"معركة الربيع" مؤجلة: حذر لبناني وتعزيز لقدرات الجيش

01 ابريل 2015
خلال تسليم مساعدات عسكريّة أميركيّة للجيش (حسين بيضون)
+ الخط -
لا تخلو جلسة تجمع لبنانيين من نقاش حول القلمون الغربي السورية. يشعر اللبنانيون، أن الخطر مجمّع هناك. يتجاوزون واقع الفراغ السائد في رئاسة الجمهوريّة منذ 25 مايو/أيار الماضي، أو كون حكومتهم شبه معطلة، ومجلس النواب مدّد لنفسه ولاية جديدة. لا ينظرون إلى الأرقام الاقتصادية المخيفة. وهذا أمر منطقي، فالحاجة إلى الأمن تطغى على كلّ أمرٍ سواها. 
وينبع الحذر اللبناني من القلمون، من وجود مقاتلين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) هناك، وقد اختبر اللبنانيّون إجرام "داعش"، سواء عندما دخل مقاتلوه إلى عرسال (شرقي لبنان) في اغسطس/آب الماضي، أو عبر عمليات الإعدام لعدد من عناصر الجيش المختطفين، إضافة لتورط عناصره باغتيالات، وخصوصاً في طرابلس شمالي لبنان.

يتضاعف الحذر حالياً من تطورات القلمون، مع الحديث عن نية حزب الله، يُسانده الجيش السوري، القيام بهجوم واسع على المنطقة بهدف السيطرة على الجرود التي يتحصّن فيها المسلحون ويشنون منها حرب عصابات على مواقع حزب الله والجيش السوري، وخطوط إمدادهما. فبعد أن أبلغ حزب الله عدداً من حلفائه بأن هذه الحرب ستبدأ في بداية شهر أبريل/نيسان، وقد اصطلح على تسميتها "معركة الربيع"، تأجّلت هذه المعركة "بسبب الأحوال الجوية السيئة. إذ تحتاج الجرود لأكثر من ثلاثة أيام لتجفّ بعد الأمطار التي تتساقط، والتي تحوّلها إلى طين"، بحسب ما يقول أحد حلفاء حزب الله في لبنان. ويؤكّد هذا الحليف أن المعركة ستبدأ بعد نحو عشرة أيام. ويتقاطع هذا الكلام، مع ما يُردده مقاتلون في صفوف حزب الله من البقاع عن التحضيرات للمعركة.

اقرأ أيضاً: الردّ الإيراني على "الصفعة السعوديّة"... في سورية

وتشير المعلومات المتقاطعة إلى أن الحزب سيعمد إلى حصار المقاتلين انطلاقاً من الجرود السورية المقابلة لجرود بلدة بريتال الحدودية، ليُكمل الطوق تدريجياً حول المسلحين ويمنعهم من الانتقال إلى الداخل السوري. وتهدف العمليّة إلى الضغط على المسلحين لدفعهم للهجوم على النقاط المفترض أنها الأكثر ضعفاً، أي تلك التي يتولّى الجيش اللبناني حمايتها، إن في عرسال أو رأس بعلبك، ذات الغالبية المسيحيّة.
يقول حليف آخر لحزب الله، إن "الحزب لا يُمكن أن يسمح بحصول مجزرة بحق المسيحيين"، ويُضيف أن هؤلاء لن يكونوا لقمة سائغة بعد تجربة الأيزيديين والمسيحيين في الموصل في العراق، بل سيُقاتلون للدفاع عن أرضهم. ويتقاطع هذا الكلام، مع معلومات من مصادر غير لبنانيّة متابعة لملف القلمون، لجهة أن حزب الله يُريد الاستفادة من وجود المسيحيين، عبر الدفع بالهجوم باتجاههم لتحويل قضيتهم إلى قضية رأي عالمي.

