عودة التفجيرات إلى بغداد: فشل أمني ورعب في الشارع

07 أكتوبر 2016
وصف الانتشار الأمني بالأكبر منذ سبتمبر 2014(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
تعود سلسلة التفجيرات والاعتداءات في بغداد مجدداً لتنشر الرعب والقلق بين سكان العاصمة، بعدما أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. وتتعزز المخاوف وسط عجز واضح لقوات الأمن ومليشيات الحشد الشعبي، والتي تمسك بأجزاء من أمن العاصمة، عن إيقافها بالتزامن مع تحذيرات من تكرارها مرة أخرى.

وسجلت الاعتداءات الانتحارية، أو التي نفذت بواسطة العبوات والسيارات المفخخة في بغداد، تصاعداً غير مسبوق من حيث عددها، ليرتفع عدد الضحايا في الأسبوعين الماضيين إلى أكثر من 150 قتيلاً وجريحاً غالبيتهم من المدنيين.

مناطيد وطائرات مراقبة و60 ألف مسلح
واستيقظ سكان العاصمة بغداد، قبل أيام، على مشهد يُذكر بأيام الاحتلال الأميركي للبلاد، إذ ارتفعت ثلاثة مناطيد مراقبة في مناطق غرب ووسط وجنوب العاصمة. في موازاة ذلك انتشرت وحدات من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية والقوات الخاصة "سوات" وجهاز مكافحة الإرهاب فضلاً عن وحدات جهاز الأمن الوطني وعناصر مليشيات الحشد الشعبي في مناطق بغداد كافة بواقع أكثر من 60 ألف عنصر.

ونالت مناطق العاصمة المهمة النصيب الأكبر من هذا الانتشار، الذي وصف بالأكبر من نوعه منذ سبتمبر/أيلول عام 2014، عندما وصل فيه تنظيم "داعش" إلى أسوار العاصمة وهدد باقتحامها قبل تدخل الطيران الأميركي وإبعاده عنها.
كما ساهم الطابور الخامس في بثّ حالة من الرعب والخوف بين العراقيين عقب تجدد التفجيرات التي حصدت 81 قتيلاً وجريحاً في منطقتي البياع وبغداد الجديدة مستهدفة تجمعات للمدنيين. وفشلت الحكومة العراقية في طمأنة سكان بغداد حول سيطرتها على الوضع بعدما التزمت الصمت إزاء الأخبار المتداولة حول وجود اعتداءات جديدة ستضرب بغداد، عززها إغلاق الطرق والاختناقات المرورية ومنع قوات الأمن تجمع المواطنين لأكثر من خمسة أشخاص. وأضيف إلى ذلك إلزام المحال التجارية والمقاهي والمجمعات التجارية بنصب كاميرات المراقبة وفرض رقابة مشددة على الأسواق. كما أغلق محيط المنطقة الخضراء فضلاً عن عدد من الشوارع والجسور المهمة بواسطة كتل خرسانية وأسلاك شائكة.


معلومات أميركية عن تهديد "داعش" بغداد

ووفقاً لمصادر عسكرية رفيعة في قيادة عمليات بغداد، فإن الحكومة تلقت معلومات من الجانب الأميركي تؤكد نية تنظيم داعش تنفيذ هجمات واسعة في ذكرى عاشوراء. وقال ضابط عراقي في قيادة عمليات بغداد لـ"العربي الجديد" إن "المعلومات تشير إلى دخول عدد غير قليل من عناصر داعش إلى داخل بغداد بواسطة هويات ومركبات لعناصر من مليشيات الحشد الشعبي قامت بأسرهم على طريق عام شمال محافظة صلاح الدين قبل مدة وصادرت هوياتهم وسياراتهم بعدما قتلتهم". وبحسب الضابط نفسه أدخل تنظيم داعش بواسطة هذه السيارات أسلحة ومتفجرات فضلاً عن مسلحين بعدما تمكن من المرور بشكل سلس من نقاط التفتيش على مداخل العاصمة. ولفت إلى أن "الحكومة طالبت بالتكتم على هذه المعلومات والعمل على العثور على المسلحين لكنهم تبخروا في بغداد ولا أثر لهم".

