نيران الاحتلال اليومية في غزة... استفزاز بلا قرار حرب

18 أكتوبر 2016
المقاومة لن تنجر لاستفزازات الاحتلال (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لا يخلو يوم من أيام غزة الصعبة، من انتهاك إسرائيلي للتهدئة الهشة المبرمة عقب اتفاق وقف إطلاق النار بعد العدوان الأخير في 2014. وبات التوغّل الحدودي وإطلاق النار على الصيادين في عرض البحر، والمزارعين على الحدود، حدثاً يومياً يسترعي الانتباه. وعلى الرغم من أنّ الاحتلال الإسرائيلي يبدو في عملياته كمن "يلتزم قواعد الاشتباك" مع المقاومة الفلسطينية في غزة، إلا أنّ الخشية تكبر من تزايد انتهاكاته، على الرغم أيضاً من أنّ المقاومة تؤكد أنها "لن تنجر لحرب واسعة مع الاحتلال نتيجة هذه الممارسات".
والمقاومة التي تفاخر حالياً بتجهيزها وإعدادها لمواجهة مقبلة مع المحتل الإسرائيلي، غير معنية بمواجهة قريبة، في ظل استمرار تبعات الحرب الأخيرة، وإغراق غزة بمشاكل كثيرة يومية ودائمة، إلى جانب الواقع الإقليمي الذي لا يشجعها على الذهاب إلى حرب، كي لا ينكشف ظهرها. والاحتلال ذاته يرغب، وفق تصريحاته وما يقوم به على الأرض، باستمرار حالة الهدوء لأطول فترة ممكنة، وما يقوم به يومياً يبقى محصوراً ومحبوكاً بدقة، كي لا تتطور الأمور وتنتقل إلى مرحلة مواجهة أوسع وأشمل.
ويقول المتحدث باسم حركة "حماس"، حازم قاسم لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على سكان غزة على مدار الساعة، فهو يستمر بفرض الحصار للعام العاشر، وينتهك الأجواء طوال الوقت، ويعيق إعادة الإعمار، ويشن جولات تصعيد بين الفترة والأخرى. ويضيف قاسم أنّ من أشكال هذه الاعتداءات، إطلاق النار المستمر على المواطنين في المناطق الشرقية من القطاع وعلى الصيادين في البحر، مما يعرض حياتهم للخطر باستمرار، إضافة إلى منعهم من مصدر رزقهم الوحيد.
ويؤكد قاسم أنّ "شعبنا لن ترهبه هذه الاعتداءات وسيظل متمسكاً بأرضه، وسيواصل عمله عليها، والاحتلال لن يستطيع فرض إرادته على شعبنا وهذا ما أثبتته الأيام"، معتبراً أنّ إطلاق النار والانتهاكات، هي خرق للتفاهمات التي رعتها مصر. ويشدد على أن ما يجري "اعتداء متواصل وينبغي للجهات الإقليمية والدولية المعنية بالهدوء في القطاع إجبار إسرائيل على وقف هذه الاعتداء وإلزام الاحتلال برفع الحصار عن القطاع، وعدم إعاقة عملية إعادة الإعمار".
من جهته، يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر حبيب لـ"العربي الجديد"، إنّ المقاومة الفلسطينية تتابع عن كثب ما يقوم به الاحتلال من خروقات يومية وعمليات استفزاز، عبر إطلاق النار اليومي على الصيادين والتوغل المحدود على الشريط الحدودي. ويؤكد حبيب أنّ المقاومة الفلسطينية لن تنجر لهذه الاستفزازات التي يقوم بها الاحتلال، وستحدد هي التوقيت المناسب للرد على هذه الاختراقات المتكررة للتهدئة، في ظل استمرار صمت الوسيط المصري وعدم قيامه بواجباته تجاه هذا الملف.
ويشدد القيادي في "الجهاد الإسلامي" على أن استمرار الاحتلال في خروقاته شبه اليومية للتهدئة سيُعجّل في رد المقاومة عليه، في الوقت الذي تعاني فيه القضية الفلسطينية من حالة انكشاف وتراجع في الاهتمام العربي بها واستغلال الاحتلال ذلك لتصعيد عدوانه ضد الشعب الفلسطيني.


