السياسة الخارجية التركية: تحولات تفرضها المصالح والأزمات

19 ديسمبر 2015
التحولات الإقليمية دفعت تركيا لتغيير سياستها الخارجية (كريس ماكارث/Getty)
+ الخط -

شهدت الأسابيع الماضية تحوّلاً كبيراً في السياسة الخارجية التركية، بدأ باستقبال حار من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تقديم دعم واضح لأنقرة من حلف شمال الأطلسي. تحوّلٌ بدا وكأنه توجّه تركي بإدارة البوصلة نحو العودة بالبلاد إلى مقعدها التاريخي في قلب التحالف الغربي. جاء ذلك خصوصاً بعد التدخل الروسي المباشر في سورية لصالح النظام وما تلاه من توترات بلغت ذروتها بقيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية على الحدود السورية، إضافة إلى صعود إيراني متوقع بداية العام المقبل، وما يحمله من تهديدات على مصالح تركيا في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: إيران بين روسيا وتركيا... انحياز إلى "حلف الضرورة"

مرّت السياسة الخارجية التركية منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002 بالعديد من نقاط التحول. في البداية، شهدت انفتاحاً على الشرق الأوسط، باستخدام نظرية القوة الناعمة وتعزيز التعاون التجاري. تحولت بعدها إلى "القوة الخشنة"، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وما تلاها من خلافات إقليمية حولها. انتهت بمصالحة تركية سعودية بداية العام الحالي، بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم، والتي كانت بمثابة إقرار واعتراف عربي بأهمية أنقرة لاعباً رئيسياً في المنطقة. جاء هذا التحول نتيجة حاجة جميع الأطراف المتحالفة تاريخياً مع الغرب في المنطقة، سواء دول الخليج أو تركيا أو إسرائيل، إلى ملء الفراغ الذي بدأ يشكله الانسحاب الأميركي من المنطقة والاتفاق النووي الإيراني.

لكن العودة الأخيرة لأنقرة ليست كسابقاتها؛ فتركيا الآن ليست الجمهورية الغضة وريثة السلطة العثمانية التي أسقطتها "خيانة العرب" فأدارت وجهها عنهم، بل ابنة السلطنة التي كانت تستند على علاقاتها وثقلها وحلفائها من العرب والأكراد في الشرق الأوسط لتمكين مواقعها في أوروبا، تماماً كما في فترة صعود بني عثمان.

وفيما يعود الحديث عن إمكانية إصلاح العلاقات التركية الإسرائيلية، يستمر الدعم الغربي بالتدفق على تركيا. ظهر ذلك جلياً بعد القمة الأوروبية التركية التي عقدت نهاية الشهر الماضي. وأثمرت هذه القمة عدة اتفاقيات تؤكّد هذا التوجه، كإعادة تفعيل ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفتح فصل جديد في المحادثات مع وعود بفتح خمسة فصول أخرى ورفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك أثناء الدخول إلى دول اتفاقية شينغن نهاية العام المقبل، وتوقيع اتفاقية خطة عمل لوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين عبر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتضمنت خطة المهاجرين، تقديم دعم يبلغ 3 مليارات يورو كمساعدات للاجئين السوريين في تركيا ونقل عدد منهم إلى الدول الأوروبية، وذلك في حال التزمت تركيا بوقف تدفق اللاجئين إليها. ولم يتوقف الدعم الأوروبي عند القمة، بل استمر في القمة المصغرة التي حضرها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، يوم الخميس الماضي، في السفارة النمساوية لدى بروكسل. رأست القمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحضرتها أهم دول أوروبا الغربية، فضلاً عن العدو التاريخي لأنقرة اليونان. واتفق المجتمعون على وضع اللمسات النهائية على الاتفاق بين الجانبين في ما يخص تفاصيل وطريقة إنفاق أموال الدعم الأوروبي والإجراءات الأمنية لوقف تدفق اللاجئين التي يجب اتخاذها بالتعاون بين الجانبين.

