صوفيو اليمن... نأي عن المشهد السياسي

04 أكتوبر 2015
فشل الحوثيون في استمالة صوفيي الجنوب للعمل لصالحهم (الأناضول)
+ الخط -

 

يبدو الصوفيون وعلى غير عادة معظم التيارات الدينية والسياسية في جنوب اليمن، بعيدين عن التأثير في المشهد السياسي، على الرغم من أن تبعات الحرب الحالية قد استهدفتهم بشكل كبير من بوابة تنظيم "القاعدة". عدة منعطفات سياسية عرفها اليمن، من ثورة فبراير 2011، إلى انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي، والحوار الوطني، وحروب الحوثيين، و"عاصفة الحزم"، وحضرت فيها معظم التيارات السياسية والدينية بما فيها السلفية، إلا أن الصوفية لم تستفزها حتى أحداث بهذا الحجم لخوض معترك السياسة التي باتت ملعباً مفتوحاً لمختلف الأطراف في اليمن.

ويتبع الصوفيون سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الحزبية والسياسية، وعدم الخوض فيها بشكل واضح، وتظهر تأكيدات هذا التوجّه من خلال عدة محاضرات وجلسات دينية لكبار مشايخ الصوفية أثناء فترات الصراعات والحروب التي تشهدها البلاد.

وخلال الأسابيع الماضية هدم تنظيم "القاعدة" عشرات الأضرحة والقباب لكبار مشايخ الصوفية في مدينة المكلا وعدد من مناطق ساحل حضرموت، إلا أن الصوفيين لم يعلنوا موقفاً، مكتفين بالصمت تجاه هذا التصعيد الذي تُبيّن مجريات الأحداث أنه آخذ في الاستمرار ويتمدد مكانياً بشكل لافت. وكان "القاعدة" قد أفشل خلال الأشهر الماضية عدداً من الفعاليات الدينية التي يحييها الصوفيون في بعض المساجد في المكلا، إلا أن هذه الأعمال لم تستفز الصوفيين ليتخذوا ردة فعل عنيفة، الأمر الذي أشاد به كثير من المتابعين الذين يرون أن أية ردة فعل تعني دخول المحافظة في أتون الصراع الطائفي.

ويُرجع الداعية عبدالرحمن باعباد، المحسوب على الطريقة الصوفية، هذا الموقف إلى "أن الصوفيين يعتنون بالنفس وتزكيتها واليقظة من خوادعها، ويرفعون راية النظر إلى مقاصد الشريعة، والنظر في النص المعصوم بميزان الاستدلال الصافي الذي يفرق بين عصمة النص وعدم فهم النص". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد" أن "مهمتهم أن يقوّوا سياج خطر المساس بالدم والعرض والمال؛ وهو ما أكد عليه رسول الله في خطبة الحج الأكبر".

ويشير إلى أن الحل في نظرهم لانتشال الأمة من وحلها ليس بصب الزيت والاندفاع أو الانتفاع، وإنما بإطلاق العقول في فضاء مقاصد الشريعة وسد ثغرات الفهم السيئ للإسلام بالتأصيل الشرعي للخطاب المعاصر، فيما بين أفراد الأمة وفيما بينها والناس.

من جهته، يقول مدير مؤسسة "متن" للتنمية السياسية علي باقطيان، إن "صمت الصوفية عن هدم الأضرحة، وإفشال بعض طقوسهم وفعالياتهم من قِبل عناصر "القاعدة"، هو موقف الحصيف المتزن في ظل غياب الدولة وأمام اندفاع جنوني من قِبل "القاعدة"، إذ يرون أن لا فائدة في الخوض في أمور قد تتسبب في مآلات أكبر وأعظم وسط واقع يسوده الصمت المجتمعي". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد" أن تمسّك الصوفيين بأخلاقهم وعدم الخوض بما يعكّر المجتمع أو يدمر نسيجه الاجتماعي، فضلاً عن حالة الاحترام التي يحظون بها من شرائح المجتمع الحضرمي، جعلهم يُؤثرون الصمت تجاه ما يحصل ويتمسّكون بأعلى درجات ضبط النفس.

الصوفية والصراع السياسي

يفضّل الصوفيون عدم الانخراط في الأحزاب وممارسة العمل السياسي، لكن هذا لم يمنع نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من استمالة عدد منهم، للعمل لصالح حزبه خلال فترة الاستقرار النسبي الممتدة من بعد حرب صيف 1994 وحتى 2006، والذي تقلّدت فيه عناصر محسوبة على الصوفية بعض المناصب ومارست السياسة من البوابة الخلفية.

ومنذ إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990، يُلاحظ أن نظام صالح أسند وزارتي الأوقاف والعدل والجهاز القضائي في الغالب للمحسوبين على الصوفية، وفتح لهم قنوات الإعلام ليكون الخطاب الصوفي هو المسيطر، مقابل منعها تدريجياً على علماء الدين والدعاة المحسوبين على حزب "الإصلاح" (الإخوان المسلمين في اليمن).

اقرأ أيضاً: معاقل صوفيي حضرموت هدف جديد لـ"القاعدة"

وبعد اندلاع الحرب الحالية بين الحوثيين وقوات صالح من جهة، و"المقاومة" والجيش الموالي للشرعية من جهة أخرى، طالب رئيس "دار المصطفى للدراسات الإسلامية" في تريم الشيخ الحبيب عمر بن حفيظ، بالابتعاد عن الحرب، وقال: "نحن لا نشارك إلا في الأمور المحض خيرها ولا تشوبها أي شائبة"، داعياً طلاب العلم على الاستمرار في الدعوة ونشر الخير على النهج النبوي.

