معركة الأنبار تحاصر العبادي محلياً وأميركياً

17 مايو 2015
شروط أميركية أمام العبادي تسبق المساعدات (شاوول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
لا خطة محددة حتى الآن للحكومة العراقية لاستعادة المدن المسلوبة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مع استمرار قضم التنظيم للمناطق الغربية والشمالية، المحيطة ببغداد. وتزامن ذلك مع إكمال احتلال التنظيم للرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، التي انتقلت حكومتها المحلية ومجلسها المحلي إلى بغداد، قبل اقتحام "داعش" المدينة بساعات، في ظلّ تخبّط حكومي واضح وارتباكٍ بصفوف قوات الأمن والمليشيات المساندة لها، من تغول قوة داعش المستمرة، وعجزها عن تحقيق أي تقدم في مجريات المعارك.

ويورد قادة وخبراء عراقيون، أسباباً عدة للتقدّم الأخير لـ"داعش". ويعتبرون أن "هذا التقدّم بدأ بإسقاط محافظة الأنبار، والاستيلاء على مدن جديدة غربها، في مناطق أعلى الفرات، وشرقاً حيث حدود المحافظة مع بغداد". كما يعتبرون أن "تردّد رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتقاطع المصلحتين الإيرانية والأميركية بملف تسليح العشائر، ودعم الجيش النظامي، وتحجيم قوات الحشد الشعبي، التي تعتبرها واشنطن تهديداً للسلم الأهلي بالبلاد على المدى القريب، من الأسباب التي سمحت لداعش بالتوسّع".

من جهة أخرى، يعتبر آخرون أن الولايات المتحدة "ستُرغم الحكومة العراقية في النهاية على الانصياع لرغباتها، وعدم الاستماع لقائمة الطلبات الإيرانية، في مقابل البدء بخطوات جدية للقضاء على داعش، الذي بات يُشكّل خطراً جديداً على بغداد، بعد أشهر من ابتعاده عن محيطها بنحو 40 كيلومتراً".

وكشفت مصادر عراقية رفيعة المستوى، لـ"العربي الجديد"، عن "إجراء رئيس الوزراء ثلاثة اتصالات هاتفية مع واشنطن، غداة سقوط الرمادي بيد داعش، مطالباً بالتحرك سريعاً". وأوضح المصدر أن "العبادي لا زال يتلقّى وعوداً من واشنطن بالدعم في كل لقاء أو اتصال هاتفي، من دون أن يُترجم الوعد ميدانياً، إلا إذا وافق العبادي على أبرز مطالب واشنطن، وهي تحجيم مليشيا الحشد الشعبي، وتسليح العشائر، وإقرار مشروع الحرس الوطني، والبدء ببرنامج المصالحة الوطنية، الذي وعد به قبل تسلّمه سدة الحكم بالبلاد، ومن أبرزها مراجعة ملفات السجناء، الذين اعتقلوا إبان حكم سلفه نوري المالكي". وأضاف المصدر أن "الولايات المتحدة قادرة على قلب موازين القوة لصالح العراقيين، إذا تمّ تلبية الشروط الأميركية من الحكومة".

اقرأ أيضاً: الكتل السياسية العراقيّة تحتكم إلى العشائر لحل خلافاتها 

وحول المانع من ذلك أشار إلى أن "العبادي يتعرّض لضغوط كبيرة من قبل الجناح المتطرف داخل التحالف الوطني، المقرّب من إيران، وصلت إلى حد التهديد بسحب الثقة منه، إذا ما اتخذ تلك الخطوات التي يعتبرها الجناح بزعامة المالكي تنازلات ورضوخا". كما وصلت أخيراً تهديدات من قيس الخزعلي زعيم مليشيا "العصائب"، بالنزول إلى بغداد، وتجميد عمل الحكومة في حال حاول العبادي الانقلاب على من وصفهم بـ"المجاهدين المؤمنين".

وكان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قد تعهّد للعبادي بـ"التعجيل بإرسال المساعدات العسكرية". وكشف البيت الأبيض في بيان أنّ "المساعدات ستشمل أسلحة ثقيلة، منها صواريخ ايه تي ـ 4 المحمولة على الكتف، للتصدّي للشحنات الناسفة المحلية الصنع".

