اتفاق أنقرة باب أمل للسوريين

30 ديسمبر 2016
دفع السوريون ثمناً باهظاً من أجل الحرية(عبد دوماني/فرانس برس)
+ الخط -

جاء توقيع اتفاق أنقرة من أجل وقف إطلاق نار شامل في سورية ليُحدث حالةً واسعةً من الارتياح في أوساط الغالبية العظمى من السوريين التي تتوق إلى نهاية للمأساة، تضع حداً للقتال، وتفتح طريقا نحو الحل السياسي.

وأثار الخبر صدمة إيجابية، ليس لدى السوريين فقط، بل في شتى أرجاء العالم الذي أصابته، بدرجات متفاوتة، شظايا الحرب التي أهلكت الأخضر واليابس في هذا البلد الذي ثار أهله من أجل الكرامة والحرية، فوقعوا في كمين دموي لا مثيل له في التاريخ على يد عصابة من القتلة المحترفين على رأسهم بشار الأسد.

بدا الاتفاق لحظة الإعلان عنه ظهر أمس، أول فرصة جدية، يمكنها أن توقف شلال الدم السوري والحرب التدميرية التي لم يسلم منها سوري، عدا عن أنها جعلت من سورية أرضاً مستباحة من القاصي والداني. وقْفُ القتل صار أمراً لا يمكن المساومة عليه بأي مقياس، ويتلوه رفع الحصار عن قرابة مليون سوري منهم 400 ألف في الغوطة وحدها يعيشون منذ أربعة أعوام بلا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب.

وبعيداً عن كل الحسابات السياسية يشكل وقف النار لوحده إنجازاً كبيراً، بالنسبة لكافة السوريين، سواء كانوا مع المعارضة أو في معسكر النظام، أو الذين يقفون على الحياد. هناك فئة محدودة مستفيدة من استمرار الحرب. أما السواد الأعظم فإنهم يبحثون عن حل، يريدون وضع الحصان أمام العربة، وكلهم ثقة أن العربة ستجد الطريق الصحيح، وستصل إلى الطاحونة.

لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً من أجل الحرية. ضحوا ببطولة لا مثيل لها، ولم يبخلوا بشيء، ولكنهم تعرضوا إلى خيانة من الولايات المتحدة التي تتزعم ما كان يطلق على نفسه العالم الحر، وصاحبة الدور والتأثير الذي لا يُضاهى على الصعيد الدولي، فهذه الدولة العظمى التي تتولى منذ الحرب العالمية الثانية دور القيادة الكونية تخلت عن أبسط واجباتها تجاه شعب أعزل، ولم تقم بنجدته وحمايته من القتل الذي تجاوز كل ما يحفل به قاموس البربرية، وتركته يتعرض لحرب إبادة وتهجير، وكان في وسعها منذ عام 2012 أن توقف القتل من دون أن تكلف نفسها عناء إرسال جندي أميركي واحد.



ست سنوات تحولت فيها سورية إلى مسلخ للمجرمين الذين فتح لهم نظام بشار الأسد الأبواب، وأباح لهم دم الأبرياء السوريين فجاؤوا من شتى الأصقاع تحملهم الدعاية الطائفية الإيرانية.
يأمل السوريون أن تتوقف الحرب غداً لكي يرجعوا إلى بلدهم. لن تكون المسألة سهلة، فالوحوش لا تزال فالتة في الشوارع، ذئاب حزب الله ومليشيات قاسم سليماني التي جمعها من العراق وباكستان وأفغانستان تريد الاستمرار في الحرب لأن سورية باتت بالنسبة لهم خط دفاع عن طهران، وهم يعملون على شق طريق بري يمتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد وحلب ودمشق.

ومن هنا كان فصل التهجير المخزي لأهل شرقي حلب، وما رافقته من ممارسات من طرف مليشيات حزب الله التي تمددت حتى مدينة الحسكة، وبالنسبة لهؤلاء فإن وقف النار هو بداية لتراجع مشروع إلحاق سورية بإيران. وهذا أمر لا يراه السوريون سهلاً، وهم الذين عاشوا حرب التطهير الطائفي الإيراني التي بدأت من معركة القصير في ريف حمص عام 2013، وتتواصل في وادي بردى هذه الأيام.

إذا توقف إطلاق النار ولمس الناس أن هناك فرصة للأمان فإن الطرق سوف تغص بالعائدين، ومن دون شك ستكون القوافل الأولى من اللاجئين في بلدان الجوار، لبنان، الأردن، العراق، ومصر. وبعيداً عن التشهير بأحد فإن ما تعرض له اللاجئون السوريون من معاملة غير إنسانية، لا يمكن أن يتجاوزه الزمن سريعاً، وسوف يحفر عميقاً في وجدان الناس الذين واجهوا التمييز والعنصرية والعنف، وخصوصاً من جانب أوساط رسمية وحزبية.

في المقابل، تظل تركيا هي الحاضنة الأولى لآلام الشعب السوري، وعلى الرغم من أنها استقبلت قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري وتحملت عبئاً اقتصادياً واجتماعياً فوق طاقتها بكثير، فإنها بقيت تتعامل مع السوريين على نحو أفضل من كل منظمات الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين، بل إنها ساوتهم مع مواطنيها في ما يخص الصحة.


المساهمون