الانتخابات المحلية في المغرب: مجموعة استحقاقات في موعد واحد

31 اغسطس 2015
توزيع قوائم حزبية في الرباط (فضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
يتوجه المغاربة في الرابع من سبتمبر/ أيلول الحالي لانتخاب أعضاء المجالس المحلية ومجالس الجماعات (البلديات ومجالس المحافظات)، في انتخابات تجسّد الخطوة الفعلية نحو نظام "الجهوية المتقدمة" (اللامركزية الإدارية) الذي يراهن عبره المغرب على تنمية جهاته في مختلف الأصعدة بمنحها اختصاصات واسعة. كذلك ستجرى وفق نظام اقتراع جديد وفي ظل قوانين تُطبَّق للمرة الأولى بعدما أقرها البرلمان في يونيو/حزيران الماضي. وبموجب تلك القوانين الجديد، والصلاحيات الجديدة المعطاة للمجالس المحلية والجهوية (إطار أوسع من البلديات)، ستنتقل اختصاصات وصلاحيات من الحكومة إلى المجالس المناطقية، فيما ستكون هناك اختصاصات مشتركة بينهما.


تدخل أحزاب مغربية هذه الانتخابات تحت الضغط، كحزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، إذ تضعه السياسات الحكومية المتخذة في ولايته على محك قياس الشعبية، بينما تدخلها أحزاب أخرى مرتاحة وبامتداد جغرافي واسع كحزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال المعارضين. لكن على الرغم من أهمية الاستحقاق، فإنّ نتائجه لا تعني بالضرورة حسم ما ستؤول إليه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وللمرة الأولى، سيتم اعتماد نظام الاقتراع العام المباشر في المملكة، في اختيار أعضاء الجماعات والجهات، لكن قبل ذلك سيصوت المغاربة في الرابع من الشهر الحالي، على المرشحين بنظام الاقتراع المزدوج القائم على الفرد أو على اللائحة، أي أن كل مواطن مغربي سيجد نفسه أمام ورقة فريدة تتضمن خانتين: الخانة الأولى مخصصة للانتخابات الجماعية والثانية للجهوية، ويكون الصوت محسوباً بوضع علامتين على خانتي المرشحين المختارين.

اقرأ أيضاً: بنكيران في أول أيام الحملة الانتخابية: هناك مخطط لإسقاطنا

ويمكن أن يجد المواطن المغربي نفسه في دائرة أمام ورقة تضم رموز كافة الأحزاب السياسية، فيما قد يجد مواطن آخر في منطقة أخرى نفسه أمام بعض الرموز فقط، وذلك بحسب مساحة المنطقة وعدد سكانها وانتشار الأحزاب فيها من عدمه.
الفرق بين نظام الاقتراع الفردي وذلك القائم على اللائحة، هو أن الانتخاب يجري في المناطق التي لا يفوق عدد سكانها 35 ألف نسمة بالاقتراع الفردي، أي التصويت على مرشح واحد من كل حزب، بحسب القانون التنظيمي 15_34.

أما نظام الاقتراع القائم على اللائحة، فتصوت بموجبه الجماعات التي يفوق عدد سكانها 35 ألف نسمة، أي أن الأحزاب تقدم لوائح انتخابية تتألف من عدد مرشحين محدد في القانون التنظيمي يتناسب مع عدد أعضاء مجلس كل مقاطعة. وهنا تحتل مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، الصدارة بأكبر عدد أعضاء جماعة ويصل إلى 131 عضواً. وتتجلى أهمية نظام الاقتراع العام المباشر في كونه سيكشف مؤشرات سياسية في اتجاهات الشارع المغربي. وسيتم التصويت داخل مجالس الجماعات والجهات بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بحيث يدلي كل مرشح فائز بصوته أمام بقية أعضاء المجلس للحسم في الرئاسة، ما سيضمن مشهداً سياسياً واضحاً، يكون التصويت فيه للبرامج وسياسات الأحزاب، لكن هذا النظام بحسب محمد بودن، رئيس "المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة"، "يخدم الأحزاب الكبيرة التي لها انتشار مناطقي كبير، ولا يخدم الأحزاب الضعيفة. فإذا كانت الأحزاب قوية على مستوى الجماعة والإقليم فستحجز مقعداً أو أكثر في الجهة، وقد تحجز مقعداً أوتوماتيكياً بالنسبة للمرأة".

اقرأ أيضاً: انتخابات المغرب: بين الشعارات الفضفاضة والوعود

يلاحظ ضمن اللوائح الانتخابية التي تقدمها الأحزاب السياسية المغربية لهذه الاستحقاقات "تغليب نسبة تمثيلية النساء" يقول بودن. ستمثل النساء في مجلس كل جماعة بنسبة 27 في المائة، في الجماعات التي تصوت بنظام الاقتراع الفردي بـ"الورقة الفريدة". وهنا يحق للمنطقة التي يقل عدد سكانها عن 35 ألف نسمة، التمثل بأربع نساء في المجلس. أما بالنسبة للاقتراع بحسب اللائحة، أي في الجماعة التي يزيد عدد سكانها عن 35 ألف نسمة، وأقل من 200 ألف نسمة، فيكون عدد النساء في مجالسها هو ست، ثم ثماني نساء بالنسبة للجماعات التي تعدادها أكثر من 200 ألف نسمة. كذلك يشرح بودن، أن النساء يمكنهن عبر الترشح في اللوائح العامة، الحصول على مقعد خارج اللائحة المخصصة للنساء بموجب نظام الكوتا، ما يعني أن نسبة تمثيليتهن سترتفع في حال فوزهن.


