قرارات لبنانية: لا لاجئين سوريين بعد اليوم

05 يناير 2015
تطال الإجراءات السوريين القادمين إلى لبنان فقط (حسين بيضون)
+ الخط -

لا تفوّت الدولة اللبنانية فرصة للتضييق على دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان، في محاولة من الحكومة والوزارات المعنية للتغطية على فشلها في معالجة الوجود السوري في لبنان منذ بدء حركة اللجوء نتيجة الثورة السورية وتداعيات المعارك بين النظام وقوات المعارضة.
وبعد كل المشاورات اللبنانية، وجد المعنيون أنّ الأفضل إسقاط صفة "لاجئ" عن أي سوري يريد الهرب من نار الحرب في بلده إلى لبنان. وبذلك تكون الدولة قد أقفلت بشكل كامل، وفق اعتقاداتها، هذا الملف ونظّمته. فصدر عن المديرية العامة للأمن العام في لبنان، مطلع العام الجديد، قراراً يحمل عنوان "تنظيم دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه".
يصنّف هذا القرار السوريين القادمين إلى لبنان وفق ست فئات:  
سياحة، زيارة عمل، مالك عقار، دراسة، سفر، علاج طبي، مراجعة سفارة أجنبية، وقادمون بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية. من المفترض أن يفهم الجميع أنّ الفئة الأخيرة، أي "قادمون بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية"، هم اللاجئون الذين لا يملكون عملاً ولا ملجأً ولا سنداً مالياً وسياسياً. وفي ظلّ سوء ظروف هؤلاء، لا بد من استحداث صفة "كفيل لبناني" عليه ضمان كل مقوّمات الحياة للمواطن السوري القادم إلى لبنان.
ما يشرّع للدولة سحب يدها من مساعدة اللاجئين الجدد، ويضع المسؤولية كاملة على عاتق أفراد أو جماعات أو أحزاب لبنانيين التي قد تستغل اللاجىء سياسياً على غرار ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية السورية في لبنان.
 في حين تتراجع تقديمات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وفي ظلّ تدني دعم الجمعيات الأهلية لهذا الملف بسبب تخفيض التمويل الدولي الرسمي والخاص.
وتفتح هذه "البدعة" اللبنانية الجديدة الباب أمام نوع جديد من الاتجار بالبشر، إذ يمكن أن تضع اللاجئين الجدد في أيدي عصابات الكفالة، فيصبح "القادمون بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية" مادة للابتزاز والسخرة بيد شبكات تأمين "التعهدات المسبقة بالمسؤولية" أو شبكات "الكفلاء".


مكافحة اللجوء

ويحتاج كل سوري يريد الدخول إلى لبنان إلى قائمة طويلة من الأوراق الإدارية التي تثبت هدف الزيارة (إفادة طبية من الطبيب المعالج إذا كانت الزيارة طبية، أو من سفارة إذا كانت الزيارة لمراجعة سفارة أجنبية…). ويؤكد مصدر رسمي مطلع على الملف لـ "العربي الجديد"، أن "القرار يتعلّق بأذونات مسبقة لدخول السوريين إلى لبنان فقط، ولا يتناول اللاجئين المقيمين فيه أصلاً، ويساهم هذا القرار في تنظيم دخول السوريين إلى لبنان". ويؤكد المصدر نفسه أن "الآلية الجديدة تلحظ وجود كفيل لاستصدار إقامات عمل للعمال السوريين نتيجة بطء إصدار الإقامات في وزارة العمل، وهو إجراء يعترف بأهمية العامل السوري في العجلة الاقتصادية اللبنانية". ولو أنّ نص القرار الصادر لا يميّز بين عامل أو زائر أو لاجئ، وبالتالي يمكن أن ينظّم حركة دخول العمال السوريين لكنه يمنع على اللاجئين ذلك.
فيتحوّل هذا القرار إلى إجراء لبناني رسمي جديد للحد من توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، ويلحق بالخطوات السابقة التي تمّ اعتمادها على الحدود اللبنانية السورية، بالتعاون مع مفوضية اللاجئين. سبق للدولة أن أتمّت ما يشبه إقفال الحدود في وجه اللاجئين، من خلال إجراءات عدة أبرزها "الامتناع عن زيارة سورية اعتباراً من 1 /6 /2014 تحت طائلة فقدان صفة اللجوء في لبنان".

