الأقصى يتصدّى: اعتقالات واصابات في معركة إحباط مخططات الاحتلال

19 سبتمبر 2015
اعتقل جنود الاحتلال أكثر من 30 قاصراً(محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
أثبت الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، أن لا نية لديه للتوقف عن مسلسل التصعيد في القدس المحتلة وفي المسجد الأقصى، فيما كانت المواجهات مع جنود الاحتلال عنواناً جامعاً بين الفلسطينيين في أحياء القدس المحتلة وفي الضفة الغربية التي شهدت على غرار غزة، مسيرات احتجاجية حاشدة في جمعة الغضب نصرة للمسجد الأقصى ورفضاً للتصعيد الإسرائيلي المتواصل الذي بدأت تتضح أهدافه السياسية، فيما يصر المقدسيون على استمرارهم في معركة الدفاع عن الأقصى والتصدي للاحتلال عبر العمل على إحباط مخططاته.

وكما كان متوقعاً، وبعد أقل من أسبوع على إجراءاتها القمعية في القدس المحتلة، واستهدافها غير المسبوق للمسجد الأقصى والمرابطين فيه، منعت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين، خصوصاً الشبان ما دون الأربعين عاماً، من الوصول إلى القدس المحتلة والمسجد الأقصى، أمس الجمعة. وطاول المنع أيضاً، وصول جثة فلسطيني، ومشيّعيه إلى مقبرة باب الأسباط، قبل الصلاة عليه في الأقصى، كما درجت عليه العادة في القدس المحتلة.

وأثناء التدافع بين المشيّعين وجنود الاحتلال، تخطّى المئات من شبان الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948 ومقدسيون حواجز الاحتلال بصعوبة، ما دفع الجنود الإسرائيليين إلى اتخاذ وضع قتالي، مصوّبين بنادقهم تجاه المشيّعين، وسط حالة من الغضب الشديد. ويعبّر أحد أقرباء المتوفي لـ"العربي الجديد" عن هذا المشهد، قائلاً، "حتى الموتى باتوا بحاجة إلى تصاريح مرور إلى مقابرهم".

ووسط حالة النفور والاشتباكات، بدت محاور طرق كثيرة حول الأقصى مغلقة أمس، فيما افترشت أعداد كبيرة من المواطنين الشوارع والساحات العامة حول البلدة القديمة، وفاق عدد جنود الاحتلال أعداد المصلين في الطرقات المؤدية إلى المسجد.
وكانت قيادة شرطة الاحتلال قد قرّرت، أوّل من أمس الخميس، عقب جلسة ترأسها قائدها في القدس، منع من هم ما دون الأربعين عاماً، من الدخول إلى الأقصى والوصول إلى القدس القديمة التي أُغلقت جميع مداخلها بحواجز حديدية، ما أعاق دخول المواطنين ومعظم أصحاب المحال التجارية إلى أماكن عملهم.

يصرخ إبراهيم أبو خديجة، أحد أصحاب المحال التجارية في حي السلسلة، والذي يشهد كل يوم صدامات بين جنود الاحتلال والمرابطات، في وجه ضابط من شرطة الاحتلال، طالباً السماح له بالدخول لتأدية الصلاة في الأقصى والوصول إلى محله التجاري. إلّا أنّ الضابط لم يعره اهتماماً، وسط ارتفاع صرخات الغضب لعشرات المواطنين في المكان، والذين اندفعوا بقوة متخطين الحاجز وعساكره بعدما تعرّض العديد منهم للضرب. وكان أبو خديجة قد أصيب مطلع الأسبوع الحالي باختناق جراء استعمال جنود الاحتلال قنابل الغاز المسيلة للدموع في اعتداءاتهم على المرابطات، وذلك أثناء تقديمه المساعدة لمسنّة مصابة بعد تعرضها للدفع والضرب قرب محله.