وفي السياق، يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول لـ"العربي الجديد"، إنه لا بد من وجود معالجة جذرية لمفهوم التهدئة من قبل الفصائل الفلسطينية، عبر فترة زمنية معنية، وفي إطار يخدم الموقف الفلسطيني الشامل ويعطي الفلسطينيين حرية القرار. ويشير الغول إلى أنّ مفهوم الاحتلال الإسرائيلي للتهدئة هو منع الفلسطينيين من أي شكل من أشكال المقاومة، والسعي لتكريس هذا الشيء، ليصبح جزءاً من الأمور الاعتيادية التي يجري العمل على فرضها على المقاومة الفلسطينية. ويضيف أنّ ما يجري حالياً هو من أجل استمرار حالة الضغط على الفلسطينيين، وإشغالهم بقضايا تتولد عن الحصار والعدوان، من أجل إبعادهم عن المهمة الرئيسية، وهي مقاومة الاحتلال وتحرير أراضيهم.
أما الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايده، فيشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه لا توجد نقلة نوعية في الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع، إلا أنها تمر بمرحلة ترتفع وتنخفض، في إطار محدد، في ظل عدم وجود قرار سياسي إسرائيلي برفع وتيرة الاعتداء، أو وجود مخطط لاستدراج المقاومة لمواجهة جديدة.
ويؤكد أبو زايده أنّ الاحتلال الإسرائيلي معنيٌ باستمرار حالة الهدوء، وغير معنيٍ بتوتير الأوضاع، وصولاً لحالة حرب على المدى القريب، في ظل الواقع الإقليمي المتوتر في سورية وحالة الانشغال الدولي، موضحاً أنّ الاحتلال يدرك أنّ المواجهة على المدى البعيد مقبلة، أما في الوقت الحالي فهو يعيش حالة من الاستقرار في أداء الحكومة الإسرائيلية بالإضافة لوجود مخططات استيطانية تُرضي المتطرفين.
ويلفت إلى أن القيادة العسكرية لجيش الاحتلال لا تحبذ الدخول في مواجهة جديدة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، ومعنية باستمرار حالة الهدوء لأطول فترة، خصوصاً مع انشغال الولايات المتحدة بالتحضير لانتخاباتها الرئاسية وقدوم إدارة جديدة. وبحسب أبو زايده فإن المقاومة الفلسطينية هي الأخرى غير معنية بالدخول في مواجهة جديدة في ظل عدم جاهزية القطاع لحرب جديدة، بفعل تبعات الحرب الأخيرة، بالإضافة للواقع الإقليمي والذي لا يقف إلى جانب المقاومة ويدعم مواقفها.
من جهته، يرى مدير مركز أبحاث المستقبل، إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ ما يجري حالياً بعيد عن تغير جديد في طبيعة المعادلة، ويبقى في إطاره المحتمل من قبل المقاومة الفلسطينية، في ظل عدم وجود شهداء أو عمليات اغتيال لعناصر المقاومة الفلسطينية. ويقول المدهون إنه لا يوجد حتى اللحظة أي تغيير سياسي واضح تجاه قطاع غزة، في الوقت الذي لا يبدو فيه الاحتلال معنياً بتوسيع المواجهة والدخول في حرب جديدة مع المقاومة الفلسطينية، في ظل سعيه لاستمرار حالة الهدوء القائمة.
ويضيف أنّ الاحتلال الإسرائيلي يدرك أن إي إجراء سيقوم به دون إدراك للحسابات وتبعات هذا الإجراء سيجر المنطقة إلى مواجهة جديدة ستكون أكبر تكلفة من استمرار الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2006، في ظل عدم جاهزية الإقليم والمجتمع الدولي لإعطاء الاحتلال ضوءاً أخضر لشن حرب جديدة. ويوضح المدهون أنّ المقاومة الفلسطينية في غزة معنية باستمرار حالة الهدوء من أجل استمرار مرحلة الإعداد، بالإضافة إلى إدراكها بأن تبعات المواجهة السابقة ما زالت حاضرة وأن أي مواجهة ستكون صعبة في ظل حالة الانقسام، وضرورة الانتظار ما لم ينتهك الاحتلال قواعد الاشتباك.