استمع إلى الملخص
- أطلق نشطاء سوريون على المجزرة اسم "الثلاثاء الأسود"، وعُثر على جثث في مواقع متعددة، بما في ذلك 84 جثة في منطقة المقابر، معظمها لأطفال ونساء وشيوخ.
- جاءت المجزرة كرد فعل على تزايد أعداد المتظاهرين، واستقدم النظام تعزيزات من الحرس الجمهوري والفرقة الأولى، ولاحقاً سيطر الجيش السوري الحر ثم تنظيم داعش على المنطقة.
في الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام 2012، ارتكبت قوات النظام السوري أبشع المجازر في وسط حيَّي الجورة والقصور في دير الزور شرقيّ سورية، إذ قُتل حينها مئات المدنيين ذبحاً وحرقاً وإعداماً ميدانياً على الجدران لكسر إرادة المدينة التي كانت حينها تشتعل ثورةً ضد النظام. وارتكب اللواء "105" التابع للحرس الجمهوري، أبرز تشكيلات قوات النظام السوري حينها، إلى جانب الفرقة الأولى وعناصر من أفرع النظام الأمنية، المجزرة التي استمرت عدة أيام، والتي راح ضحيتها نحو 500 شخص، أغلبهم من الشباب تحت سنّ الأربعين. وكانت حينها مدينة دير الزور وريفها من أبرز المدن التي انتفضت في وجه النظام السوري من خلال مظاهراتها، وكانت تعجّ ساحاتها بعشرات آلاف المتظاهرين بهدف إسقاط النظام، إلا أن النظام حينها دفع بقوات عسكرية كانت قد شاركت قبلها بمجازر حمص والغوطة ودرعا.
وكان يقود اللواء "105" أكثر ضباط النظام وحشية ودموية، علي خزام (قُتل أواخر عام 2012 قنصاً في دير الزور)، وعصام زهر الدين (قُتل هو الآخر في دير الزور أواخر عام 2017). وبدأت المجزرة بقصف مدفعي للحيَّين قبل تقسيمهما من قبل قوات النظام إلى عدة قطاعات بأرتال عسكرية مدججة بالعتاد والعناصر، لتبدأ بعدها عملية تنكيل بالسكان بـ"طرق وحشية".
من جانبه، أشار مركز الشرق نيوز للدراسات إلى أن "الثلاثاء الأسود" (اسم المجزرة بحسب ما أطلقه عليها نشطاء سوريون) شهد عدة مجازر، مبيناً أن الأهالي وجدوا بعد انتهاء المذبحة 20 جثة لأشخاص أُحرقوا داخل المشفى الميداني بالجورة، و30 جثة في منطقة طب الجورة، و10 جثث قرب معمل البلاط، و30 قرب جامع قباء، و15 داخل منزل في شارع الوادي، و15 داخل مسجد المهاجرين في الطب، و15 داخل مسجد سدرة المنتهى، و5 داخل مدرسة الثورة، وأكثر من 50 قتيلاً قرب معسكر الطلائع، و5 جثث داخل حديقة الجورة، و40 جثة قرب المدرسة النسوية، و8 داخل مخبز النعمة، و4 أشخاص أُحرِقوا داخل سيارة، و4 جثث قرب مخبز خالد بن الوليد.
وذكر المركز أنه بعد انتهاء المجزرة وانسحاب القوات المهاجمة إلى مواقعها بحوالى ثلاثة أسابيع، اكتشف الأهالي 84 جثة في منطقة المقابر عند المدينة الجامعية لجامعة الفرات، يعود معظمها لأطفال ونساء وشيوخ أُعدموا ميدانياً في أثناء محاولتهم الفرار من المدينة، مشدداً على أن عائلات كاملة أُبيدت داخل بيوتها، مضيفاً: "إلى اليوم، لم تتكشف حقيقة المجزرة كاملة، وهناك أسماء لقتلى لم يستطع أحد توثيقها، لأنها دُفنت خارج الحيّ".
من جانبه، يقول الصحافي فراس علاوي، المنحدر من محافظة دير الزور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مجزرة الجورة والقصور جاءت رداً على تنامي أعداد المتظاهرين في محافظة دير الزور، إذ إن المتظاهرين سيطروا على معظم المدينة من خلال مظاهراتهم السلمية، وكانت الأعداد حينها بعشرات الآلاف، إن لم نقل بمئات الآلاف، خصوصاً في الجمع الأخيرة التي سبقت المجزرة"، موضحاً أن "هذه الزيادة في أعداد المتظاهرين جعلت النظام يستشعر أن محافظة دير الزور بدأت تخرج عن سيطرته شيئاً فشيئاً، فحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها، ولا سيما أن ملامح مدينة دير الزور بدت تظهر تحت سيطرة الثوار".
وأشار علاوي إلى أن "المجزرة استمرت لعدة أيام، استقدم النظام تعزيزات من الحرس الجمهوري والفرقة الأولى، وشارك فيها عناصر من الأفرع الأمنية التابعة للنظام الذين كانوا في المربع الأمني لمدينة دير الزور، ودخلوا من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة على طريق دمشق، وبدأوا بالدخول إلى حيّ الجورة الذي كان يشهد تظاهرات كبيرة وحيّ القصور الذي كان يقع بالقرب من المربع الأمني".
وأكد علاوي أن "المجزرة حينها كانت مروعة جداً، إذ أُخرج الأهالي من المنازل وأُعدموا ميدانياً على الجدران، وقُتل قسم منهم في قسم الجبل خارج حدود المدينة. قُتل ناس بطرق وحشية من خلال الذبح بالسكاكين وإلقاء آخرين في نار أفران الخبز، وقُتل بعض الأطباء والناشطين في الشوارع، من ضمنهم الناشط محمد العسكر، في أثناء خروجه من المنزل، والدكتور حيدر الفندي داخل مستشفى ميداني ضمن قبو"، مشدداً على أن "الهدف من المجزرة كان كسر إرادة المحافظة، وإسكات المتظاهرين فيها من خلال نشر مقاطع مصورة تفاخر فيها ضباط النظام وعناصره بقتل المدنيين بأبشع الطرق".
ولاحقاً، تمكن الجيش السوري الحر التابع للمعارضة السورية من السيطرة على أغلب محافظة دير الزور، باستثناء بعض الأحياء في المدينة التي بقيت تحت سيطرة النظام، إضافة إلى مطارها، فيما تمكن تنظيم داعش عام 2014 من السيطرة على كل المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري الحر، ولكنه فشل هو الآخر في القضاء نهائياً على النظام في محافظة دير الزور، رغم العديد من المحاولات لاقتحام المطار. وبدأ تنظيم داعش يتقهقر في محافظة دير الزور عام 2017، إذ إن مليشيات إيرانية وقوات النظام سيطرت على الجزء الواقع جنوب نهر الفرات، والمعروف محلياً بـ"بادية الشام"، بينما سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على الجانب الشمالي "بادية الجزيرة" بشكل كامل مطلع عام 2019.