بدوره، يشتكي التاجر سعيد الصالحي، في الحي ذاته، من عنف المستوطنين وتعدياتهم على المرابطات، على مدى الأيام الماضية قائلاً، "حين ندافع عن أنفسنا، نتلقى الضربات منهم ومن جنود الاحتلال الذين يوفرون لهم الحماية ويشاركونهم في الاعتداء علينا".
وكان الصالحي من بين الذين أعاق جنود الاحتلال وصولهم، أمس الجمعة، إلى المسجد الأقصى، في وقت كانت فيه جموع كبيرة من المستوطنين تتدفق إلى البلدة القديمة، منذ مساء الخميس، وسط حماية الاحتلال الذي نشر نحو 3 آلاف من عناصره في القدس ومحيطها، تزامناً مع قيام وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، بجولة في البلدة القديمة، موجّهاً تعليماته، مجدداً، إلى جنوده للتعامل بصرامة مع أي احتجاج فلسطيني.
وكان أردان قد توعّد، قبل يومين، بتنفيذ قرارات حكومته، بقمع رماة الحجارة، إذ بدأت قواته باستخدام الرصاص الحي، ضد هؤلاء الشبان، كما حدث في بلدة العيسوية إلى الشمال الشرقي من القدس.

وعلى مرأى من أردان، قمع جنود الاحتلال شباناً في باب العمود، أمس، ونكّلوا بأحد الشبان قبل أن يتم اعتقاله. وتكرّرت الاعتداءات في مناطق أخرى من البلدة القديمة ومحيطها، خصوصاً في رأس العامود. واستخدم الجنود الرصاص المطاطي وقنابل الغاز وفرق الخيّالة التي داست المصلين وأصابت بعضهم برضوض.

وفيما بدت ساحات الأقصى شبه خالية، أمس الجمعة، باستثناء بضعة آلاف من المصلين كبار السن، اتهم رئيس مجلس الأوقاف، الشيخ عبد العظيم سلهب، الاحتلال بانتهاك حرية العبادة للمقدسيين. وندّد في خطبة الجمعة بعدوان الاحتلال على الأقصى، قائلاً إنّ "هذا العدوان مستمر ومتواصل منذ أكثر من أسبوع من دون أن يحرك ذلك شعوب الأمّتين العربية والإسلامية". وطالب خطيب الأقصى أبناء الشعب الفلسطيني بالدفاع عن "أقصاهم" بتكثيف وجودهم فيه، مستنكراً إجراءات الاحتلال القمعية، ومتوعّداً حكومة الاحتلال باتخاذ أقصى العقوبات بحقهم، ومؤكداً أن كل وسائل القمع لن تمنع الشعب الفلسطيني من الدفاع عن مقدساته.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يسعى لجعل التقسيم الزماني وضعاً قائماً في الأقصى

ووجدت مناشدات خطيب الأقصى صدى لها بعد انتهاء صلاة الجمعة، إذ انطلقت هتافات التكبير، في وقت كان فيه الرصاص المطاطي يطارد الشبان في أحياء البلدة القديمة والأحياء المحيطة بها، ليوقع عدداً من الجرحى والمعتقلين، كما حدث في واد الجوز ورأس العامود وسلوان ومخيم شعفاط والعيسوية.
كذلك بدت تهديدات الاحتلال بقمع رماة الحجارة، غير مجدية، بل ضاعفت من تصميمهم على المواجهة، إذ كانت القدس، طوال ليل الخميس، حتى فجر أمس الجمعة، في مواجهات مستمرة وعنيفة، تخلّلها إلقاء مزيد من الحجارة والزجاجات الحارقة. وأحرق شبان حافلة ركاب في رأس العامود، واستهدفوا حافلة أخرى بالحجارة قرب حزما شمال شرق القدس، وحطّموا زجاجها.