يأتي هذا وسط استمرار دعم حلف شمال الأطلسي، إذ علمت "العربي الجديد"، أن من المتوقع أن يوافق الأطلسي بالإجماع على إرسال المزيد من الدعم  العسكري إلى تركيا، لا سيما لمواجهة التهديدات الجوية. ورغم تأكيد الأمين العام للحلف، يانز شتلوتنبرغ، بأن هذه المساعدات لا علاقة لها بالتوتر التركي الروسي، غير أنها ستضاف إلى التعزيزات العسكرية التي أرسلها الحلف خلال الأسبوع الماضي، سواء الفرقاطات البحرية أو طائرات "تورنايدو" الألمانية. ومن المتوقع أن تشمل التعزيزات الجديدة، طائرات مقاتلة اعتراضية، وطائرات "أواكس"، التي تضم رادارات وأجهزة نظام إنذار مبكر محمولة جوّاً، قادرة على رصد الطائرات والسفن والعربات من مسافات بعيدة، كما تستطيع توجيه ضربات عسكرية وقيادة ساحة المعركة، إضافة إلى فرقاطات بحرية، وصواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات.

انفراج العلاقة التركية الإسرائيلية!

من جهة ثانية، أكد مصدر رفيع المستوى في الخارجية التركية لـ"العربي الجديد"، صحة الأحاديث المتداولة حول وجود لقاءات تركية إسرائيلية للعمل على إصلاح العلاقات بين الجانبين، وذلك بعد تأزم العلاقات التركية الإسرائيلية إثر هجوم القوات الخاصة الإسرائيلية على سفينة مافي مرمرة ضمن أسطول الحرية عام 2010، في المياه الدولية في المتوسط. وقال المصدر إن "الحديث عن لقائنا بالإسرائيليين هو أمر حقيقي، والعمل لا يزال جارياً للوصول إلى اتفاقيات لإصلاح العلاقة. لم نصل إلى اتفاق نهائي بعد، ولكن أستطيع أن أقول إن ذلك بات أمراً قريباً".

وأكد المصدر نفسه صحة الأخبار عن وجود لقاءات عُقدت في سويسرا بقيادة السفير فريدون سينيرلي أوغلو، مستشار الخارجية التركية والمسؤول عن ملف الشرق الأوسط الذي كان سفيراً سابقاً لدى إسرائيل، مع وفد إسرائيلي، لكن لم يتم بعد توقيع اتفاق نهائي، وذلك بعد أيام من تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عودته من العاصمة التركمانستانية عشق أباد، بأنه "في حال استجابة إسرائيل للشروط التركية الثلاثة، فإن إعادة تطبيع العلاقات ستكون أمراً ممكناً، الأمر الذي ستكون له فائدة كبيرة على المنطقة برمتها".

وبحسب القناة العاشرة الإسرائيلية، فإن الاتفاق المبدئي بين الجانبين، يؤكد استجابة الكيان الصهيوني لبعض الشروط التركية. وبعد قيام رئيس حكومة الاحتلال، بنيامن نتنياهو، بالاعتذار لتركيا في مارس/ آذار 2013، يتوقع أن تشمل الصفقة تعهّد الحكومة الإسرائيلية بدفع تعويضات لضحايا السفينة تصل إلى 20 مليون دولار، مقابل إغلاق الدعاوى المرفوعة ضد العسكريين الإسرائيليين الذين قاموا بالهجوم، إضافة إلى تعهّد تركيا بعدم السماح بقيام أي "نشاطات إرهابية" على أراضيها موجهة ضدّ إسرائيل، وترحيل القيادي في حركة "حماس" صلاح العروري عن أراضيها، والذي تتهمه إسرائيل بالتخطيط لعملية اختطاف وقتل 3 مستوطنين من مستوطنة غوش إيتزيون. وستسمح أنقرة بمرور خط للغاز الإسرائيلي عبر أراضيها نحو أوروبا، بينما ستبدأ المحادثات بإمكانية استيراد أنقرة الغاز الإسرائيلي، وذلك بينما يبقى الشرط التركي الثالث والخاص برفع الحصار عن قطاع غزة غير معروف المصير.

اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية التركيّة تحدّد تحالفات ما بعد الانتخابات

المساهمون