ذكرى 25 يناير... تكريس خوف النظام من الشعب

27 يناير 2016
انتشرت القوات الأمنية في مختلف الميادين (ابراهيم رمضان/الأناضول)
+ الخط -

انقضت الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، مخلّفة مشاهد لميادين خاوية، وشوارع خالية من المارة، ومسيرات مفتعلة لأنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي بحماية الشرطة، ووقائع قتل متفرقة بحق معارضين للنظام، بحجّة صلتهم بتفجيرات وأعمال عنف سابقة.

نجحت الآلة الإعلامية للسيسي وأدواته الأمنية في تحويل القاهرة إلى مدينة أشباح طوال الساعات التي شهدت زخماً لا ينسى منذ 5 سنوات، وذلك جراء التخويف المستمر للمصريين مما قد يشهده يوم ذكرى الثورة من أحداث عنف وصدامات بين الشرطة والمتظاهرين.

مع العلم أن دعوات التظاهر اتسمت بالخفوت هذا العام، فلم تطلقها رسمياً إلا جماعة "الإخوان المسلمين"، بينما آثرت التيارات المعارضة وشباب الثورة الصمت أو الاحتجاج الإلكتروني أو ارتداء ملابس سوداء كحركة "6 إبريل". وذلك بعدما شنت الأجهزة الأمنية حملة شرسة على النشطاء الشبان خلال الأسابيع الماضية، اعتقلت فيها أكثر من 300 شخص بحجة "التحريض على التظاهر".

لا تدل سلوكيات نظام السيسي إلاّ على استمرار الارتعاد من ذكرى الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وكادت أن تطيح بالمزيد لولا تدخل المجلس العسكري والتفافه على أهدافها. وحتى مع انخفاض وتيرة المعارضة داخل مصر وانتشار اليأس بين شباب ثورة يناير، إلاّ أن دعوات التظاهر التي انطلقت على استحياء، كشفت الرعب الذي يعتري النظام من مجرد الذكرى. وذلك على الرغم من امتلاكه جميع الأدوات الكافية لسحق المعارضين، من أجهزة أمنية عادت لأخذ ثأرها من صفعة الثورة، وجهاز قضائي علم أن ديمقراطية الحكم لن تصب في مصلحته، وإعلام يأتمر بتعليمات الدائرة الاستخبارية ـ الرقابية التي يرأسها مدير مكتب السيسي.

ويسدد السيسي فاتورة الخوف من ذكرى الثورة من أموال الشعب وخزانة الدولة، المرهقة بالأعباء والتي أصبحت موازنتها العامة في حكم الملغاة، بعد إسقاط البرلمان لقانون الخدمة المدنية. وتُكلّف تحركات الجيش والشرطة المكثفة على مدار الأسابيع الماضية أموالاً طائلة، تُصرف لوزارتي الداخلية والدفاع، في صورة وقود وبدلات وتكاليف إضافية للمهمات والمأموريات، بالإضافة إلى ما كشفت عنه هذه التحركات المكثفة عن شراء الشرطة عربات وناقلات جنود ومدرعات جديدة، أكثر تحصيناً وقوة من تلك التي أسقطها الثوار منذ 5 سنوات.

اقرأ أيضاً: أسلحة السيسي للتخلّص من "عقبة" البرلمان

وحتى المواطن الذي سيتأثر بهذه الأعباء الإضافية على ميزانية الدولة، أصبح يرى النظام بصورة مهتزة أكثر من أي وقت مضى، فعنصر الثقة والتماسك الذي حاول السيسي إضفاءه على نظامه والجيش والشرطة منذ عزله للرئيس محمد مرسي، أصابه الاهتزاز والاهتراء، من جراء المبالغة في الإجراءات التأمينية والتخوف إزاء دعوات محدودة للتظاهر. مع العلم أن إعادة سيناريوهات التشديد الأمني المكثف، التي انتهجها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، في الأعوام الأخيرة من حكم مبارك، ترتبط في الذاكرة المصرية بهزيمة النظام واختناقه خلف متاريسه.

