هيلاري كلينتون... الابنة الشرعية لـ"الإستابلشمنت"

08 نوفمبر 2016
كلينتون في محطة من محطات حملتها الانتخابية (ميلينا مارا/Getty)
+ الخط -
في ختام دعاية تلفزيونية انتخابية بثّتها محطات التلفزة الأميركية باسم مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، يوجّه المسلم الأميركي عزيز خان، سؤالاً لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، حول "ما إذا كان ثمة مكان في أميركا العظيمة لجثمان ابنه الجندي في الجيش الأميركي الذي قُتل في العراق". شكّلت عائلة خان، ذات الأصول الباكستانية، عنواناً بارزاً في حملة كلينتون الانتخابية، منذ المرافعة عن المسلمين في الولايات المتحدة، التي قدّمها عزيز خان من على منصة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في كليفلاند في ولاية أوهايو، التي لاقت أصداءً واسعة في الرأي العام الأميركي، واعتُبرت مؤشراً على تشكّل خطاب وطني أميركي للمسلمين في الولايات المتحدة. وقد التقطت مرشحة الحزب الديمقراطي لحظة انكسار خطاب ترامب العنصري ضد المسلمين أمام قضية خان، وتبنّته، جاعلة من الدفاع عن صورة المسلمين في الولايات المتحدة، بنداً في خطابها الانتخابي، إلى جانب بنود الدفاع عن الأقليات الأخرى من الأصول الأفريقية واللاتينية.

لا يتعلق الأمر بالحسابات الانتخابية فقط أو استقطاب أصوات الناخبين الأميركيين المسلمين، المفترض أن اقتراعهم في انتخابات الرئاسة اليوم، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، سيكون ضد المرشح الذي يهدد خطابه الانتخابي مستقبلهم ومستقبل أولادهم في أميركا. لم يترك المرشح الجمهوري للمسلمين في أميركا خياراً آخر غير انتخاب كلينتون وبذل كل ما يمكنهم كي تلحق الهزيمة به. في المقابل، يعد ترامب أنصاره بأنه عندما يصل إلى البيت الأبيض، سيفرض إخضاع المسلمين في أميركا لفحوص أيديولوجية ومعرفة مدى تعلقهم بالثقافة الأميركية وحبهم للشعب الأميركي. كما يعد بمراقبتهم بشكل دائم والتعامل معهم على أنهم قنابل موقوتة يجدر الابتعاد عنها وعزلها. لا يطمح ترامب إلى الحصول على أصوات الناخبين المسلمين الذين بالكاد يشكلون 3 في المائة من سكان الولايات المتحدة، وهو يفضل الاستثمار في التحريض ضدهم، لكسب ولاء اليمين الأميركي والمجموعات العنصرية المتطرفة من البيض، الذين ما زالوا هم الأغلبية ويشكلون أكبر قوة ناخبة.

يأخذ منتقدو كلينتون عليها بشكل أساسي دورها عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية في الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما، التي شهدت انقلابات وتغييرات جذرية في السياسات الخارجية الأميركية، خصوصاً في الشرق الأوسط. ويحمّلها ترامب مسؤولية الفوضى التي تلت الإطاحة بالعقيد الليبي معمّر القذافي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وما يقول إنه إصرارها على الإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذلك تصويتها في الكونغرس إلى جانب قرار الحرب على العراق للإطاحة بصدام حسين عام 2003، عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيويورك.

كما توجّه إليها الانتقادات بسبب العلاقات التي نسجتها من خلال منصبها في وزارة الخارجية مع شخصيات عالمية ورجال أعمال، قدّموا تبرعات بملايين الدولارات لصالح مؤسسة كلينتون الخيرية. وفي هذا السياق، يتهم مرشح الحزب الجمهوري وزيرة الخارجية السابقة بتلقي أموال من دول ومن زعماء ورجال أعمال عرب. وتحيط مرشحة الحزب الديمقراطي نفسها بعدد لا بأس به من المساعدين من الأميركيين المسلمين، ومن أبرز هؤلاء مساعدتها القريبة جداً، هوما عابدين، المتحدرة من أصول هندية وباكستانية. حتى أن خصوم كلينتون، من اليمين الأميركي المتطرف، روّجوا شائعات عن نيتها تعيين عابدين على رأس الدبلوماسية الأميركية، في حال فوزها في انتخابات الرئاسة، لتكون أول مسلمة تتبوأ منصب وزيرة الخارجية الأميركية.