وأفاد الضابط العراقي، أن المعلومات تشير إلى أن عناصر "داعش" يقومون بالتحضير لاعتداءات كبيرة وقد تكون سلسلة التفجيرات التي ضربت العاصمة أخيراً مجرد بداية أو تمهيد رداً على خسارتهم الشرقاط أو على مقتل الرجل الثاني في التنظيم، أبو محمد العدناني، بغارة أميركية في شهر أغسطس/آب الماضي. وأوضح أن "القيادة قررت اتخاذ سلسلة إجراءات أمنية مشددة في إطار بحثها عن تلك السيارات لإحباط الهجوم". وأشار إلى أن "الخطة ركزت على مضاعفة عدد الحواجز الأمنية المتنقلة وفرض إجراءات شديدة من خلال تفتيش كافة السيارات التي تمر عبر تلك الحواجز". وذكر أنه "تم أيضاً تنفيذ عمليات تفتيش في عدد من المناطق السكنية والبحث عن المشتبه بهم". ولفت إلى أن "هذه الإجراءات أربكت بالفعل الشوارع في العاصمة وتسببت باختناقات مرورية كبيرة، لكنها اتخذت حرصاً على حياة المواطنين وحماية لهم".

انتقادات فشل إجراءات قوات الأمن
من جهته، ندد النائب عن ائتلاف الوطنية، عبدالكريم عبطان، في حديث إلى "العربي الجديد"، "باتخاذ إجراءات أمنية تقليدية وعدم تطوير وتحديث الخطط في إدارة الملف الأمني". ولفت إلى إن "خطط الحواجز الأمنية وما تتسبب به من واختناقات مرورية أصبحت، اليوم، لا تجدي نفعاً أمام تطور خطط الإرهاب". وأكد أن "القوات الأمنية لم تواكب التطور ولم تستطع وضع حد للإرهاب". وأشار الى أن "القوات تترك الحدود العراقية مفتوحة على مصراعيها ولم تعمل على ضبطها، كما أن الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة طاول الأجهزة الأمنية كباقي المؤسسات، وما رأيناه من فساد في أجهزة كشف المتفجرات يكشف عن ذلك". وشدد على أن "كل ذلك يستدعي وقفة جدية على الملف الأمني والعمل على تطوير أدائه لمواجهة التحديات الأمنية الخطيرة".

بدوره، انتقد الخبير الأمني، سنان الجنابي، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، "تمسك القوات الأمنية بإجراءاتها التقليدية التي لا تخدم سوى الإرهاب عبر خلق حالة من الزحام الشديد وتعريض المواطنين الى الاستهداف". ولفت إلى أن "وسائل الإرهاب وطرقه تتطور يومياً، بينما وسائل الدفاع والخطط التي تتخذ لمواجهته تتراجع وتتمسك بنفس الأسلوب الذي لم يجد نفعاً منذ سنوات عدة". كما استغرب من "تمسك الحكومة والقيادات الأمنية بهذه الأساليب وعدم تحديثها لتكون على قدر مواجهة خطط الإرهاب". وأشار الى أن "مواجهة الإرهاب تحتاج الى تفعيل البعد الاستخباري، وكسب المواطنين وفتح أبواب التعاون معهم، وعدم اتخاذ إجراءات تتسبب بمعاناتهم وتزيد من استيائهم وغضبهم على الأجهزة الأمنية".
من جهته، اعتبر المواطن حسام العبودي أن الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات "لم تراع المواطنين ولن تقدم لهم أي حماية". وأفاد في تصريحات إلى "العربي الجديد" أن "حالة من الاستياء والغضب الشعبي تتفاقم في الشارع العراقي بسبب تلك الإجراءات، التي أصبحت عوائق أمام المواطنين بتنفيذ أعمالهم ووصولهم الى دوائرهم". وأشار إلى أن "عجز الحكومة عن مواجهة الإرهاب يدفعها لاتخاذ هذه الإجراءات التي أثبتت فشلها منذ سنوات عدة".

المساهمون