وعلى عكس ما توقعه النظام، فإن سلوكياته تسبّبت في ارتفاع الروح المعنوية بين مجموعات شباب الثورة، على الرغم من حسمهم مسألة عدم النزول للشارع حالياً، وانشغالهم أولاً بإخراج رفاقهم المسجونين في قضايا التظاهر والعنف والتحريض.

ووفقاً لمصادر متعددة في هذه المجموعات، فإنهم لم يكونوا يتوقعون هذه السلوكيات، فبدا لهم النظام أكثر هشاشة مما كانوا يتصوّرون، بل إنهم اعتبروا ذلك دليلاً على معرفة النظام بتردي شعبيته في الشارع، وانخفاض شعبية السيسي نفسه لأدنى مستوياتها منذ ظهوره على الساحة، فكان اللجوء للتشديد الأمني المبالغ فيه هو الحل الوحيد للوقاية من أي أحداث لا يحمد عقباها.

وبعيداً عن السياسات الميدانية، جاء خطاب النظام في الساعات الأخيرة استعداداً ومواكبة لذكرى الثورة، معبّراً بوضوح عن شعوره بالافتقار إلى الشرعية السياسية، وكاشفاً عن استمرار قلقه من جماعة "الإخوان"، رغم كل ما مارسه ضدها من إجراءات تصعيدية، بلغت حدّ اعتبارها "جماعة إرهابية محظورة وقياداتها إرهابيين ومصادرة أموال قياداتها وعناصرها والزج بالآلاف منهم في السجون".

وقد ارتكز خطاب السيسي على محور واحد يردده منذ منتصف 2013، وهو أن "30 يونيو/حزيران 2013 تصحح مسار ثورة 25 يناير، وأن جماعة الإخوان قفزت على الثورة، وأنه جاء ليحول وطن الجماعة إلى وطن الجميع". مع العلم أن السيسي انتُخب رئيساً للجمهورية منتصف عام 2014، ويتحدث دائماً عن عمله ومشاريعه وسياساته من أجل المستقبل.

كما عكس المؤتمر الصحافي للجنة التحفظ على أموال الإخوان نفس إحساس القلق من عودة الجماعة، ومحاولة الإساءة لها وتجديد اتهامات وجهت لها منذ سنوات، وكأن الرسالة المطلوب توجيهها في هذا التوقيت هو العصف بذكرى أي مكتسبات ديمقراطية خلفتها ثورة يناير، باعتبار أن وصول جماعة الإخوان إلى الحكم وأغلبية البرلمان كان ذروة ما حققته الثورة من مكاسب على الصعيد السياسي، قياساً بستة عقود سابقة كانت فيها الجماعة محظورة قانوناً واقتصر فيها الحكم على أبناء المؤسسة العسكرية.

وتحول المؤتمر بذلك إلى مجرد "تأكيد للمؤكد" على حد وصف أحد أنصار النظام، وهو رفعت السعيد الرئيس السابق لحزب "التجمّع" اليساري، لكنه في الواقع كان حلقة جديدة من سلسلة هدايا وزير العدل أحمد الزند للسيسي، بفعل إشرافه بنفسه على إعداد المؤتمر والمستندات التي قدمت فيه، وروّج له باعتباره "يفجّر مفاجآت في وجه الإخوان".

وكان لافتاً رغم كل ذلك، أن المظاهرات الرافضة للانقلاب، نجحت بنسبة لا بأس بها في تأكيد وجودها كرقم أول وصعب في المعادلة السياسية بمصر، ربما تصل في وقت ما إلى مرحلة الحسم، وربما بنسبة أقل. وقد تكون كل هذه الفعاليات الأمنية، قد نجحت في تخويف المواطنين من النزول للتعبير عن آرائهم المعارضة للنظام، إلاّ أنها تعيد طرح أسئلة يصعب حسمها حالياً عن قوة نظام السيسي، ومدى تماسكه، ومدى إيمانه بشرعيته.