وكان عدد من مشايخ القبائل في حضرموت أصدروا وثيقة تطالب بضم المحافظة إلى السعودية، واتهموا فيها الصوفيين بمحاولة تسهيل مهمة الحوثيين في التقدّم نحو حضرموت، إلا أن الوثيقة لم تشر لأي دليل يؤكد هذه الاتهامات.

وفشلت جماعة الحوثي في استمالة صوفيي الجنوب للعمل لصالحها من خلال اللعب على وتر "آل البيت" وأحقيتهم بالحكم التي نجح الحوثي في ترسيخها شمالاً، إذ برزت الطائفية السياسية بشكل لافت من خلال تعيين الحوثيين لشخصيات من "آل البيت" في مناصب عليا في الدولة، بعضها لا تملك الكفاءة ولا توجد لديها أي خبرة في الإدارة.

وفي هذا السياق، يرى علي باقطيان أن "الفكر الذي يحمله الحوثيون يتنافى مع فكر ومذهب الصوفية الموسوم بالوسطية والاعتدال، ويعتنقون المذهب الشافعي بخلاف الحوثيين الذين ينتمون للمذهب الزيدي". ويلفت في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن "منتسبي الصوفية لا يخوضون في المعترك السياسي إلا فيما ندر، بينما الحوثيون يرون أنفسهم وكلاء الله في الأرض وينبذون كل من خالفهم، بل يقتلونهم من دون وجه حق ويدعون أحقيتهم بالحكم".

العلاقة بالتيارات الأخرى

يفضّل الصوفيون الانكفاء على أنفسهم، ولا تربطهم علاقة واضحة مع التيارات الأخرى، سواء الدينية أو السياسية، لكن ما هو معلوم أن بين الصوفية والسلفية حالة عداء ويطلقون عليها "الوهابية"، فيما يتهم السلفيون الصوفية بـ "الابتداع". وشهدت سنوات ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية حالة من الصراع الفكري، والتنافس على الاستحواذ على المساجد، لكنها خفتت خلال السنوات الأخيرة.

أما عن علاقة الصوفية بحركة "الإخوان المسلمين"، فتبدو طبيعية على الأقل في الوقت الحالي، كما لا تبرز علاقة واضحة بينهم وبين الأحزاب السياسية الأخرى سوى ما سبق ذكره من استقطاب حزب صالح بعض العناصر خلال الفترة السابقة. وفي فترة حكم "الحزب الاشتراكي" لجنوب اليمن قبل تحقيق الوحدة في العام 1990، تعرّض رموز الصوفية للملاحقة والتعذيب بل والتصفية الجسدية من قبل "الحزب الاشتراكي" المدعوم آنذاك من الاتحاد السوفييتي. مجتمعياً تتوغل الصوفية بشكل لافت من خلال الفعاليات الدينية كالموالد وزيارة قبر النبي هود في حضرموت، فضلاً عن فعاليات إحياء التراث والأنشطة الثقافية، وفي هذا المجال يتصدر الصوفيون المشهد، إذ يمتلكون الكثير من مراكز الدراسات البحثية ويتبنون إصدار الكثير من الكتب.

الانتشار الجغرافي

جغرافياً تبرز مدينة تريم شرقي حضرموت كمعقل الصوفية الأبرز، حيث يوجد فيها عدد من المراكز الدينية التي يرتادها آلاف الطلاب من الداخل ومن دول شرقي آسيا، ومن أهم هذه المراكز "رباط تريم العلمي" وهو أعرق مدرسة علمية في المدينة، فضلاً عن "دار المصطفى للدراسات الإسلامية" الذي يرأسه الشيخ عمر بن حفيظ، والذي يُقدّم عدداً من البرامج التلفزيونية التي بدورها أعطت زخماً إعلامياً كبيراً لـ "دار المصطفى" بخلاف "رباط تريم" الذي لا يحظى بالزخم الإعلامي نفسه. ويذكر بعض المتابعين أن هناك حالة تنافس خفي بين المدرسة الصوفية المعاصرة والقديمة.

وإضافة إلى الروابط الثقافية والمراكز التعليمية، يمتلك الصوفيون كلية الشريعة التابعة لجامعة الأحقاف التي يدرس بها هي الأخرى مئات الطلاب الأجانب من مختلف الجنسيات. ولكن بعد اندلاع العمليات العسكرية لقوات التحالف العربي في اليمن، هاجر معظم الطلاب عبر المنفذ الحدودي البري بين اليمن وسلطنة عمان ومنها إلى بلدانهم. هذا إلى جانب عدد من مراكز الدراسات والبحوث التي تروّج بشكل كبير للطريقة الصوفية.

وفي مدينة عدن جنوب البلاد، يحضر الصوفيون بنسبة ليست بالقليلة، فهناك "رباط العيدروس" الذي يستقطب مئات الطلاب ويتضمن سكناً لطلاب الجامعات، كما تنتشر روابط أخرى في عدد من المدن الجنوبية. أما في شمال البلاد، فتُعدّ محافظة البيضاء المعقل الأبرز للصوفية وفيها "رباط العلم" الذي أسسه الشيخ الراحل محمد بن عبدالله الهدار.

اقرأ أيضاً: وثيقة ضمّ حضرموت إلى السعودية تفجّر جدلاً يمنياً

المساهمون