وكانت شرطة الاحتلال، وفي أعقاب أسبوع من المواجهات العنيفة مع الشبان، قد شكّلت وحدة جديدة لتنفيذ اعتقالات، بإيعاز من قائد الشرطة الإسرائيلية في المدينة، أطلق عليها "وحدة ملاحقة رماة الحجارة والزجاجات الحارقة"، والتي اختصّت باعتقال المقدسيين والتحقيق معهم حول المشاركة في المواجهات وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة.

ويلفت المحامي محمد محمود في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مهمة هذه الوحدة التحقيق في إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة فقط، وتختلف عن بقية الوحدات الأخرى في مراكز التوقيف بمحدودية الصلاحيات. وأضاف المحامي أنّ مقرّ وحدة الاعتقالات الجديدة، في مركز شرطة جبل المكبر (مركز عوز)، أنّ "السلطات الإسرائيلية اختارت منطقة شبه نائية بعيدة عن المحاكم الإسرائيلية ومراكز التوقيف الرئيسية، لتزيد من معاناة الأهالي، والذين سيضطرون للتنقل بين المركز ومقر المحاكم لمتابعة اعتقال أبنائهم". ويوضح محمود أنّ طواقم المحامين يتواجدون في المحاكم لمتابعة القضايا والجلسات المختلفة، ووجود الوحدة في شرطة جبل المكبر، يمكن أن يؤخر وصول المحامين إلى المعتقلين الجدد.

ويأتي تشكيل وحدة خاصة لملاحقة "راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة"، بالتزامن مع تصريحات وتخطيط رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بتشديد العقوبات عليهم، وبإمكانية اعتقال الأطفال بأعمار الـ4 و5 سنوات، واعتقال فتية من عمر 10 سنوات، وفرض غرامات مالية تصل إلى 100 ألف شيقل، تدفعها عائلاتهم، إضافة إلى السماح للجيش بإطلاق النار على ملقي الحجارة وتخصيص وحدة للقنص من بنادق "روغر" على ملقي الزجاجات الحارقة في القدس، كما هو متبع في الضفة الغربية.

من جهته، يرى رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الوضع في الأقصى خطير، ويتّجه نحو مزيد من التصعيد، مشيراً إلى أنّ "اقتحامات عدة نفّذها عشرات من شبيبة الليكود للأقصى أمس الجمعة، إضافة إلى استمرار جماعات متطرفة إطلاق دعوات لمزيد من الاقتحامات الأسبوع المقبل، لتتزامن هذه الدعوات مع احتفالات المسلمين بعيد الأضحى واحتفالاتهم بأعيادهم، والتي ينغّصون خلالها حياة الفلسطينيين".

ويعتبر مراقبون في القدس، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أنّ "تغييراً حقيقياً، ظهر في التعامل الإسرائيلي مع قضية الأقصى خلال الأسبوع الحالي"، لافتين إلى أنّه "بالإضافة إلى التعامل بقبضة حديدية بإبعاد المقدسيين عن مقدساتهم، ظهرت في تصريحات السياسيين الإسرائيليين لغة جديدة تتحدث عن حق اليهود في العبادة بالأقصى بالتساوي مع حقوق المسلمين الحصرية بهذا الشأن، ما يعني أن الاحتلال فتح جبهة جديدة في الصراع على الأقصى للسيطرة عليه".

وتفيد معطيات منظمات حقوقية فلسطينية أنّ قوات الاحتلال اعتقلت في غضون أسبوع المواجهات، أكثر من 70 فتى وشاباً، من بينهم 30 قاصراً، وفق مركز معلومات واد حلوة. وذكرت هذه المنظمات أنّ معظم الاعتقالات، نُفّذت خلال المواجهات التي شهدتها حارات القدس القديمة بالتزامن مع المواجهات في الأقصى، إذ بلغ عددهم 24 معتقلاً، إضافة إلى اعتقالات شملت أحياء بلدة سلوان، العيسوية، الطور، وادي الجوز، صور باهر، ومخيم شعفاط.

اقرأ أيضاً: مرابطات عن الأقصى حوّلن "القائمة السوداء" إلى "ذهبية"