عنصرية مبطنة 

وفور انتشار القرار سادت تساؤلات بين أوساط السوريين الموجودين في لبنان حول إطار القرار وشمله جميع السوريين، لاجئين ومقيمين. فاحتل القرار مكانه تلقائياً في قائمة الارتكابات العنصرية بحق السوريين على الصعيد الشعبي والرسمي. وأبرزها الاعتداءات التي طالت السوريين بعد إعدام عدد من الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة"، في ظل تغاضي رسمي عن معاقبة المعتدين.
لكن مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان، نبيل الحلبي، يشير إلى أن القرار "لا يطال اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان، أما من يغادر إلى سورية ويريد العودة، فسيعود ضمن الشروط الجديدة". ويؤكد الحلبي لـ "العربي الجديد" أن القرار "يأتي ضمن الأطر القانونية ولا يتعارض مع حقوق الإنسان على أن يُطبق بلا تعسف وضمن معايير واضحة". الأمر الذي لا يمكن ضمانه في الإدارات اللبنانية نتيجة التجارب السابقة، مع معارضين سوريين في لبنان تم احتجازهم في بيروت أو وضع اليد على أوراقهم ومنعهم من السفر، مقابل تسهيلات لسوريين موالين للنظام السوري.
ومن جهة أخرى يشير مدير قسم العلاقات العامة لرئاسة الائتلاف الوطني السوري المعارض، فراس الخالدي، إلى أن "الإجراءات الجديدة لن تطال المعارضين السوريين الذين ابتعدوا أصلاً عن لبنان بعد اعتقال وترحيل عدد منهم في الأعوام الماضية". ويقول الخالدي لـ "العربي الجديد" إن تعاطي لبنان الرسمي مع السوريين "يتّسم بالعنصرية لكن الشعب اللبناني الذي يتأثر سلباً باللجوء السوري يبقى متعاطفاً من منطلقات إنسانية".


التعاطي الرسمي: استنسابية موصوفة


طالت استنسابية الأجهزة الأمنية اللبنانية سابقاً عدداً من الشخصيات السورية التي زارت لبنان خلال العامين الماضيين، كالمغنية أصالة نصري صاحبة المواقف المعارضة للنظام السوري التي أُوقفها الأمن العام في مطار بيروت الدولي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. تم احتجاز جواز سفر نصري قبل السماح لها بدخول لبنان، ما استدعى تدخل وزير العدل أشرف ريفي، فأوعز للمدعي العام إعادة الجواز لنصري، وغرد عبر موقع تويتر موقفاً رفض فيه "جعل الأجهزة اللبنانية أداة بيد النظام السوري لتنفيذ توقيفات ظاهرها قضائي وخلفيتها سياسية".

وفي مقابل "الاستشراس" في تطبيق القانون على معارضي النظام السوري وتوقيف العشرات منهم ومصادرة أجهزتهم الإلكترونية، حصل رموز النظام السوري على "معاملة خاصة" سمحت لبعضهم الحصول على خدمات استشفائية رغم وجود دعاوى قضائية ضدهم في لبنان. كوزير الداخلية السوري محمد الشعار الذي خضع لعمليات جراحية في مستشفيات بيروت في يناير/كانون الثاني عام 2013، نتيجة إصابته في أحد التفجيرات التي استهدفت مقر وزارة الداخلية السورية. غادر الشعار لبنان رغم الدعاوى القضائية التي رفعها عدد من المحامين، ومطالبة عدد من نواب كتلة "المسقبل" النيابية بتوقيفه "لمشاركته في ارتكاب مجزرة في منطقة باب التبانة في طرابلس شمالي لبنان عام 1986". كما أتت زيارات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الاستشفائية إلى لبنان، ومغادرته في ظل تسهيلات أمنية.
دلالات
المساهمون