قمة أستراخان: قوننة وضع بحر قزوين

03 أكتوبر 2014
الاتفاق يستجيب لاقتراحات روسيا السابقة (الرئاسة الأذربيجانية/Getty)
+ الخط -

شغل البحث عن وضع قانوني، تجتمع عليه الدول المشاطئة لبحر قزوين، زعماء روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمنستان، الذين اجتمعوا في مدينة أستراخان الروسية، لتثبيت ما يجمع بلدانهم على الأرض وربطه بالحديد والماء والنفط والسلاح وتعزيزه بوثائق تؤكد المصلحة المشتركة.

وما دامت هناك مصالح مشتركة، فالحديث عن آليات حماية المشترك يغدو تلقائياً، ومثله تحديد التحدّيات والمصالح المضادة، علماً بأنّ مدخل روسيا البوتينيّة إلى السياسة، اقتصادي بالدرجة الأولى، أمّا الإيديولوجيا القوميّة فللاستهلاك الداخلي.

تحقّقت في قمة أستراخان الخطوة التي طالما انتظرتها روسيا من عشرين عاماً، فقد تمّ الاتفاق على إعلان سياسي، يمهّد لتحديد الوضع القانوني لبحر قزوين، ما سيتيح في العام المقبل اعتماد وثيقة تضع حداً للجدل، الذي كان يحتدم بين حين وآخر، حول تقاسم هذا البحر والحقّ باستغلال موارده.

ووفقاً لبيان قمة زعماء قزوين التي اختتمت أعمالها في أستراخان في الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي، فقد تم الاتفاق على منطقتين بحريتين: منطقة السيادة الوطنية على المياه وعرضها 15 ميلاً بحرياً، والثانية تشكل استمراراً لها بعرض عشرة أميال بحرية، وهي منطقة الحقوق الحصريّة باستخراج الموارد البيولوجية.

وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله إنّه "بنتيجة المفاوضات، تمّ التوصل إلى صيغ واضحة بشأن تحديد مناطق المياه، وقاع البحر وباطن الأرض، وحول نظام الملاحة وصيد الأسماك، ومن المهمّ أن معظم مساحة بحر قزوين ستبقى للاستعمال العام من قبل الأطراف"، مستبعداً بفضل ذلك كلّه "حصول سوء فهم أو توتّر في العلاقات بين الدول، من طبيعة تلك التي كانت تظهر سابقاً بسبب التفسيرات المختلفة لنظام مياه بحر قزوين".

ومن الجدير بالذكر أنّ الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في قمة أستراخان، يستجيب لاقتراح كانت روسيا قد طرحته سنة 1992 لتحديد منطقة لكل بلد من البلدان المشاطئة لبحر قزوين، بعرض 25 ميلاً بحرياً، وترك باقي المياه منطقة مشتركة لكل بلدان هذا البحر، واعترضت حينها أذربيجان وإيران، واقترحتا تقسيم قزوين كلّه بين بلدانه، فبقي الأمر عالقاً أكثر من عشرين عاماً.

جيوش وسكك حديد

ثمة نقطة إضافية فائقة الأهمية تمّ إدراجها، بعد الاتّفاق عليها، في بيان قمة أستراخان، وهي تأكيد الحق الحصري لقوات الدول المشاطئة لبحر قزوين بالتواجد في هذه المنطقة، ما يشكّل إجراء وقائياً يأخذ بعين الاعتبار التطورات الممكنة في المعادلة الدوليّة، خصوصاً بعد ظهور "الدولة الإسلامية" بهذه القوة في منطقة قريبة من دول قزوين.

كذلك تأخذ بعين الاعتبار التغيّرات المحتملة في مواقف بعض بلدان هذا البحر، وخصوصاً أذربيجان، المتحفّظة في علاقتها مع روسيا والأقرب في سياساتها إلى الغرب، على الرغم من حاجتها إلى حسابات دقيقة في علاقتها مع إيران القزوينيّة التي تربطها بها قواسم مشتركة إثنية ومذهبية، على غرار تلك التي تربطها بتركيا، العضو في "الحلف الأطلسي".

