عمدة بوردو، رئيس الوزراء السابق، آلان جوبيه أو حتى رئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبان.

اقرأ أيضاً: "حرب أهلية" سياسية في البيت الاشتراكي الفرنسي

والواقع أن هولاند خسر سريعاً الرأسمال الرمزي الذي منحته إياه اعتداءات نوفمبر، وما تلاها من قرارات أمنية مطمئنة في ظل الهلع الكبير الذي خلّفته الاعتداءات في صفوف المواطنين الفرنسيين.
ويعزى تدهور شعبية الرئيس الفرنسي إلى أسباب عدة يمتزج فيها السياسي بالاجتماعي. ولعل الخطأ السياسي الكبير الذي ارتكبه هولاند في عُرف المراقبين السياسيين هو تشبثه بالتعديل الدستوري وتضمينه بند سحب الجنسية عن الفرنسيين المتورطين في أعمال إرهابية. فقد تسبب هذا البند في جدل غير مسبوق في الساحة السياسية الفرنسية، معمقاً من هوة الخلافات في صفوف العائلة الاشتراكية. كما أن البند تسبب بامتعاض كبير في صفوف ملايين الفرنسيين من حملة الجنسيات المزدوجة الذين اعتبروا أن هذا البند يجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية وأشخاصاً مشتبه في ولائهم للدولة الفرنسية إلى أن يثبتوا العكس.
وبسبب هذا البند تحديداً استقالت وزيرة العدل كريستيان توبيرا، الوجه اليساري الوحيد في حكومة مانويل فالس، بعدما اعتبرت أن البند خيانة كبرى للمبادئ الإنسانية والقيم التي يدافع عنها اليسار. وانقسم الحزب الاشتراكي بين مؤيد ومعارض لهذا البند، ما أضرّ كثيراً بمكانة هولاند باعتباره المسؤول الأول عن إطلاق هذه الفكرة التي كانت حتى عهد قريب مطلباً أساسياً لليمين المتطرف. وعلى الرغم من أنّ البرلمان وافق أخيراً على إدراج هذا البند في التعديل الدستوري، فإنه من غير المضمون أن يحظى بموافقة مجلس الشيوخ ذي الغالبية اليمينية، خلال شهر مارس/آذار الحالي. وفي حال رفض البند، فسيشكل ذلك خسارة مدوية للرئيس الفرنسي تُضاف إلى سجل هزائمه الأخرى.

كذلك تعرض هولاند الأسبوع الماضي إلى ضربة قوية من عمدة مدينة "ليل"، الوزيرة السابقة مارتين أوبري، التي نشرت مقالاً نارياً، برفقة عدد من الوجوه الاشتراكية واليسارية البارزة، انتقدت فيه حصيلة ولاية هولاند الرئاسية وحكوماتها المتعاقبة. وانتقدت أوبري بشكل خاص الأداء الاشتراكي "السيئ"، على حد وصفها، في ما يخص قضية سحب الجنسية ومسألة اللاجئين، معتبرةً أن الولاية الاشتراكية أضعفت الحزب واليسار بشكل عام، وهي تمهد الطريق لهزيمة مدوية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

في موازاة ذلك، يدفع هولاند ثمن السياسات الحكومية على المستوى الاجتماعي، وهو ما عكسته شتائم الفلاحين خلال تدشينه معرض الفلاحة. فالقطاع الفلاحي الفرنسي يعيش منذ عامين أزمة خانقة بسبب تدهور أسعار المنتجات الفلاحية والألبان واللحوم. وتعتبر نقابات الفلاحين أن الرئاسة الفرنسية لا تتدخل بما فيه الكفاية لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي للدفاع عن المنتجات الفلاحية الفرنسية، كما أنها عاجزة عن وضع خطة ناجعة لإنقاذ القطاع من أزمته الخانقة. ويشكل الفلاحون شريحة انتخابية مهمة تتمتع بشعبية كبيرة في فرنسا. ولا شك أن نقمتها على هولاند ستصل إلى مكاتب الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كذلك يواجه هولاند غضباً متزايداً في أوساط الطبقات الشعبية الفرنسية التي تعاني من البطالة وتدهور القدرة الشرائية. وتأجج هذا الغضب مع إطلاق وزيرة العمل، مريم الخمري، مشروع قانون لتعديل قانون العمل من دون استشارة النقابات بهدف إنعاش سوق العمل. وينص هذا المشروع على تخفيف الأعباء الضريبية عن الشركات ومنح المزيد من الصلاحيات لأرباب العمل تتيح لهم الاستغناء عن العمال والأجراء بسهولة من دون التعرض لمساءلات قانونية مُلزِمة فضلاً عن اعفائهم من دفع ثمن الساعات الإضافية. ولم يحمل مشروع القانون أي مساعدات للعمال والمستخدمين بل ضاعف من هشاشتهم في وجه المُشَغِلين. وإذا كان هذا المشروع يلاقي دعم منظمة أرباب العمل واليمين بشقيه التقليدي والمتطرف، فإنه يواجِه انتقادات شديدة في صفوف اليسار والتيار اليساري داخل الحزب الاشتراكي الحاكم نفسه.

وفي ظل هذه الظروف، يجد هولاند نفسه، على بعد 14 شهراً من الانتخابات الرئاسية، في وضع في غاية الهشاشة. وتتمثل مشكلة هولاند الكبرى الآن في إسماع كلمته داخل الحزب الاشتراكي بعد أن قويت أخيراً شوكة المناهضين له واعلان مارتين أوبري، أمس الاثنين، انسحابها برفقة أنصارها من قيادة الحزب. وإذا وجد هولاند نفسه مضطراً لخوض انتخابات تمهيدية في الحزب الاشتراكي في مواجهة منافسيه، ولا سيما من الشبان مثل بونوا هامون، فإنه من غير المضمون أن ينجح في فرض نفسه كمرشح أوحد للاشتراكيين في الاقتراع الرئاسي المقبل. ويشكل هذا التحدي الكابوس الذي سيؤرقه، كما هو، متوقع لشهور طويلة.

اقرأ أيضاً: "لوموند": فرنسا تنفذ عمليات عسكرية سرية في ليبيا