لا تقبروناش

19 أكتوبر 2015
كتيبة مقاتلات في تعز (العربي الجديد)
+ الخط -
"لا تقبروناش … لا تقبروناش" (لا تدفنوني) عبارة واحدة تمتمها الطفل فريد بصعوبة في المستشفى الذي نقل إليه لتلقي العلاج، قبل أن تعلن وفاته متأثراً بإصابته بشظايا في الرأس، عقب قصف تعرضت له أحياء سكنية في محافظة تعز اليمنية.

تختصر تلك العبارة صرخة المدنيين اليمنيين وتشبثهم بالحياة، بعد أكثر من عام على الانقلاب، و7 أشهر من التدخل العسكري في اليمن. هي صرخة أولاً في وجه مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، الذين استباحوا دماء الشعب اليمني، سواء عبر القتل أو الحصار من دون أن يكون لديهم أي رادع. وما تتعرض له محافظة تعز حالياً من قصف عشوائي على الأحياء السكنية حرم الطفل فريد من الحياة، وحصار بلغ حد حرمان أهلها من مياه الشرب، يجسد عمق ما آلت إليه سلوكيات المليشيات. هي صرخة أيضاً في وجه تلكؤ قوى الشرعية الذي يحول دون جعل معاناة الشعب في مقدمة اهتماماتها، على الرغم من الويلات التي يتكبدها اليمنيون، وجعلتهم يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، حتى أصبح نحو 21 مليون يمني، قرابة 80 في المائة من السكان، يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. ثم هي صرخة في وجه التحالف العربي، الذي تعددت أخطاء ضرباته الجوية، وحولت في أكثر من مرة أفراح اليمنيين إلى أتراح، ليكون الموت قاسماً مشتركاً يتشاطره المدنيون، من أقصى الشمال في صعدة التي تحولت إلى كتلة دمار، وجلّ ذنب أهلها أنهم يسكنون في معقل مليشيات الحوثيين، مروراً بصنعاء التي أنهكتها قوى الانقلاب والغارات، وصولاً إلى الجنوب الذي يحاول أن ينفض عنه دمار المليشيات، ليصطدم بتحديات لا تقل خطورة، بعدما أصبحت التنظيمات المتشددة حاضرة في المشهد وبقوة، مستغلة حالة الفوضى التي يغرق فيها اليمن نتيجة تعثر التسوية السياسية.

إن طول أمد الحرب وإثباتها فشل تحالف الانقلاب من جهة، وعدم قدرة أي طرف على تحقيق أي حسم بشكل كامل في مواجهة الطرف الآخر من جهة ثانية، يجعل المفاوضات اليمنية المقررة بجنيف في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الحالي حاجة ملحة، ولا سيما بعدما أصبحت البلاد أمام خيارات محدودة: إما حرب إلى ما لا نهاية وبلا أي أفق أو بدء مسار تسوية سياسة يوقف الحرب وآلة الموت.