وربّما كانت الحسابات الروسيّة قد أخذت بعين الاعتبار وضع إيران غير المستقر، من حيث وقوعها في مجرى أهواء الغرب ومصالحه وقابليّة جبهتها للتسخين في أي وقت.

من جهة أخرى، تتيح حصريّة وجود الجيوش من دون تحديدها تواجد جيش كل بلد على أراضيه فقط، من وجهة نظر قانونية، وجود الجيش الروسي في أي من بلدان البحر، كما يتيح ذلك لغيره من بلدان قزوين، لكنّ المفاضلة تميل لمصلحة الجيش الروسي والسياسة الروسية التي ثبّتت هذا البند في إعلان أستراخان.

وفي سياق متّصل، نقلت صحيفة "فزغلاد" عن مدير معهد بلدان رابطة الدول المستقلة، قسطنطين زاتولين، قوله بشأن حصاد القمة، إنّ "لكل طرف من الأطراف أسبابه لتقديم تنازلات، لكنّ ما يجمعهم هو الوضع غير المستقر والتهديد الخارجي، بما في ذلك من "الدولة الإسلامية"، فهذا عامل إضافي يدفع البلدان إلى التقارب".

ونقلت الصحيفة نفسها عن مدير نادي السياسيين الأذربيجانيين، إيلغار فيليزاد، إشارته إلى أنّ "الوضع القائم في العالم، على خلفيّة الأزمة الأوكرانيّة، يلعب دوراً غير قليل الأهمية هنا، فليس لدى أذربيجان خيار آخر".

ويؤكد أنّه "لا مصلحة لباكو (عاصمة أذربيجان) في انتهاج خط مغاير لباقي البلدان"، موضحاً في الوقت نفسه، أنّ "هناك دولاً متربّصة بهذا الإقليم، لا تترك محلاً لخلافات في وجهات النظر، فأي خلاف سوف يستغل مباشرة، والصين ليست آخر المستفيدين، وهي المهتمة جداً باستغلال ثروات هذا البحر وتعزيز وجودها فيه".

إلى ذلك، ناقشت القمّة مسألة إنشاء سكة حديد حول بحر قزوين تربط بلدانه بشريان حيوي وميثاق جديد يثبّته الحديد، بانتظار ميثاق قانوني يقرّ ذلك، وهيئة تتابع تنفيذه.

ولا تخفى مصلحة موسكو السياسيّة والاقتصاديّة في هذا المشروع، فمن المتوقّع بناء سكة حديد يجري الحديث عنها، وفق الأبعاد الروسية، من شأنها أن تربط بلدان قزوين بروسيا إلى زمن مديد، والمعلن من هذا الأمر، المصلحة المشتركة في النقل براً بين الموانئ القائمة على هذا البحر.

وفي سياق متّصل، قال بوتين إن "المهمة، هي ربط موانئ بحر قزوين ببعضها، ما سيؤدي إلى تقليص مدّة نقل الحمولات وتكلفته، ويزيد من القدرة التنافسيّة لاقتصاداتنا"، مؤكداً أنّ "مثل هذه المشاريع تتطلّب متابعة ودعماً تنظيمياً مستمراً، ولذلك ناقشت روسيا مع زعماء دول قزوين إنشاء هيئة خماسيّة لتحقيق المشروع".

وهكذا، يبدو أنّ موسكو تحقّق مزيداً من النجاحات على خلفيّة التحديات الجديدة التي تواجهها كما تواجه جيرانها، إن لم يكن في إنشاء نواة لأحلاف واتحادات، ففي تحييد بعض الدول، أو إخراجها من ساحة العداء لروسيا، وربطها معها بمصالح اقتصاديّة استراتيجيّة.

المساهمون