لبنان: جهود فاتيكانية "وسطيّة" لملء الشغور الرئاسي

08 ابريل 2015
على الفاتيكان إقناع عون بالتراجع عن الترشح (حسين بيضون)
+ الخط -

لم تأتِ الحوارات اللبنانية المتنقلة بين حزب الله- المستقبل من جهة، والقوات اللبنانية وتكتل التغيير والإصلاح من جهة أخرى، بأي جديد حول الشغور في الرئاسة اللبنانية. وتتحدث مصادر مسيحية لـ"العربي الجديد" عن حركة تقوم بها السفارة البابوية في لبنان لتشجيع حركة الحوارات وتأمين الأرضيات اللازمة أمام اتفاق على الرئاسة. تشير هذه المصادر إلى سلسلة من اللقاءات والاجتماعات ترأسها السفير البابوي، غابريال كاتشيا، مع مسؤولين لبنانيين مسيحيين ومسلمين للدفع في هذا الاتجاه. وكان من أبرز الاتصالات التي لا تزال مستمرة، بحسب أكثر من مصدر، التواصل القائم بين كاتشيا وتيار المستقبل، والذي يتركّز على مبدأ اختزال الخيارات الموجودة من خلال شطب مجموعة من الأسماء المرشحة لتولي منصب الرئاسة. وكانت المفاجأة لدى طرح اسم رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، وتأكيد المستقبل على إمكانية السير في هذا الخيار وفقاً لمجموعة من الشروط والتعهدات التي على عون الالتزام بها، ليتبيّن لاحقاً أنّ الشروط التي يفرضها المستقبل شبه تعجيزية تهدف إلى "تعرية" عون سياسياً وإلزامه التخلي عن حليفه حزب الله وتسليم قوى 14 آذار الكثير من المناصب والمواقع الرسمية، المدنية والأمنية. كل ذلك بالإضافة إلى التزامات خارجية يعجز عون عن قطعها، أبرزها الوقوف إلى جانب السعودية وإدانة النظام السوري.

اقرأ أيضاً: الخارجية اللبنانية في خدمة حزب الله: باسيل عراباً

ويقول مطلعون على أجواء رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، إنّ "عاصفة الحزم" جاءت لتنسف مشروع عون الرئاسي بشكل كامل، "وما كان مطلوباً منه قبل أسابيع، أصبح مضاعفاً اليوم، ما يؤكد سقوط مشروع تعيينه رئيساً".

بعد التطورات اليمنية، تراجعت حظوظ عون بشكل كامل. حتى أنّ القمة العربية في شرم الشيخ، كشفت أنّ عون مستمر في اللعب بين المحورين من دون موقف واضح، فأثار موقف وزير الخارجية اللبناني، زوج ابنة عون، جبران باسيل، حفيظة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. فكان أن التقى رئيس الحكومة اللبناني تمام سلام بابن زايد، وتم توضيح جملة من الأمور، ومنها الموقف اللبناني الرسمي. الأمر الذي دفع الوزراء اللبنانيين إلى إعادة مناقشة الموقف الرسمي من الوضع في اليمن على طاولة مجلس الوزراء، والذي اضطر أيضاً باسيل إلى عقد مؤتمر صحافي لتوضيح بعض الأمور في سياسة الخارجية اللبنانية.

وبالعودة إلى موقف السفارة البابوية في لبنان، ينقل عدد ممن التقوا كاتشيا أجواء من "النقد الحاد لسلوك الأحزاب المسيحية وتحميلها مباشرة مسؤولية تراجع الوضع المسيحي وتأثير المسيحيين وفعاليتهم في الدولة اللبنانية". ويؤكد كاتشيا أمام زواره وجوب استمرار الحوار المسيحي الداخلي وضرورة أن يشمل كل القوى المسيحية بغية الحصول على توافق داخلي يسمح بوقف المهزلة الحاصلة في موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ مايو/أيار 2014. وبات الفاتيكان على قناعة شبه تامة بأنّ الرئيس العتيد للبنان لن يكون من قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاء النظام السوري) ولا من فريق 14 آذار (المستقبل وحلفاء السعودية)، بل "المطلوب فقط شخص يملأ الشغور المسيحي ولو بالشكل، على أن ينطلق التحضير لولاية الرئيس اللاحق ليكون رئيساً قوياً وقادراً على تحصين الواقع المسيحي واستعادة دوره في لبنان".

اقرأ أيضاً: مسيحيو لبنان: رياضة وتيارات جديدة لترجمة الفشل

وبحسب ما قاله كاتشيا لزواره منذ أشهر، الحياة السياسية اللبنانية بحاجة إلى الوسط، وهو لا يزال على هذا الموقف حتى اليوم، متمنياً تعميم هذه الأجواء على الزعماء والقوى المسيحيين. يريد كاتشيا المحافظة على الحد الأدنى من هيكل النظام اللبناني، أي انتخاب رئيس للجمهورية بما تيسّر، بهدف الخروج من الفراغ الرئاسي وضياع الصلاحيات المسيحية في السلطة. موقف لا يعجب كلاً من الزعيمين المسيحيين ميشال عون وسمير جعجع، باعتبار أنّ الرجلين يسيران في حوارهما الثنائي للتأكيد على "انتخاب رئيس مسيحي قوي"، وهو الأمر غير المتوفر حتى الساعة. وإذا كان جعجع قد سبق وعبّر أكثر من مرة عن استعداده للتراجع عن الترشح للانتخابات الرئاسية، بغية التوصل إلى اسم توافقي، فإنّ عون يبقى الأكثر تضرراً من موقف الفاتيكان، باعتباره مصرّاً على الترشّح.

ومن منطلق غربلة أسماء المرشحين الرئاسيين، فقد تقود سياسة السفارة البابوية إلى إسقاط اسم عون من اللائحة بشكل أو آخر، نظراً للتعقيدات الحاصلة على المستويين الداخلي والخارجي. وبالتالي تعود الأزمة الرئاسية لتدور وتتوقف من جديد عند زعيم تكتل التغيير والإصلاح. سبق أن توقّفت المساعي الداخلية البحتة عند اسم عون، يوم أكد حزب الله أنّ البت في هذا القرار يعود إلى حليفه المسيحي (أي عون). وهذا ما تكرر لاحقاً أيضاً خلال المشاورات التي قام بها مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية، فرنسوا جيرو. ليبقى التعويل على قدرة الفاتيكان، بقديسيها وملائكتها، في إقناع عون بالانسحاب من المعركة الانتخابية.

المساهمون