أمّا في عرسال، فإذا استطاع المسلحون خرق دفاعات الجيش اللبناني ودخول البلدة، فعندها "سيتم تدمير عرسال وتهجير أهلها"، بحسب ما يقول أحد السياسيين اللبنانيين المتحالفين مع حزب الله. وعند سؤاله عن السبب، يُجيب بسرعة: "ألم تعرف ماذا يُريد حزب الله من عرسال منذ ثلاث سنوات؟" ويُكمل: "يُريد إزالة هذا الجيب السني".
من جهتها، تؤكّد مصادر رسميّة في الجيش اللبناني، أن وحدات الجيش نفذت ما هو مطلوب منها لجهة بناء خطوط دفاع متقدمة عند الحدود اللبنانيّة، بحيث تمنع دخول المسلحين إليها. وتنفي هذه المصادر وجود تنسيق بين الجيش اللبناني والسوري، أو أن يكون هناك عمل عسكري مشترك بين الجيشين.
وتؤكّد هذه المصادر أن الجيش حقق ضربات متتالية لتنظيم "داعش"، عبر اعتقال عدد من قيادييه، من أبرزهم عمر وبلال ميقاتي الأسبوع الماضي، وعبدالله الجغبير (الملقب بأبو هاجر) منذ أيّام، إضافة إلى آخرين. وهو ما مكّن الجيش من الحصول على معلومات مهمّة. وتقول هذه المصادر إن عمر وبلال ميقاتي غادرا القلمون باتجاه الأراضي اللبنانية، من أجل الانتقال إلى مناطق سورية أخرى، "ويسعى مسلحو "داعش" بعد ضربات الجيش، إلى الانتقال من القلمون باتجاه الأراضي السورية إذا ما توفرت لهم ممرات"، بحسب ما تقول المصادر العسكرية. وتتقاطع هذه المعلومات مع أخرى من مصادر إسلاميّة، بأن قيادة "داعش" طلبت من مسلحيها في القلمون الغربي الانسحاب باتجاه بادية حمص، وهو ما حصل فعلاً بعد انتقال مجموعة من المقاتلين.
هذا الأمر يطرح تساؤلات حول مصير العسكريين المخطوفين لدى "داعش"، وهي تساؤلات لا يملك أحد الإجابة عنها، كون تطمينات المسؤولين اللبنانيين تلاشت، بعدما أبلغت "جبهة النصرة" أهالي العسكريين بأن المفاوضات توقفت.

بالعودة إلى الجيش اللبناني، يعيش ضباطه في حالة معنوية مرتفعة، بعد تعزيز الدفاعات عند الحدود الشرقية، والسيطرة على عدد من التلال. لكنْ لهذه المعنويات المرتفعة سبب آخر، وهو انتظار وصول أول دفعة من السلاح الفرنسي الذي دفعت السعودية ثمنه، من هبة المليارات الثلاثة من الدولارات الأميركيّة، بعد نحو أسبوعين. فبحسب مصادر رسميّة في الجيش، فإن هذا السلاح سيؤمّن نقلة نوعية للجيش اللبنانيّ، "فنحن ما زلنا نقاتل بالسلاح الذي اشتراه الجيش عام 1983، وبالتالي فإن هذا السلاح الفرنسي يُمكن أن يخدمنا لنحو 25 عاماً".
وتتوزّع الأسلحة الفرنسية على حاجات الجيش المختلفة، من أسلحة برية إلى جوية وبحرية. إذ يتم بناء أربع سفن حربية (طولها بين 55 و65 مترا) للجيش اللبناني تم تزويدها بمدافع، إلى السلاح الذي تزوّد به عادة، إضافة إلى مروحيات هجوميّة ومدافع ميدان ومصفحات مزودة بمدافع، ورادارات وصواريخ مضادة للدروع وصواريخ أرض جو، إضافة إلى شاحنات. وتتميّز المدافع التي سيتزوّد بها الجيش بدقة إصابتها، إذ ستكون المرة الأولى التي تدخل إلى الخدمة في الجيش اللبناني مدافع موجهة عبر الكومبيوتر. وسيستمر وصول السلاح على مدى خمس سنوات، إضافة إلى تدريب ضباطه وعناصره على استخدامه.
كما سيتم تزويد استخبارات الجيش اللبناني بتقنيات ومعدات، تحفّظت المصادر العسكرية على ذكر ماهيتها، لكنها أكّدت أنها تساهم بتطوير جهاز الاستخبارات بشكلٍ كبير.
اللافت أن الجيش سيحصل على رادارات ومضادات جويّة، بعدما كان هذا الأمر مرفوضاً من قبل إسرائيل بشكلٍ كبير. وتؤكّد المصادر العسكرية أن الفرنسيين تولّوا حلّ هذا الأمر، إذ حصل الجيش على ما يبتغيه. كما سيُزوّد الأميركيون الجيش بعدد من المروحيات الهجومية وطائرتي "سيسنا" التي يملك الجيش واحدة منها.
كما يُفترض أن الجيش قد تزوّد بصورايخ "كورنيت" وراجمات صواريخ روسية الصنع، بتمويل من المليار دولار التي قدمتها السعودية عبر رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. وهنا تُشير المصادر العسكرية إلى أن الهبة الروسية التي قُدمت سابقاً للجيش، عام 2010 على شكل طائرات حربية، رفضها لبنان لأنها لم تكن مجهزة بأي معدات عسكرية، وكلفة تجهيزاتها توازي سعرها، وعندما طلب الجيش استبدالها بدبابات روسية، تبين أن موسكو تريد تزويد الجيش بدبابات معدّة للتلف.
وفي السياق، تؤكّد المصادر العسكرية أن المساعدات الأميركيّة، وخصوصاً على صعيد الذخيرة، لا تزال تُعدّ أولوية قصوى للجيش، لأنها المصدر الرئيسي لمخازن ذخيرة الجيش، ومنها صواريخ غالية، نسبة للميزانية اللبنانية، كصاروخ "هيلفير" الذي يبلغ ثمنه مئة الف دولار.

إقرأ أيضاً: "معركة الربيع": تسهيل تمدّد المتشدّدين هدف حزب الله وإيران