ورشة الجهوية المتقدمة، أو اللامركزية الإدارية الموسعة، المراهَن عليها من خلال انتخابات الرابع من الشهر الحالي، تستند إلى التقسيم الانتخابي للمناطق والجهات، أي "النفوذ الترابي" وهو في المغرب يُسمى العمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعة. وأخيراً، تمت المصادقة على القانون التنظيمي 14_111 المتعلق بالجهات، وهو القانون الذي كان من الضروري الخروج به قبل هذه الانتخابات، إذ إنه حدد مجموعة من الصلاحيات للجهة، تتعلق أساساً بالتنمية المستدامة. وخوّل هذا القانون للجهة مجموعة من الاختصاصات الذاتية والاختصاصات المشتركة مع الدولة والاختصاصات المنقولة، أي من صلاحيات الدولة إلى صلاحيات الجهة. لكن الجديد المحوري الذي أتى به قانون الجهات، بحسب المحلل السياسي محمد بودن، هو إلغاء الوصاية الإدارية على الجهات، وهي الوصاية التي كانت مشروطة بموافقة سلطة الوصاية الحكومية على كل المشاريع في الجهات، وانتقلت حالياً بموجب هذا القانون إلى المراقبة الإدارية الخاصة بالجهة. كذلك في ما يتعلق بتصور الإدارة الجهوية، أحدث القانون مسمى "مديرية شؤون رئاسة الجهة للمصالح" إضافة إلى "وكالة التنمية للجهة"، فضلاً عن آليات للتشارك والتشاور مع المواطنين وجمعيات المجتمع المدني.

اقرأ أيضاً: المغرب: وزارة العدل تصدر قائمة بمحظورات الانتخابات المحلية

ولأن الجهة تتحول بموجب القانون المنظم إلى مؤسسة تنموية، فالقانون نص على تصور مالي لها يمنحها مداخيل ومخصصات تسيير واستثمار. كذلك جعل لها مبالغ مدفوعة لاستغلال أو تدبير المشاريع ونفقات للتدبير، ومكنها من أن تحدث شركات للتنمية الجهوية وتنخرط في إطار مجموعات الجهات.

بحسب بودن، فإن الاختصاصات الذاتية للجماعة مرتبطة أساساً بالمرافق والتجهيزات العمومية، والاختصاصات المشتركة المرتبطة بتنمية وإنعاش الاقتصاد المحلي والتشغيل والمحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته، ويمكن الدولة أن تنقل اختصاصات مشاريع وورش لمجالس الجماعات بحسب كفاءتها. وفي ما يتعلق بصلاحيات مجلس الجماعة، هناك صلاحيات مالية جبائية مرتبطة بالأملاك الجماعية، وصلاحيات مرتبطة بالتجهيزات العمومية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والرياضية وفق برنامج عمل تجري تهيئته للجماعة.


انتخابات يوم الجمعة المقبل ستوضح المشهد السياسي المغربي بناء على الرغبة الشعبية، أو هكذا ينتظر منها. لذا فانعكاسات أهميتها على التحالفات الحزبية تستحضر قبل أن تنطلق. يقول رئيس "المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة"، إن التحالفات تتحكم فيها على المستوى الجغرافي ثلاثة عناصر أساسية: أولاها عدد الناخبين الموجودين حالياً لدى كل حزب، وثانيها تأثير هذا الحزب أو ذاك وقدرته على تغطية أكبر عدد من الدوائر الانتخابية، وثالثها يرتبط بقدرة الأحزاب على الاستقطابات واستفادتها من التحالفات السياسية.

اقرأ أيضاً: المال الانتخابي هاجس يقلق الحكومة والأحزاب بالمغرب

ويضيف بودن أن هذه الانتخابات "لن تتأثر كثيراً بالتصويت السياسي الذي سيكون على مستوى المدن، في حين سيكون التصويت مرتبطاً بالأشخاص على مستوى القرى". هنا يستحضر المحلل السياسي البرامج التي قدمتها الأحزاب للانتخابات ويقول إنها "وُضعت على عجل وبعضها وضع للمدن كما للجماعات القروية وهو الأمر غير الصائب، والذي يوضح أن الأحزاب تخلط بين ما هو وطني وما هو مناطقي، في الوقت نفسه الذي تقدم فيه التزامات فضفاضة لا يمكن للجماعات تنفيذها حتى عام 2021".


هذه المعطيات مجتمعة لا يسقط منها بودن مؤثرات أخرى، كأن يدخل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الانتخابات اختباراً لقوته على المستوى المناطقي ويبحث عن موطئ قدم في القرى على غرار تواجده في المدن، خصوصاً أن النتائج التي حصل عليها في انتخابات الغرف المهنية والأوساط الزراعية، والتي أجريت في السابع من شهر أغسطس/آب الماضي، كانت متواضعة.
كذلك يبدو من الصعب على العدالة والتنمية بحسب بودن "أن يلغي الفارق بينه وبين أحزاب أخرى بانتخابات سنة 2009، حيث حصل فيها على 1513 مقعداً، بينما حصل حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، حديث التكوين حينئذ على 6015 مقعداً، وحزب الاستقلال المعارض أيضاً على 5292 مقعداً".

هكذا يبقى على حزب "العدالة والتنمية" العمل على تحسين ترتيبه، كما تتجه إلى حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، وبدرجة أقل إلى حزب "التجمع الوطني للأحرار"، في الوقت الذي يبدو فيه أن حزب "الحركة الشعبية" يدفع ثمن أخطاء بعض قيادييه، وحزب "الاتحاد الاشتراكي" يبحث عن موطئ قدم يعيده إلى الساحة السياسية مع بروز توجهات جادة نحو رئاسة ولو جهة واحدة في ما يخص حزبي "التقدم والاشتراكية" و"الاتحاد الدستوري"، ودفاع أحزاب ليبرالية عن تزعم امرأة لواحدة من الجهات على الأقل.