تظاهرات الساحل السوري... ترجمة لخسائر النظام في معاقله

14 اغسطس 2015
عقب استيلاء المعارضة على دبابة للنظام في مارس الماضي(الأناضول)
+ الخط -

أجواء الاحتقان والتذمر في اللاذقية، ومجمل المناطق الموالية للنظام في الساحل السوري وفي سهل الغاب، وإن كانت تفجّرت بسبب جريمة سليمان الأسد بعد قتله لضابط في جيش النظام، إلّا أنّها ترتبط بجملة أوسع من الأسباب والعوامل، تشكّلت وتراكمت عبر السنوات الماضية.

وبعد تظاهرة السبت الماضي، في حي الزراعة في اللاذقية، التي طالب فيها المتظاهرون بمحاكمة سليمان الأسد وإعدامه، شهدت مدينة طرطوس تظاهرة مماثلة، الإثنين الماضي، إذ خرج علويو المدينة للمطالبة بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري في حلب وإخراج أقاربهم العسكريين من المطار بعد هجوم عنيف قام به تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المطار. وأسفر الهجوم عن مقتل عشرين جندياً وضباطاً، بينهم ثلاثة ضباط برتبة عميد، وضابط برتبة نقيب وتسعة ضباط برتبة ملازم أول، وجميعهم من الطائفة العلوية.

ويرى مراقبون أن الاحتقان الكبير في الشارع العلوي تحديداً، قد يدفع بالرئيس السوري بشار الأسد إلى تقديم سليمان الأسد إلى المحاكمة، وحدّ صلاحيات قادة الشبيحة الآخرين في المحافظة، الذين يمارسون سطوتهم على أهالي المدينة، وخصوصاً المنحدرين من عائلات معروفة ومقربة من النظام. وتضم هذه العائلات بالإضافة إلى آل الأسد، آل مخلوف وشاليش وإسماعيل وخير بيك وغيرهم. وتعتبر هذه العائلات محافظة اللاذقية مقراً خاصاً بها، ولا تبالي بمصالح أو حياة باقي السكان.

ويقول الناشط والسياسي، عضو رئيس تحرير جريدة "كلنا سوريون"، بسام يوسف، إنّ ما يجري في اللاذقية له قيمة خاصة، لأنّه يصدر عن موالين للنظام ومعادين للثورة". ويضيف يوسف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه التظاهرات تمثّل خطوة مهمة تكمن في بحث هؤلاء عن أدوات تعبيرهم الخاصة، بعدما كانوا ينطقون باسم النظام، ويرون من خلال عيونه". ويشير يوسف إلى أن التظاهرات الأولى حتى في مناطق المعارضة، كانت مرتبكة وشعاراتها غير متبلورة، وكانت تحذّر الاقتراب ممّا كان يعتبر خطاً أحمر، داعياً إلى منح تظاهرات الساحل فرصة لتجاوز هذا الارتباك الأولي.  

ويرى أن من الخطأ اعتبار ما جرى في اللاذقية وطرطوس يتعلق فقط بقتل الضابط حسان الشيخ على يد أحد أقرباء الأسد، معتبراً أنّ "ما حدث ويحدث هو احتقان لأحداث كثيرة، وتعبير عن استدراك هؤلاء بانسداد الأفق أمام النظام، وهذا ما يجب أن تعيه وتستثمره المعارضة لصالحها". ويلفت يوسف إلى أنّها "المرة الأولى التي تفترق كتلة من المؤيدين عن النظام وتتّهمه، بغض النظر عن صيغة الاتهام والهدف"، مضيفاً أنّ "تصدّع البنية الموالية يعتبر مقدمة للخروج إلى قراءة جديدة على الصعيد الوطني عند هؤلاء".

اقرأ أيضاً: اللاذقية تغلي على وقع جريمة سليمان الأسد

لكن لا يعلّق يوسف آمالاً عريضة على انتقال سريع ونوعي لهؤلاء المتظاهرين، غير أنّه يرى أنّ "هناك ساحة فُتحت أمامهم اليوم، ومن الضروري الابتعاد عن المواقف المتعصبة التي وسمت أغلب السوريين خلال هذه الفترة، إذ دفعنا ثمنها واستفاد النظام كثيراً من تطرّفنا حيال بعضنا".

ويرتبط غضب الحاضنة الشعبية للنظام أيضاً، بحسب ناشطين سياسيين، بالهزائم والخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات النظام في العديد من الجبهات خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في منطقة سهل الغاب. ويشير الناشطون إلى أنّ عدداً كبيراً من المدنيين الموالين للنظام حزموا أمتعتهم استعداداً لمغادرة المنطقة باتجاه الساحل، مع اقتراب مقاتلي المعارضة من بلدة جورين، التي تشكل آخر ثكنة محصنة لقوات النظام في ريف حماة الشمالي الغربي.

ويلاحظ الناشطون إقبال عدد كبير من شباب منطقة الساحل، في الآونة الأخيرة، على استصدار جوازات سفر استعداداً لمغادرة البلاد، مشيرين إلى مغادرة المئات منهم، متجهين إلى تركيا ولبنان ومنهم من طلب اللجوء في البلدان الأوروبية.

ويوضح متابعون لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لموالي النظام، أنّ معظم المشاركين فيها يعبّرون عن امتعاض جراء سقوط المدن والمعسكرات بشكل متتال، واقتراب مقاتلي المعارضة من مناطقهم. كما يعبّر البعض عن عدم ثقته بقوات النظام في حمايته، "والتي أصبحت عاجزة عن حماية نفسها". ويلفت المتابعون إلى أنّه بعدما فقد العلويون الثقة بقوات الأسد، نشر نشطاء أن "الحرس الجمهوري بدأ بتشكيل لواء درع الساحل بعقود سنوية أو دائمة".

وتساهم العمليات العسكرية لقوات المعارضة المسلّحة المنتشرة في ريف مدينة اللاذقية، في زيادة احتقان الحاضنة الشعبية للنظام، وخصوصاً بعدما قصفت، الخميس الماضي، مدينة اللاذقية بصواريخ عدّة، أسفرت عن مقتل شخصين ووقوع عدد من الجرحى. وأشارت المعلومات الصحافية إلى أنّ التفجيرين وقعا في المدينة، أحدهما أمام المصرف التجاري السوري، والثاني قرب بناء المعلوماتية، جانب مدرسة الكرمل.

ويسيطر نظام الأسد على مدينة اللاذقية بشكل كامل، وعلى بعض القرى المجاورة. وتحتوي المدينة على أكبر عدد من مليشيات الدفاع الوطني المكوّنة أساساً من أبناء المنطقة، نظراً لخصوصيتها وكونها تضم مسقط رأس الأسد.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تسيطر على مناطق استراتيجية بسهل الغاب