وتتعرّض كلينتون لوابل من الانتقادات من اليمين ومن اليسار بسبب علاقاتها مع رجال الأعمال وأصحاب المصارف ورؤوس الأموال في وول ستريت. وقد نشر موقع ويكيليكس أخيراً، مجموعة من خطابات كلينتون أمام وول ستريت، التي تلقت بالمقابل ملايين الدولارات، حتى أن حملة السيناتور بيرني ساندرز ضدها خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، تركزت على المطالبة بنشر تلك الخطابات. أما ترامب فيذهب بعيداً جداً في توصيف العلاقة بين كلينتون ولوبيات الضغط المالي في الولايات المتحدة والعالم. وهو يرى أنها في قلب شبكة مصالح دولية وأنها تقود "مؤامرة كونية لسرقة ثروات الولايات المتحدة".

ومن الانتقادات التي تواجهها كلينتون بأنها "تُشكّل نموذجاً مثالياً للطبقة السياسية الأميركية التقليدية"، وتتهم من اليمين واليسار، على حدّ سواء، بأنها "الابنة الشرعية للنظام السياسي الأميركي ومؤسساته"، أو تحديداً ابنة "الاستابلشمنت". لكن مؤيديها يرون أن قوتها السياسية تكمن في هذا الجانب من سيرتها، التي تجعلها قادرة على جمع التناقضات وإيجاد تسويات بين الجمهوريين والديمقراطيين، من أجل تسيير شؤون الحكم وتامين مصالح الأميركيين.

وقد سجّلت كلينتون سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد إعلان ترشحها رسمياً عن الحزب الديمقراطي لتصبح أول امرأة أميركية يختارها أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، لخوض السباق باسمه إلى البيت الأبيض. على أن الرهان الأكبر لدى كلينتون ونساء أميركا، هو في أن تصنع التاريخ اليوم، وتكون أول سيدة يختارها الأميركيون لأعلى منصب سياسي في الولايات المتحدة.

ولدت هيلاري كلينتون في شيكاغو، في ولاية إيلينوي، من عائلة متوسطة الحال ومحافظة. كان والدها هيو السوورث رودهام، رجلاً متديناً يملك مصنعاً صغيراً للمفروشات، بينما عملت والدتها دوروثي هول في خدمة المنازل في صباها، بعدما تركها أهلها في سنوات طفولتها الأولى. وقد انطبعت التجربة الحياتية الصعبة للأم في شخصية هيلاري، وحفّزتها لدخول معترك السياسة باكراً، فتقرّبت من الجمهوريين أولاً ثم الديمقراطيين لاحقاً، في سنوات النضال الطلابي في الجامعة. هناك درست القانون وتعرفت إلى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وتزوجا عام 1975، ليؤسسا معاً عائلة سياسية لم تغب عن المشهد الأميركي العام منذ أربعة عقود. وإلى جانب شريكها في الحياة والسياسة، تدرجت هيلاري من موقع سياسي إلى آخر، من السيدة الأولى لولاية أركنساس بعد انتخاب بيل كلينتون حاكماً لها، إلى السيدة الأميركية الأولى عام 1992، بعد وصول بيل إلى البيت الأبيض.

وقد أظهرت هيلاري في فترة إقامتها في البيت الأبيض قوة شخصيتها وصلابتها وحنكتها السياسية. وعلى الرغم من تعرضها للخيانة الزوجية، إلا أنها وقفت إلى جانب زوجها في مواجهة الحملة التي تعرض لها، بعد فضيحة علاقته الجنسية بمونيكا لوينسكي، الموظفة السابقة في المقرّ الرئاسي.

ومع انتهاء الولاية الرئاسية الثانية لبيل كلينتون عام 2000، ترشّحت هيلاري لانتخابات مجلس الشيوخ ومثلت نيويورك في المجلس، إلى حين ترشحها للانتخابات الرئاسية عام 2008، ومنافسة باراك أوباما على نيل ترشيح الحزب الديمقراطي، إلا أنها لم توفق وأعلنت انسحابها من السباق والالتحاق بحملة أوباما الانتخابية.

وشغلت كلينتون خلال الفترة الرئاسية الأولى لأوباما منصب وزيرة الخارجية الأميركية، وكان لها دور كبير في دعم الثورات العربية خلال الربيع العربي. لكن الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية، ومقتل أربعة دبلوماسيين أميركيين، بينهم السفير الأميركي في ليبيا عام 2012، كريستوفر ستيفنز، عرّض تجربة كلينتون في وزارة الخارجية لانتقادات شديدة من قبل الجمهوريين. كما شُكّلت لجان تحقيق في الكونغرس، إلا أن وزيرة الخارجية السابقة أثبتت عدم ارتكاب أي مخالفة أو تقصير في مهامها، بيد أن التحقيق في هجوم بنغازي كشف استخدام وزيرة الخارجية السابقة بريدها الإلكتروني الخاص، خلال عملها في الوزارة، ما شكّل بداية لقضية رسائل البريد الإلكتروني التي لم تنتهِ بعد.

المساهمون