من جهته، دعا العبادي، إلى "عدم تصديق الشائعات التي يطلقها العدو، والمغرضون"، مؤكّداً أنّ "تنظيم داعش لا يستطيع تجميع أعداد كافية من المقاتلين في الداخل والخارج، وأنّه لا يملك اليوم إلّا أعدادا قليلة بعد قتل وفرار الآلاف منهم". ورأى أنّ "الحقيقة ستنجلي قريباً، بانتصار القوات الأمنية وأهالي محافظة الأنبار، وأنّ العدو سيتجرّع هزيمة منكرة بعد سلسلة الهزائم التي مني بها". وأضاف العبادي أنّ "بيجي تمثل آخر حصن لتنظيم داعش قبل تحرير مدينة الموصل"، مشيراً الى أنّ "تحرير بيجي بالكامل بات قريباً".

وذكر مصدر مطلع أن "مليشيا الحشد تغولت في عديدها لتصبح 117 ألف عنصر، تستهلك مرتبات من الدولة لا تقلّ شهرياً عن 38 مليون دولار، وتعتبر الولايات المتحدة أن دعم الحكومة السخي لها بهذا الشكل، لن يكون في صالح العراق ووحدته على الإطلاق، وسيكون أمر استيعابها أو تفكيكها في المستقبل صعباً للغاية".

ويقول الخبير بشؤون الجماعات المسلحة العراقية، العميد الركن المتقاعد أحمد الربيعي لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش ليس بالقوة التي لا يمكن هزيمتها مطلقاً، وشاهدنا ذلك في تكريت أخيراً، لكنه يستغلّ التخبّط عند العبادي والمشاكل السياسية التي تعصف بالحكومة، فلو كان هناك اتفاق سياسي، لوجدنا دعماً أميركياً وأوروبياً للحكومة، سواء من ناحية التسليح ودعم الجيش أو مشاركته جواً في قصف داعش".

وأضاف أن "التحالف الدولي يشنّ ما معدله 10 غارات جوية على داعش، وهذا العدد غير مؤثر إطلاقاً على مقاتلي التنظيم، الذين ارتفع عددهم في العراق إلى أكثر من 70 ألف مقاتل، منتشرين على مساحة تُقدّر حالياً بأكثر من 40 في المائة من العراق".

وحول سقوط الأنبار، أوضح الربيعي، أن "احتلال داعش لها بمثابة ناقوس الخطر الذي يقع في بغداد، فلا شيء يعوّق التنظيم عن نقل مقاتليه إلى حدود بغداد، وتحويل المعارك إلى هناك". وأضاف "سيكون لارتدادات سقوط الأنبار أثرٌ كبير على مجمل ساحة الصراع في العراق في القريب العاجل".

وحول ذلك يقول الخبير بشؤون الجماعات المسلحة العراقية، هاشم الهاشمي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "أوباما قال للعبادي قبل شهر في واشنطن ما يود سماعه، والعبادي قال لأوباما ما يود سماعه، إلا أنهما لم يفعلا شيئاً تجاه الوضع المتأزم في العراق". بالتالي، يستفيد "داعش" بشكل واضح وكبير من الخلافات السياسية في العراق، ومن تقاطع الأجندات الإيرانية الأميركية في البلاد، ما يمنحه أفضلية كبيرة وراحة في السيطرة على مدن أخرى.

وهو ما يؤكده القيادي بـ"جبهة الحراك الشعبي العراقي"، مهند العبيدي، بقوله "لا مشكلة للولايات المتحدة بسيطرة داعش على الأنبار، لأنها تجد في ذلك ورقة ضغط جديدة على العبادي، لتنفيذ شروطها كاملة. وإذا تم ما أرادت واشنطن، فستكون عملية تدمير التنظيم وتغليب كفة القوات العراقية مجدداً أمراً مفروغاً منه، ويسيراً عند واشنطن، تحديداً إذا ما علمنا أن الاميركيين حتى الآن، لم يكونوا جادين في إيقاف قوافل داعش على الحدود السورية العراقية، وبات الوضع وكأنهم يستغلون تقدّم التنظيم لفرض إرادتهم السياسية على العبادي بشكل أو بآخر".

اقرأ أيضاً: "داعش" ينسحب من مجمع بالرمادي على وقع ضربات التحالف

المساهمون