لبنان... كرونولوجيا العداء التي أوصلت إلى ترشيح جعجع لعون

19 يناير 2016
بدأت العلاقة المباشرة بين الطرفين عام 1986(Getty)
+ الخط -


يمكن وصف التفاهم الذي تمّ بين الزعيمين اللبنانيين، سمير جعجع وميشال عون، بالمعجزة السياسية. قطبان مسيحيان، خصمان تاريخيان، عسكريان شرسان، طموحان رئاسيان، جلسا سوياً لأشهر بعد سنوات من الجفاء والعداء واتمّا اتفاقاً على الملف الرئاسي، أي الموقع المسيحي الأول في لبنان. 

بات رئيس تكتل التغيير والإصلاح، حليف حزب الله والنظام السوري، النائب ميشال عون، مرشح حليف السعودية وتيار المستقبل، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. بين جعجع وعون، تاريخ كبير من الصراعات السياسية والدموية، راح ضحيتها الكثير من البيوت والشخصيات السياسية التي أفل نجمها بفعل قوّة الرجلين وتمثيلهما على المستوى المسيحي. كما أنّ بين هذين الزعيمين الكثير من الدماء والضحايا الفعليين الذين سقطوا في الحروب والمعارك التي خاضاها في السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية (1975-1990).

بدأت العلاقة المباشرة بين الطرفين، عام 1986، مع اغتيال قائد اللواء الخامس في الجيش اللبناني اللواء خليل كنعان. كان عون قائداً للجيش وجعجع قائد القوات اللبنانية، الميليشيا المسيحية الأقوى في المنطقة الشرقية (منطقة النفوذ المسيحي خلال الحرب).

اقرأ أيضاً: قضية ميشال سماحة... إدانته رهن نقل ملفّه للقضاء العدلي

اتّهم عون جعجع باغتيال كنعان، وظلّت الأمور مضبوطة بينهما بفعل وجود رئيس الجمهورية، أمين الجميّل، الذي مثّل خياراَ مسيحياً ثالثاً مستمداً قوّته من تاريخ حزب الكتائب على الساحة اللبنانية. فكان للجميّل الكلمة الفصل في تأجيج الصراع بين عون وجعجع، وذلك مع انتهاء ولايته الرئاسية عام 1988، وتسليمه عون قيادة الدولة (كقائد للجيش) بحكومة عسكرية انتقالية. وقبل ذلك كان عون وجعجع قد أسقطا الكثير من المبادرات الرئاسية لمرحلة ما بعد الجميّل، أبرزها المبادرة الأميركية التي قادها السفير الأميركي، ريتشارد مورفي لتنصيب النائب مخايل الضاهر رئيساً، تحت شعار "الضاهر أو الفوضى" في حينها.

تسلّم عون رئاسة الجمهورية من باب حكومة عسكرية انتقالية، بعد تفاهم بين الثلاثي المسيحي عون – جعجع – الجميّل، فانطلقت حينها سنوات الصراع الفعلي والمباشر مع جعجع، وهي مرحلة لا يمكن تلخيصها بمئات القتلى من العسكريين والمسلحين والمدنيين الذي سقطوا في حروب كثيرة خاضاها في مناطق نفوذ المسيحيين أبرزهما "حرب التحرير" (1989) و"حرب الإلغاء" (1990).

شوارع بيروت الشرقية لا تزال شاهدة على تلك الحقبة التي انتهت تباعاً مع اجتياح الجيش السوري لها، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990. نفي عون إلى باريس ودخل جعجع السجن بعد أربع سنوات وبدأت مرحلة ما عُرف بـ"الغبن المسيحي"، حيث ضربت الوصاية السورية وحلفاؤها في لبنان المكوّن المسيحي، في حين تابع أنصار عون والقوات صراعاتهم على الرغم من وحدة حالهم في "الاضطهاد" و"الكيدية" السياسية والملاحقات الأمنية التي سجّلت بحقهم. لم يلتق الطرفان سوى نادراً في مظاهرات ونشاطات سياسية، أغلبها في الجامعات وبين الطلاب. لكن الصراع بينهما ظلّ قائماً وأكبر من حجم القضية التي رفعاها وهي استقلال لبنان وتحريره من الوجود السوري والذي أصبح عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري شعاراً لفريق 14 آذار.

ومع هذا الموعد وما لحقه من لحظات انتفاضة شعبية وانقلابات سياسية داخلية ضد النظام السوري، تحقّق مطلب عون وجعجع المزمن بخروج الجيش السوري من لبنان. وبعد أيام على تحقيق ذلك، عاد عون من منفاه وخرج جعجع من السجن، ليفتتحا موسماً جديداً من الصراع الثنائي على الساحة المسيحية.

اقرأ أيضاً: جعجع يرشح عون للرئاسة اللبنانية: انتهاء 8 و14 آذار

بعد أشهر، انضمّ عون إلى فريق 8 آذار ومحور النظام السوري، في حين بقي جعجع قطباً في فريق 14 آذار. فتوالت فصول الصراع الانتخابي والسياسي وحول التعيينات والحصص المخصصة للمسيحيين في الدولة، وصولاً إلى موعد 18 يناير/كانون الثاني 2016 الذي جاءت ترجمة لحوار ثنائي (انطلق في ديسمبر/كانون الأول 2014) ووثيقة سياسية (عرفت باسم "ورقة النوايا"، في يونيو/حزيران 2015). فكانت وحدة مسيحية بين أبرز الأخصام المسيحيين، لا يزال من المبكر تقييمها ولو أنّ وصفها بـ"المعجزة" أمر مفروغ منه.

 

المساهمون