اعتكاف ممثلي العرب السنّة في العراق: الشارع غير معني


19 فبراير 2015
اتهم بعض العراقيين المالكي والعبادي بضربهم (علي السعدي/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مجريات الأحداث التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، والتغييرات الحاصلة على مستوى الحكم فيه وتسلّم فئة معيّنة معظم مفاصل السلطة في البلاد، عن خلل كبير في التوازن بين مكونات الشعب، وعلى مستوى القادة أيضاً، خصوصاً أن الأحداث المتتالية لم تفرز قيادة قادرة على الدفاع عن مصالح فئات محددة تُختصر بمصطلح "العرب السنة". ويطرح تعليق نائبا رئيس الجمهورية العراقية أسامة النجيفي وإياد علاوي، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، فضلاً عن الوزراء السُنّة في الحكومة، عملهم، لمدة أربعة أيام، غداة خطوة مشابهة للنواب السُنّة، احتجاجاً على جرائم المليشيات في العراق، سؤالاً قديماً جديداً عن مدى تمثيل هؤلاء حقاً للشارع المحسوب على هذه الطائفة التي يشعر السواد الأعظم منها بمظلومية يعتبر أنها تُمارَس بحقه من طوائف ومجموعات أخرى. 

وأدّت اعتداءات وجرائم المليشيات وغياب الموقف الموحّد نيابياً لمن يُفترض بهم تمثيل تلك الطائفة، إلى ازدياد التهميش، خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، خصوصاً إزاء العرب السنّة الذين تمّت معاقبة جماعية بحق عدد كبير منهم على اعتبار أنهم "محسوبون" على نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وتنوّعت أساليب التهميش، من الإبعاد السياسي إلى القتل الجماعي ونزوح سكان بعض المحافظات قسراً على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومن ثم المليشيات، بالإضافة إلى حملة الإعدامات التي طالت عشائر البونمر والعبيد وغيرها من العشائر. ويسعى اليوم قادة بعض الكتل في العراق، إلى فرض أنفسهم كممثلين عن تلك الفئات والمطالبة بحقوقهم، في وقت يتهمهم الشارع بـ"الهرولة خلف مصالحهم الشخصيّة وتركهم فريسة للمليشيات وداعش".

يقول عضو "مجلس عشائر الأنبار"، الشيخ محمود الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بعض أبناء المحافظات ضاقوا ذرعاً بانتهاكات الحكومات المتعاقبة على حكم العراق، والتي منحها بعض قادة الكتل شرعيّة كاملة ولم يستطيعوا التخلي عنها".

وأضاف أنّ "التظاهرات التي خرجت في المحافظات الست (ذات الغالبية من العرب السنّة) تنديداً بسياسة المالكي خلال فترة حكمه والمطالبة بإسقاطها، خرجت من رحم الشارع المُضطهد والمغلوب على أمره". وكشف أنه "تمّت المطالبة في تلك التظاهرات بحقوقنا، في ظلّ اتساع دائرة التظاهر بشكل كبير حتى زعزعت عرش المالكي في حينها، لكن صوت القادة لم يكن معنا".

وتابع أنّ "موقف الشارع الموحّد في تلك التظاهرات، كشف عن هشاشة موقف قادة الكتل، الذين تخلّوا عنه، ولم يستطيعوا اتخاذ أي قرار بالانسحاب أو تعليق عملهم في الحكومة أو البرلمان، وإن كانوا قد انسحبوا أياماً عدة فقط لردّ ماء الوجه".

واعتبر أنّ "السياسيين عملوا خلال تلك الفترة على امتصاص غضب الشارع الثائر، وقد استطاع المالكي أن يحركهم كما شاء، لتقتحم قواته ساحة اعتصام الحويجة وتقتل العشرات من المتظاهرين، وسط سكوت فظيع من القادة".

من جهته، رأى عضو مجلس محافظة ديالى، برهان محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشارع لم يفرز حتى اليوم قيادة ناضجة تعمل لصالحه بعيداً عن المصالح الشخصيّة". وأشار إلى أنّ "كل الرموز التي ظهرت منذ العام 2003 وحتى اليوم، والتي اختفى بعضها وظهر آخرون بدلاً عنهم، لم نر فيهم قيادة حقيقية، ولم نر فيهم تمثيلاً ناضجاً في الحكومات المتعاقبة". وتابع "استطاع المالكي خلال فترات حكمه أن يخترق النخب السياسية للعرب السنّة ويسيّرهم كيفما يشاء، واليوم انتهى المالكي، لكنّنا نرى أن أولئك القادة لم يكونوا لحمة واحدة بل متفرقون وتتجاذبهم المصالح الشخصية".

ويشير الى "أنّنا نرى هنا كيف تعرّض أبناء عشائر البونمر للإبادة من قبل تنظيم داعش، كما تعرض أبناء ديالى وبروانة للإبادة من قبل المليشيات، ولم نر أي موقف من قبل القادة الذين بل اكتفوا بالانتقاد، علماً بأنهم انتفضوا عندما استهدفت المليشيات النائب زيد الجنابي، وهم الآن يهدّدون بالانسحاب من العمليّة السياسية، كون الجريح نائباً وليس مواطناً عادياً".

وخلال اجتماع عُقد عقب حادثة اختطاف الجنابي واغتيال عمّه، ضم نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، ورئيس كتلة "ائتلاف" الوطنية محمود المشهداني، ورئيس كتلة "تحالف القوى العراقية" أحمد المساري ونواباً آخرين، أكّد المجتمعون أنّ "القادة الثلاثة النجيفي والجبوري والمطلك، هم خير ممثلين لفئة عراقية ولا خلاف على ذلك".

وأشاروا الى أنّهم "موحدون تجاه القضايا الأساسية ولا خلاف حول ورقة الحقوق أو الاتفاق السياسي أو ضرورة تشريع قانون الحرس الوطني، أو العفو العام، أو تعديل قانون المساءلة والعدالة، أو التوازن". وأكّدوا أنّ "الذي تعرض للتهجير والنزوح والإرهاب وهدم بيته وقراه وتفجير الشواهد الحضارية والجوامع، ما يزال يعاني من إهمال لدوره وحقه في تحرير مدنه وقصباته، وما يزال المتطوعون ورجال العشائر يشكون ضعف الدعم الحكومي لهم من ناحية السلاح والتجهيزات الضرورية في حربهم ضد داعش".

وشدّدوا على "ضرورة العمل السريع المقنع للمواطن العراقي بأن ثمة تغييراً حقيقياً قد حصل وهو بحاجة إلى تلمس ذلك على الأرض"، مؤكّدين على "مناقشة مشاركة الجميع في تحرير أرضه ومدنه المغتصبة، ومشاركتهم في بناء البلد على أسس المواطنة والعدالة".

المساهمون